تتسم مراحل التحول من اقتصاد الدولة الي اقتصاد السوق بالكثير من المتغيرات بالنسبة لأدوار اللاعبين الرئيسيين في الاقتصاد وتغير دور الدولة نفسها وتشهد المراحل الاولية العديد من المشكلات التي يواجهها اي سوق ناشيء نتيجة للضعف الرقابي وتضخم دور القطاع الخاص سواء علي مستوي الانتاج او الخدمات في مقابل تراجع دور الدولة. وخلال الحقبة الماضية بدأ الاقتصاد المصري في التحول من اقتصاد موجه تديره الدولة وتمتلك معظم وسائل الانتاج وتدير قطاع الخدمات الي تخلي الدولة عن معظم وسائل الانتاج وكان من أهم مراحل التحول عملية الخصخصة والتي شملت بيع معظم المصانع الكبري الرابحة الي القطاع الخاص وكذلك خصخصة القطاع المالي والذي بدأ بعملية بيع البنوك المشتركة الي بنوك عالمية وكذلك بيع بعض القطاعات الخدمية مثل شركات المحمول وشركات النقل والسياحة والفنادق. واصبح القطاع الخاص هو المهيمن علي الجانب الأكبر من وسائل الانتاج واصبح السوق اكثر انفتاحا ويخضع بنسبة كبيرة لآليات العرض والطلب وهو أمر طبيعي في ظل التحول نحو الاقتصاد الحر غير ان الدولة لم تقم بالدور المنوط بها بزيادة الرقابة علي الاسواق في المقابل وهو اهم دور للدولة في الاسواق المفتوحة. ويعود غياب الدور الرقابي للدولة بالشكل الكافي لاحكام السيطرة علي الاسواق الي عدة اسباب من اهمها: ان التحول بدأ بدون اعداد التشريعات القانونية واللوائح الكافية لضبط ايقاع الاسواق ومنع الممارسات التي عادة ما تصاحب عملية التحول مثل الاحتكارات والمضاربات والاضرار بمصالح المستهلكين فالسوق تحولت من الملكية العامة الي الخاصة واصبحت شبة مفتوحة وتخضع لآليات العرض والطلب بدون وجود قانون لمنع الاحتكار والقوانين الاخري اللازمة لحماية المستهلكين وهو ما ادي الي حدوث ازمات خلال العامين الماضيين في بعض السلع الرئيسية مثل الحديد والاسمنت والاسمدة كما استمرت الدولة في حماية المنتجين المحليين حتي لو كانت اسعارهم اعلي من نظرائهم العالمين وهو ما يضر بالمستهلكين كما يؤثر علي قدرة المنتج المحلي علي المنافسة عالميا. والاكثر من ذلك ان الدولة تخلت عن دورها للتدخل في الصفقات التي تتم في السوق المحلي بين اطراف من القطاع الخاص وتركت الامر للعرض والطلب وكأن عملية التحول من الاقتصاد الموجه الي الليبرالي تقضي بتنازل الدولة تماما عن حقها في رقابة كل اطراف السوق حتي لو كانت اطراف الصفقة شركات خاصة. درس أمريكي وهناك العديد من التجارب العالمية التي يمكن ان تعطي ضوءا واضحا لدور الدولة في ظل الاقتصاد الحر واحكام سيطرتها ورقابتها علي الاسواق ويأتي في مقدمتها رفض الكونجرس الامريكي بأغلبية كبيرة بيع شركة "اونوكال" الامريكية للطاقة الي شركة "سي. ان. او. او.سي" الصينية بقيمة تصل الي 5.18 مليار دولار نقدا واوصي المسئولون الامريكيون بقبول عرض شيفرون البالغ حوالي 16 مليار دولار لن تدفع كلها نقدا ولكنها ستتوزع بين أصول واسهم واموال سائلة وكانت مبررات رفض الصفقة ثلاثة اسباب رئيسية الاول استخدام الشركة تكنولوجيا متطورة للحفر العميق لا يرغب الامريكان في نقلها للصينيين والثاني الضغط علي الصين بسبب الفائض الهائل في الميزان التجاري لصالح الصين والثالث ارتفاع اسعار النفط لمستويات قياسية والتخوف من تأثير استحواذ الشركة الصينية علي "اونوكال" للطاقة وتأثيرها علي اسعار الطاقة في السوق الامريكي. اما التجربة الثانية فكانت تدخل الحكومة الماليزية في سوق المال إبان ازمة 1998 وانهيار اسواق المال واعلان الحكومة عن شرائها لاسهم الشركات التي انخفضت بشكل غير مبرر لانها تري انها تساوي اضعاف قيمتها في السوق وكان رد فعل السوق هو الصعود الحاد للاسهم وذلك رغم ان السوق الماليزية تملك تجربة متميزة علي المستوي العالمي في التحول الي اقتصاد حر. ولا شك ان التجربتين تعطيان العديد من الدروس للاستفادة منها في مرحلة التحول اولها ان الدولة يجب أن تزيد من دورها الرقابي علي الاسواق لمصلحة المستهلكين والمصالح الامنية وان تدخل الدولة حتي في صفقات اطرافها من القطاع الخاص هو امر مشروع تماما مثل رفض بيع "اونوكال" الي شركة صينية وكذلك صدور قرار المحكمة الفيدرالية بتجزئة شركة "مايكروسوفت" لمنع احتكارها للسوق كما ان تدخل الدولة في اسواق المال اذا انخفضت الاسعار الي مستوي غير مبرر وغير مقبول لاسباب غير اقتصادية هو امر مشروع ايضا. ان مرحلة التحول الاقتصادي اهم ملامحها هو تراجع دور الدولة انتاجيا وفي المقابل زيادة دورها الرقابي علي كل اطراف السوق ولا يعني التحول الي الليبرالية والسوق المفتوح ان تكتفي الدولة بدور المتفرج.