القنوات الفضائية تبيع الوهم للمرضي بشري سارة لمن يعاني من أي مرض.. السكري.. الكبد.. العقم وحتي السرطان وذلك في فترة وجيزة.. هكذا تبدأ جمل الكذب والخداع في بداية هذه الإعلانات «إعلانات الأدوية» علي شاشات الفضائيات حيث ازدادت فوضي انتشار هذه الإعلانات عبر وسائل الإعلام وخاصة القنوات الفضائية «الدينية» في حين أن تلك الجهات تبيع الوهم للمرضي البسطاء وتعلن عن منتجاتها في ظل غياب القانون مع عدم حصولها علي تراخيص من وزارة الصحة. وعن هذا أكد د. أحمد رامي نقيب صيادلة القليوبية أن هذه الإعلانات مخالفة للقانون ومخالفة لآداب المهنة والشعوذة والدجل فيها أكثر من الحقيقة، كما أنه لو بحثنا عن المادة الفعالة نجد أنها ليست موجودة. يؤكد أنهم يفعلون كل ما في وسعهم لعدم السماح للنصب علي الناس «الغلابة» الذين ينطبق عليهم المثل القائل «زي الغريق الذي يتعلق بقشة» ظنا منهم أنه طوق النجاة. وأضاف أن السبب هو استخدام هؤلاء «النصابين» لبعض عبارات الإيهام والتدليس في الإعلان عن منتجهم والمثال علي ذلك هو الإعلان عن بعض أنواع عسل النحل مزينة بعبارة «شفاء عاجل لمريض السكر» وكأنه علاج ولكن الحقيقة والقصد وراء هذه العبارة بأن عسل النحل يستخدم للتحلية بدلا من السكر لمريض السكر وهذا ما لا يفهمه المريض ويكون نتيجة هذا امتناع المريض عن تناول عقار الأنسولين ظنا أن العسل وحده يشفي فيموت المريض وهنا تكمن الخطورة. كما أكد د. خيري عبدالدايم «نقيب الأطباء» أن من يمارس الطب علي الفضائيات أو في العيادات أو المستشفيات بدون ترخيص من نقابة الأطباء يرتكب جريمة عقوبتها السجن المشدد، أما الطبيب الذي يروج الأدوية غير مرخصة من وزارة الصحة فإنه أيضا يرتكب مخالفة ضد القانون وتتم محاسبته أمام لجنة تأديب بنقابة الأطباء وفي حالة إدانته فإنها توقع عليه الجزاء ويسحب ترخيص مزاولة المهنة. عودة الفوضي وأدان «عبدالدايم» وسائل الإعلام التي تعلن عن هذه الأدوية «المشكوك فيها» وهناك قنوات كان قد جري إغلاقها لفترة طويلة بعد تقديم بلاغات للنائب العام ضدها بالتعاون بين النقابة ووزارة الصحة، ولكن وبعد ثورة يناير في ظل الفوضي التي تشهدها البلاد حاليا إضافة لعدم وجود تشريع رسمي يجرم الإعلانات، عادت القنوات مرة أخري لتلعب بمشاعر المريض البسيط الذي لا حول له ولا قوة. واتهم د. جمال شيحة أستاذ الكبد بجامعة المنصورة وزارة الصحة بتقاعسها عن أداء دورها الرقابي والتفتيشي المستمر علي المراكز والصيدليات مما أدي إلي انتشار الفوضي الدوائية مؤكدا أن ما يهم الإعلام هو الدعاية للحصول علي أكبر قدر من الأموال أما صحة المريض فهي آخر ما تفكر فيه!!! وفاة المرضي وأرجع «شيحة» سبب تزايد الإقبال الجماهيري علي شراء هذه الأنواع من الأدوية إلي انتشار الجهل وعدم معرفة المواطن بالمخاطر والأضرار التي ستلحق به لتناوله العقاقير التي تؤدي إلي وفاة وقد حدث فعلا أن العديد من المرضي ماتوا بسبب تناولهم الأدوية التي يعلن عنها لمرضي الكبد. وأضاف «شيحة» أنه قام بتقديم بلاغ مع إثبات شهادة أهالي بعض المرضي المتوفين نتيجة هذه الأدوية غير