ساعات.. وتفتح صناديق الانتخابات اجفانها في إيران غدا.. ثم تغمضها آخر النهار علي اصوات الناخبين للرئيس الايراني الجديد! تسهر طهران الليلة، مثل الامس، مع حشود الناخبين في السرادقات والقاعات، واحاديث تروي بالعطر مناقب مرشحي الرئاسة.. واول القائمة علي أكبر هاشمي رافسنجاني، مرشح المحافظين.. ود.مصطفي معين، أقوي المرشحين الاصلاحيين.. أما اغلب شباب الناخبين فيقفون الليلة في ملاهي ضواحي طهران الصاخبة.. اشهرها ملهي كبير يعشش في خندق مبطن كاتم للصوت، كان في الاصل صوبا نباتية.. الآن تعزف فيه سرا موسيقي الروك.. وأغان شجية، منها اغنية وطنية تحتج علي الرئيس بوش الذي سجل ايران ضمن ثلاثية "محور الشر".. يقول مطلعها بالفارسية: "كم أود أن اطير داخل البنتاجون.. حيا".. دون ان يفصح المغني عما يريد ان يحمله معه اثناء طيرانه بين مباني وزارة الدفاع الامريكية.. باقة ورد، أو قنبلة! اما صور الملالي حكام ايران علي حوائط ميادين طهران وشوارعها، فقد تغير سمت وجوهها في الايام الاخيرة.. كانت مقطبة الجبين مزمومة الغم عبسا وتهديدا.. الآن انفرجت الشفاة عن ابتسامة تكشف عن الاسنان، الطبيعية منها والصناعية.. الثورة الاسلامية تحاول ان تشع في الناس الطمأنينة وتحتضنهم بالامل.. علاقات عامة! أغلب شباب ايران لم يعد يحلم بتعاليم الخميني، أو شعارات تشي جيفارا.. الحلم الأمل: ثروة بيل جيتس!.. اعياهم القنوط من احداث تغيير شامل للنظام.. ابتعدوا عن السياسة، واقتربوا اكثر من كسب الرزق.. والهدف: مال أوفر.. ومتعة نعم.. ورحلات رخيصة الي الهند وماليزيا وبلاد تعرض الجمال وتركب الافيال! كريم سادجادبور المحلل السياسي بجماعة طهران للازمات الدولية، يفسر عزوف الشباب عن العمل السياسي: "اغلب الايرانيين لا يجدون الرفاهية التي يخاطرون بها من اجل الاحتجاج السياسي ضد النظام الحاكم.. حتي اليأس الناجم عن انعدام ما يمكن ان يفقدوه، لا يحركهم نحو الثورة.. علي الثورة"! ويد الحكومة الايرانية سخية، تحاول استمالة الجماهير وتوليد الرضا في النفوس.. والفضل في ذلك اولا لفيض اسعار البترول المرتفعة.. من ذلك ان الحكومة تقدم لكل شاب في سن الزواج سلفة قدرها 1300 دولار، تسدد علي 10 سنوات بفائدة اسلامية بسيطة! والصحف الايرانية لا تكف عن نشر الاعلانات الحكومية عن قروض متنوعة، لكل الفئات.. القرض الزراعي مثلا فائدته 11%.. والمقترض يستطيع ان يستثمر القرض فورا في أي بنك اخر بعائد 18%! "الهلس".. ليس حقا! آخر قياس للرأي العام الايراني، عشية يوم الانتخاب، تؤكد ارقامه ان 50% فقط سوف يتوجهون غدا الي صناديق الانتخاب لاختيار الرئيس.. للمقارنة: 66% شاركوا في انتخابات التجديد للرئيس محمد خاتمي في عام 2001! رقم المترددين علي صناديق الانتخاب له دلالته القوية في الانظمة السياسية التي تحرص علي مساندة الرأي العام لها.. لكن احدا في الجمهورية الاسلامية بطهران لم يعد يهتم بمثل هذا المعيار الديمقراطي! يحرص النظام اكثر علي التغاضي عن ممارسة الشباب لمزيد من الحريات الاجتماعية.. لكنه من حين لآخر يفاجئ الملاهي بغارات وهمية يعوزها الحسم (Perfunctory raids) لكي يذكر الشباب بان "الهلس" لم