بعيدا عن الأرقام يمكن القول بأن مشكلة الهيئات الاقتصادية والدين العام والعجز اصبحت الصداع المزمن في الموازنة خلال السنوات الماضية. فضلا عن أنها تمثل نقاط الخلاف والمواجهة بين النواب سواء في مجلس الشوري أو الشعب من جهة ووزير المالية من جهة أخري حتي لو كان وزير المالية لا يتحمل تلك المسئولية لوجود العديد من الاسباب وراء هذه المشكلة. وبالفعل ظهرت بوادر المواجهة في اللجنة الاقتصادية في الشوري مع وزير المالية.. والتي تضم في عضويتها نخبة من أساتذة الاقتصاد وخبراء القانون. وفيما يلي نرصد الرؤي المختلفة لهم حول مشروع الموازنة، والاجراءات التي قاموا بطرحها في صورة خطة عمل عامة ومشروع انقاذ خاص لأزمة مزمنة اسمها "الهيئات الاقتصادية". الدكتور "علي لطفي" كان صريحا وواضحا. فرغم اشادته بالتبويب الجديد للموازنة والفكر الذي تدار به الا انه يقول ان عدم التعامل مع مشكلة الدين العام يمثل خطرا كبيرا ولتجاوزه علي حد تقديره الحدود الأمنة قياسا بالناتج المحلي الاجمالي ويري انه من المقلق عدم تعرض الموازنة الجديدة لمعالجتها.. ويشير إلي أنه رغم مؤشرات تعافي الاقتصاد وخروجه من الركود، إلا أن العجز في الموازنة لم يتراجع، واذا كانت الحكومة لا تمول العجز بطبع البنكنوت لتفادي التضخم، إلا أنها تقترض والنتيجة النهائية زيادة العجز والدين العام، وطالب الدكتور علي لطفي باستراتيجية جديدة للتعامل مع ذلك بالاضافة الي معالجة مظاهر الفقد في الاقتصاد المصري ووضع هيكل جديد للأجور. أما الدكتورة "يمن الحماقي" استاذ الاقتصاد وعضو المجلس ففي تقديرها ان التنسيق بين السياستين المالية والنقدية مازال دون المأمول وهو ما ينعكس علي الموازنة. وتشدد علي ضرورة ايجاد الآليات الكفيلة بإخراج الهيئات الاقتصادية من أزمتها خصوصا أنها تمثل عبئا ثقيلا علي كاهل الموازنة بديونها ومشاكلها المستمرة. كما تساءلت الدكتورة "ليلي الخواجة" عن اسباب تجنب الموازنة الجديدة التعامل مع مشكلة الهيئات الاقتصادية بوصفها السبب الجوهري لارتفاع الدين العام. ووفقاً للمراقبين فسوف تزداد المواجهة في مناقشات الموازنة الجديدة ستزيد احتداما هذا العام نتيجة لتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات حول الحساب الختامي لموازنة العام المالي 2002/2003 الذي ناقشه البرلمان منذ أسابيع.. وحمل الكثير من الملاحظات حول الدين العام والعجز والهيئات الاقتصادية في حين ان الموازنة الجديدة 2005/2006 لا تتطرق لمعالجة هذه القضايا.. ومن المؤكد أن النواب سينطلقون في مناقشاتهم في الأيام المقبلة للموازنة مما انتهي إليه تقرير جهاز المحاسبات، وخصوصا النقطة الساخنة وهي تجاوزات الهيئات الاقتصادية غير المرخص للاستخدامات الجارية والتي بلغت في مجملها ثمانية مليارات و150 مليونا وثمانية آلاف جنيه وهو انفاق ترفي منه 73.6 مليون جنيه اجورا ومكافآت وصفه الجهاز بانه لا يستند الي القانون وهو الامر الذي وصفه اعضاء مجلس الشعب بانه مخالفة دستورية خطيرة للمواد 116 و117 و64 من الدستور. ومن جانبه يشير مصطفي السلاب عضو مجلس الشعب الي ان عدم التعامل مع ملاحظات الجهاز المركزي للمحاسبات حول اداء الهيئات الاقتصادية امر خطير جدا حيث انها تدار باساليب غير علمية وهناك خلل في ادارتها ويكفي انه في الوقت الذي وصلت جملة استثماراتها 360.7 مليار جنيه لم يتعد العائد علي الاستثمار 11.6% اي ما يعادل 3.2% وهو رقم متدن جدا ويطالب "السلاب" بان تتعامل الموازنة الجديدة للدولة بشفافية ووضوح مع هذه الظاهرة. كما يدعو الدكتور حمدي حسن عضو مجلس الشعب الي ان تعلن الموازنة الجديدة بوضوح كيفية التعامل مع الهيئات الاقتصادية التي بلغ انفاقها 230.2 مليار جنيه مقابل ايرادات 193.5 مليار جنيه بعجز كلي 36.7 مليار جنيه وبزيادة عن الربط الاصلي بنحو 18.3 مليار جنيه اي بنسبة 99.5% وهو مؤشر خطير جدا.