الإسلاميون يتراجعون في الجزائر كشفت الانتخابات التشريعية الجزائرية التي جرت الخميس الماضي عن تراجع ملحوظ للقوي الإسلامية، عكس ما كان متوقعا علي ضوء الفوز الملحوظ الذي حققته تلك القوي في كل من تونس ومصر والمغرب، فقد أسفرت تلك الانتخابات عن حصول حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم علي 220 مقعدا بينها 68 مقعدا للمرأة من أصل 462 مقعدا، لأعضاء المجلس الشعبي الوطني «البرلمان»، وجاء في المرتبة الثانية حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يرأسه رئيس الحكومة أحمد أويحيي، الذي حصل علي 68 مقعدا بينها 32 مقعدا للمرأة، فيما جاء التيار الإسلامي في المرتبة الثالثة، إذ حصل «تكتل الجزائر الخضراء»، الذي يضم «حركة مجتمع السلم» و«حركة النهضة» و«حركة الإصلاح»، فضلا عن عدد من الأحزاب الإسلامية الصغيرة علي 66 مقعدا، بينها 15 مقعدا للمرأة، فيما حصلت جبهة القوي الاشتراكية التي كانت قد قاطعت الانتخابات التشريعية لدورتين متتاليتين، علي 21 مقعدا، بلغت نسبة المشاركة وفقا للبيانات الرسمية 38.48% بفارق نحو 12% عن الانتخابات التي جرت 2007 ولم تتجاوز نسبة المشاركة بها 36%، وفيما أكدت بعض قوي المعارضة أن نسبة المشاركة لم تتجاوز 18%، صدقت جبهة القوي الاشتراكية المعارضة علي نسب المشاركة الرسمية واعترفت بها. تعود هذه النتائج لعدة أسباب بينها، نجاح النظام الجزائري في إخماد نيران العنف الأهلي الذي رفعت لتبريره شعارات دينية، وانخرطت فيه بعنف قوي إسلامية مما أدي إلي أن يذهب ضحيته علي امتداد أكثر من عقد نحو مائتي ألف قتيل، وهي نتيجة رسخت وفي وعي المواطن الجزائري ملازمة العنف للقوي الإسلامية، التي قد تتراجع عنه مرحليا، لكنه يبقي راسخا في جوهر حركتها وأيديولوجيتها، مازالت الذاكرة الجزائرية تحفظ عن ظهر قلب الفوز الساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ في انتخابات المحليات التي جرت في يونيو 1990، إذ حصلت علي 54% من مقاعد البلديات والولايات، في مقابل حصول حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم علي 28% منها فقط، وفي نشوة الانتصار، لم تتوقف الجبهة الإسلامية للإنقاذ آنذاك لدراسة الأسباب التي وفرت لها عوامل النجاح، ولم تدرك أن النصر الذي حققته لم يكن اختيارا بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، بل كان تصويتا بفشل سياسات الحزب الحاكم وعجزه عن إنقاذ الجزائر من براثن الفساد والفقر والبطالة والديون وإخفاقه في التوصل لمفاهيم محددة للهوية الثقافية الجزائرية، وكان من الطبيعي أن يدفع الفساد المهمشين في المجتمع الجزائري وهم أغلبيته، إلي الانجذاب نحو القيم الدينية والأخلاقية التي ترفع شعاراتها جبهة الإنقاذ، خاصة بعد أن أدرك الجزائريون أن مشاكلهم الاقتصادية لا ترجع إلي ضعف موارد البلاد المالية، بل إلي سوء استغلالها، بعد هذا النصر اندفع قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ بهوج نحو محاولة الاستيلاء علي السلطة وكل مفاصل الدولة بالقوة، فرفعت شعارات الجهاد لإسقاط الحكومة الجزائرية بالقوة، ودعت الجبهة إلي «إقامة الدولة الإسلامية فورا ودون تصويت» واعتبرت «البلديات هي اللبنة الأولي للدولة الإسلامية» وفي انتخابات ديسمبر البرلمانية عام 1991، لاح في الأفق أنها سوف تحصد أغلبية مقاعد المجلس التشريعي، بدأ قادتها يعلنون أن «الديمقراطية كفر» وبات واضحا للمجتمع الجزائري، أن الاستبداد الذي يرفع شعارات دينية قادم ليحل محل استبداد مدني عسكري، وفي هذه اللحظة ألغي النظام الجزائري الانتخابات العامة، وبدأت منذئذ حرب أهلية بين الطوائف والمناطق والأعراق والقوميات، لإصرار الجبهة الإسلامية للإنقاذ علي استغلال الدرس في المجال السياسي، فدفع المجتمع الجزائري من حرياته العامة ثمنا غاليا جراء إصرار الجبهة الإسلامية للإنقاذ علي الانفراد بالسلطة، والتمسك بكونها القوة الأساسية في الحياة السياسية بالجزائر. هذا الميراث الحزين الذي عرقل خطي الإصلاح الديمقراطي الحقيقي في المجتمع الجزائري، كان سببا من أسباب تراجع القوي الإسلامية في هذه الانتخابات، هذا بالإضافة إلي أن التعثر الذي تدير به القوي الإسلامية التي قطفت ثمار «الربيع العربي» الأمور في كل من تونس ومصر، قد لعب دورا رئيسيا في هذا التراجع، الذي يمكن له أن يستمر إذا ما قادت الحكومة الجزائرية بنفسها خطوات الإصلاح الديمقراطي الجذري الذي يحمي المجتمع من تبديد ثرواته في أنهار لا قاع لها من الفساد، وأن يتم التعبير عن ذلك في انتخابات رئاسة الجمهورية التي ستجري عام 2014.