المشايخ والگباريحگمون بأهواء شخصية لا قانونية يتم الصلح بالمقار الأمنية تحت أشراف من لايعرفون القانون هل يعقل أن تستمر الأمور هكذا؟ الموضة الجديدة: القانون يأخذ أجازة ويتم حل المشكلات عبر المجالس العرفية لتزداد الأزمات اشتعالا بدلا من تطبيق القانون علي الجميع. ورغم وجود نظام قضائي مستقر في مصر منذ مئات السنين، فإن المسئولين يلجأون للجلسات العرفية متجاهلين أن ما كان يصلح في الزمان الغابر وقبل نشأة القضاء في مصر، لم يعد صالحا الآن. شهدت مصر عشرات حوادث العنف الطائفي في أعقاب ثورة اللوتس المجيدة 25 يناير، بداية باحداث هدم كنيسة اطفيح وإمبابة وكنيسة الماريناب بأسوان، وصولا الي حكم المجالس العرفية بتهجير الاسر المسيحية بالعامرية بالاسكندرية الشهر الماضي، والتي شهدت ما لا يقبله عقل أو منطق بعد تفويض النائب السلفي أحمد شريف الهواري بمهمة تصفية وبيع ممتلكات الاقباط. وما يدعو للعار أيضا أن تعقد الجلسات العرفية بمقار المباحث وأمن الدولة وبحضور رجال الأمن والقانون والذين يصغون ايضا في النهاية لمن لا دراية لهم في امور القانون والقضاء. كل هذا يحذر ويهدد من تصدع النسيج الوطني ووحدة مصر والتداعيات الخطيرة لمثل هذه القضايا، بالإضافة لاستمرار حوادث العنف القبلية في محافظات الصعيد مثل ما حدث مؤخراً بقنا بين عائلتي الأشراف والحميدات في غياب تام للقانون، كلها صور تهدد وحدة مصر وأراضيها لإثارة الفتن القبلية وتقسيم الشعب المصري قبليا وطائفيا ونتائج غير محمودة العواقب. وتعليقاً علي احداث البلطجة والسطو المسلح بسيناء في ديسمبر الماضي، شدد اللواء خالد فوده محافظ جنوبسيناء علي مشايخ القبائل وعقلاء البدو بضرورة تفعيل قرارات "الجلسة العرفية" الأخيرة التي عقدت بمدينة شرم الشيخ وقرروا خلالها تغريم حاملي الأسلحة الآلية وكل من يحاول العبث بأمن وأمان المواطنين مبلغ 100 ألف جنيه، في تغافل تام لدور أجهزة الأمن في حماية المواطنين والقبض علي البلطجية!. أجهزة الأمن وتتعدد الجهات الأمنية بداية من أجهزة وزارة الداخلية وأقسام الشرطة، بالإضافة للشرطة العسكرية، والمخابرات.. رغم كل هذا الطابور الأمني الطويل والذي يكفي أي دولة _إن أرادت_ السيطرة علي أمنها الداخلي، وظهرت المجالس العرفية في مصر مع الفتح الإسلامي لمصر، قادماً من الجزيرة العربية ومن ثم نقلت عنهم هذه العادات البدوية، حيث لم يكن هناك ثمة قوانين بهذه المنطقة إطلاقاً، وتدفقت قبائل عربية كثيرة لمناطق مصر بجنوبالوادي وانتشرت فيما بعد بالمناطق البدوية والحدودية والريفية. والان وفي القرن الواحد والعشرين مازال المواطنون يلجأون في كل مشكلة خاصة الطائفية منها، الي الصلح عن طريق المجالس العرفية، ويتم الصلح في الغالب داخل مقار أمن الدولة، ومنذ عقود الأمر كما هو لم يتغير شيء، وما يزيد من الأمور تعقيدا عندما يفرض الجانب الاٌقوي شروطه علي الأضعف في ظل موافقة وترحيب من جانب مسئولي الأمن وهو مايزيد من القضية إضعافاً، ونتيجة لبطء الإجراءات الأمنية والقضاء يضطر المواطنون سواء الجاني او المجني عليه لمثل هذه الجلسات والابتعاد عن الطرق الرسمية والقانونية لإنهاء الخلافات بين العائلات طرفي النزاع. ففي المجالس العرفية المصرية لا مجال للطعن أو الرفض أو التأجيل فالحكم واجب النفاذ دون تأخير!. ودائماً ما يغيب الجاني او الفاعل، ويتنحي القانون جانبا، وتضيع هيبة الدولة، والأخطر من ذلك _وعلي الرغم من أن مصر دولة قانون_ أن مؤسسات الدولة تكتفي بالمتابعة والمشاهدة فقط دون أي إجراء قانوني يحد من إنتشار هذه الظاهرة وترك الإمور لمواطنين تحكمهم القبلية أولاً قبل احترام وسيادة القانون، ولا يعالج جذور القضية، مما يصل بنا لمرحلة تحدي الدولة وانعدام الثقة بين الشعب والاجهزة الامنية. وتتعدد الأسباب في كل جلسة ما بين خلاف علي قطعة أرض، أو ترميم كنيسة بعد الحصول علي موافقة الجهات الرسمية المختصة، أو نزاع حول المياه في الجيرة الزراعية, أو توترات ومصادمات تتصل بالقيام بممارسة الشعائر الدينية القبطية في منزل أو جمعية، والشكل الذي تعاني منه