يعد حقا مكتسبا! والمثقفون التقدميون في طهران يتضاءلون عددا وعدة.. يرفعون الراية البيضاء لنظام الملالي ويتعاونون معه.. واحد منهم قمبيز تافانا، كان صحفيا ثائرا، لكنه انضم اخيرا للعمل في صحيفة "الشرق" التي يملكها هاشمي رافسنجاني ملكية سرية لا يفصح عنها احد.. يصف قمبيز عصر الاصلاحيين الذي كان من دعاته، بانه لحظة سقوط (Failing momant).. وان إرث محمد خاتمي والاصلاحيين كان مجرد تجسيم نظام الملالي في صورة السلطة التي لا يمكن قهرها (insurmountable power).. وقد قاموا بمهمتهم علي أكمل وجه! وفي تقديمه لرافسنجاني وصحيفته يقول قمبيز بنصف اقتناع: "انهما افضل من الاخرين.. قليلا ما"!. رغم انفجارات طهران، انطلقت حملة رافسنجاني في شوارع العاصمة، حتي وصلت شارع "فيريشته"، اهم شوارع المدينة التي يقصدها الشباب.. المرشح علي اكبر هاشمي رافسنجاني في سيارة مرسيدس سوداء آخر موديل، يحيي الشباب بابتسامة عريضة تسبق حركة كفه.. بينما سرايا من البنات الصغيرات المهندمات يوزعن منشورات المرشح وصورته علي المشاة والسيارات العابرة.. وبعض السيارات تنحرف بعيدا عن مرمي المنشور فيسقط علي اسفلت الشارع، لتدوسه الاقدام واطارات السيارات! قل رأيك.. لا مشكلة! انفردت مجلة تايم في عددها الاخير - الاثنين 13 يونية - بحوار خاص مع المرشح الاثير هاشمي رافسنجاني.. تكشف بعض اجاباته المكنون في اجندة سياساته! سألوه: عندما اعلنت ترشيحك للرئاسة، قلت ان هناك شكوكا تكتنف مستقبل ايران.. ماذا تقصد بالضبط؟! رافسنجاني: لم نرد ان نترك الملعب لعناصر التطرف.. وهؤلاء الذين اقنعوني بالترشيح يعتقدون ان تولي تيار معتدل سدة الحكم، سوف يحسن علاقاتنا مع العالم.. آمنت بمنطقهم! سألوه: كثير من الايرانيين انتقدوا موقفك الصامت من الديمقراطية في ايران.. هل انت معها؟ ولماذا لا تفصح بصوت عال؟! رافسنجاني: المؤكد اني أؤمن بالديمقراطية.. لكني اعتقد ان علينا ان نقطع الطريق اليها بالتمام.. خطوة وراء خطوة! وكل شيء في ايران يرتكز علي اصوات الشعب.. حتي الدستور تم اقراره بتصويت شعبي كاسح! سألوه: وماذا تقدم لملايين الشباب الايراني الذين نفد صبرهم وتبخر احساسهم بالسعادة؟! رافسنجاني: علينا ان نوفر لهم الفرص الكافية للتعليم، والتوظف.. كذلك التسهيلات اللازمة للزواج.. وحرية التعبير عن الرأي دون تبعات او مشاكل! سألوه: هل ترغب في تعليق نشاط المشروع النووي، مقابل تعاون افضل وعلاقات أوثق مع الغرب؟ رافسنجاني: لا.. نحن لا نرغب في تعليق نشاطنا النووي! لكننا جاهزون لتقديم ضمانات اعظم للعالم باننا لن ننتقل من التقنية النووية السلمية الي التقنية العسكرية! ولكي نحقق تلك الغاية فاننا في حاجة الي مزيد من الوقت والتفاوض لبناء الثقة.. ان مفتاح سياستنا النووية هو ان العالم يتجه حتما الي النزع الشامل للاسلحة الذرية! سألوه: هل انت رجل الدولة الذي يمكن ان يأخذ زمام المبادرة لانهاء الحرب الباردة مع الولاياتالمتحدة؟! رافسنجاني: في يقيني ان علي الولاياتالمتحدة ان تأخذ خطوة جادة للتعبير عن حسن نيتها من اجل التعاون.. ولئن جاءت واشنطن عبر هذا الطريق، سوف تنتهي كل العداوات المضطرمة بيننا!!