مصر عندما تنتشر إشاعة عن علاقة بين شاب مسيحي وفتاة مسلمة.. ويتم التعامل مع مثل هذه الاحداث بنفس الطريقة والمسكنات في كل مرة، ويحفل تاريخ الأزمات الطائفية في مصر بقوانين الصلح او القضاء العرفي، والذي ينتهي كل مرة بمباركة المسئولين الصلح بين أطراف النزاع دون أن يكون للدولة أدني دور في معاقبة الجناة. تشكيل المجالس عدم أهلية "القاضي او الحاكم العرفي" قانونياً للنظر في الحكم والنزاع المطروح أمامه وفي الغالب تتحكم المشاعر العصبية ووجهة نظر شخصية وغياب الاستناد لنص قانوني أو شرعي يؤهله للحكم وبالتالي فالحكم النهائي يكون مشوها وبه قصور وعوار. وتخرج معظم الأحكام في غياب الحيثيات والشق القانوني متضمناً دفع دية أو بيع وشراء وغيره. يتكون المجلس العرفي من كبار مشايخ أهل البلدة وخارجها وعلي أن يكونا من الشخصيات العامة المعروفة، ويجب ان تتم المجالس باتفاق الطرفين ورضاهم المسبق وبخاصة المتضرر، والإقرار مقدماً بانحصار صلاحيات وقدرات مثل هذه اللجان في بعض القضايا، مثلا في إطار النزاع القبلي أو العائلي. اما الان أصبحت مثل هذه المجالس غير ذات جدوي، ولا تناسب الظروف والتغيرات التي نمر بها، بالاضافة لعدم قبول الطرف المتضرر الحكم والذي يكون في الغالب تجاوزاً لحقه، مما يزيد من الأمور تعقيدا وينحصر في إتمام الصلح دون حل جذري للمشكلة، بل إنها في كثير من الأحيان تؤدي إلي احتقان الأمور أكثر! تحجيم المجالس العرفية أشار محمد الدماطي وكيل أول وأمين لجنة الحريات بنقابة المحامين، إلي ان أزمة المجالس العرفية حينما تصل في بعض الاحيان لحل قضية جنائية، فإن الحكم فيها يكون لصالح القوي فقط. ومن ثم لابد من إعمال القانون حتي لا تصبح السلطة القضائية هي الإستثناء والمجالس العرفية هي القاعدة، خاصة ان مشايخ المجالس لا يحكمون بموجب القانون. وحذر الدماطي من ترك الامور كما هي عليها الان حتي لا "يتغول" الحل العرفي علي السلطة القضائية بالدولة، داعياً وضع حد للقضاء العرفي وتحجيمه في حدود قضايا التعدي أو الإتلاف البسيطة، علي الجانب الآخر رفض الدماطي طريقة علاج قضية هدم كنيسة أطفيح بحضور المشايخ وانتهاء الامر عند التصالح دون عقاب للمجرمين واصفا إياه بال"تهريج"، وهو ما حدث في قضية تهجير أقباط العامرية، وإذا كان هناك تهجير فيكون بحدود والمسئول عنه يكون رجال القانون لاحتجاز المجرم أو القاتل أو المتهم في جريمة ما. اما ما يحدث من تفاوض بين الحكومة والامن مع مشايخ القبائل فهو "طبطبة". واستنكر الدماطي موقف رئيس الحكومة مع القبائل السيناوية بمطالبته إياهم بعدم ضرب خطوط الغاز وهو ما يعد كارثة كبري!! ومن هنا شدد الدماطي علي ضرورة قيام الأمن المصري بالضرب بيد من حديد وأن يكون القضاء المصري هو الأساس أولا لا سلطة غيره، ولا بد من العقوبة والردع العام والردع الخاص للمجرم. غياب الإرادة السياسية ويؤكد الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق، ان هناك قضايا وخلافات يتم حلها عن طريق المجالس العرفية لا تستطيع الجهات القانونية الأخري حلها، مؤكدا ليس من سمات المجالس العرفية تهجير مواطنين خارج منازلهم وبيع ممتلكاتهم، واصفاً ما حدث بالعامرية وتهجير بعض الأسر بها بال"انحياز" الشديد لطرف ما، وكل ما تقوم به المجالس العرفية هي عقاب المخطئ بدفع الغرامة مثلاً، وشدد عاشور علي ضرورة اختيار من يتولي قيادة المجلس العرفي وأهليته في هذا الشأن حتي لا يقع العقاب علي المتضرر ويشوب الجلسة نوع من الظلم. ويري المفكر كمال زاخر، ان المجالس العرفية وأحكامها تمثل إهداراً للقانون، وكلما تقدمت الدولة كان للقانون دور كبير في ترتيب العلاقات بين المواطنين، والجزءالأكبر من الازمة غياب "الإرادة السياسية" للدولة. وأشار زاخر إلي ان الضحية في المجالس العرفية هي "الدولة" سواء تحمل نتيجتها الأقليات أو الضعفاء، وعندما يقوم القضاء العرفي بحل أزمات الدولة سيؤدي ذلك للتأخر الحضاري والثقافي، واصفاً ما يحدث بالتقصير الكامل من جانب الدولة في تطبيق القانون الرادع لحماية هيبة الدولة وقوانينها من أيدي العابثين.