المصرح بها وتحولت إلي جنحة قضائية كانت نتيجتها براءة المتهمين لعدم وجود تشريع من وزارة الصحة يجرم مثل هذه الممارسات. وأعلن قاضي التحقيقات الخاصة بقضية الإعلان عن الأدوية التي تسببت في قتل بعض المرضي أن المسئولية الوحيدة تقع علي القناة الفضائية التي قامت بعرض هذا «الإعلان» وعلي أثره قام المرضي بشراء هذا الدواء مجهول المصدر. ومن جانبه أكد د. مصطفي رءوف طبيب المسالك البولية بالقاهرة أن العلاج الذي تقدمه هذه القنوات لعلاج العقم وخاصة الأعشاب ليس إلا مواد كيماوية يمكن أن تتخللها ميكروبات تؤثر علي الصحة العامة للمريض. وأضاف أن لاستعانة المرضي بمثل هذه الأدوية هو «كالغريق الذي يتعلق بقشة» حتي وإن كانت هذه القشة نصبا واستغلالا لاحتياج هؤلاء المرضي للعلاج السريع. وعن رأي القانون تقول رضا البركاوي - المحامية - إن أساس تجارة الأدوية العشبية هي «القنوات الدينية» وأن هذا الفكر في الأساس يعتمد علي سيطرة الدين علي الناس البسطاء وإيهامهم بأن العلاجات العشبية مأخوذة من الرسول - صلي الله عليه وسلم - مما يؤدي إلي تكالب هؤلاء المرضي علي هؤلاء الدجالين وشراء ما يسمونه أدوية. وأضافت أن التصدي لهذه الظاهرة يتمثل في أن تقوم القنوات الدينية بمنع استضافة مثل هؤلاء الدجالين علي شاشتها حيث إن هؤلاء لا يستطيعون بأي حال من الأحوال ممارسة الطب إلا عن طريق شاشات الفضائيات التي لا تخدم ميثاق الشرف الإعلامي وتجري وراء الأموال وهذه الفضائيات غالبا ما تلجأ إلي هؤلاء الدجالين نظرا لعدم حصولهم من المعلنين علي أجر ويتقاسم العاملون فيما بينهم أرباح الاتصالات التي تعود علي القناة بربح وفير وقد تصدت ووزارة الصحة لهذه الظاهرة بالاشتراك مع نقابة الأطباء عن طريق تقديم بلاغ إلي النائب العام ضد هؤلاء الدجالين والقنوات الدينية العشبية والبلاغ الآن جنحة أمام محكمة 6 أكتوبر الابتدائية. واستطردت «بركاوي» أنها قد قامت برفع قضية ضد عدد من القنوات الفضائية الدينية العشبية التي تدغدغ مشاعر الناس بالدين لكي تملأ جيوبهم بالملايين. وأضافت أن القضية تحمل رقم 17156 لسنة 64 قضاء إداري. وتأمل في القضاء العادل أن يتصدي لهؤلاء الذين يجعلون الدين ستارا لهم والدين منهم براء. وشدد د. أيمن الخطيب - مساعد وزير الصحة - أن القنوات الإعلامية لابد أن تتأكد من صحة الدواء المعلن عنه وأضاف أن أي دواء قبل الإعلان عنه سواء في الفضائيات أو أي وسيلة إعلامية أخري يجب أن يحصل علي موافقة اللجنة الفنية لمراقبة الأدوية بالإدارة المركزية للشئون الصيدلية بوزارة الصحة وهي الجهة الوحيدة التي يحق لها تداوله أو منعه تبعا لتأثيره الإيجابي أو السلبي علي حالة المريض. واعترف «الخطيب» بأن وزارة الصحة هي المسئولة عن التصدي لظاهرة أدوية الفضائيات غير المرخصة ولذلك فنحن نواصل التصدي لهم بالقانون وهذا ما دفعنا لرفع العديد من القضايا سابقا وقريبا ستنتهي هذه المهزلة!! عن الحلول أضاف «الخطيب» بأن علاج هذه الظاهرة يقع علي عاتق الإعلام فقد قمنا بتوزيع بيان علي كل الجهات الإعلامية مفاده عدم نشر أي إعلان لأي دواء ما لم يكن مرخصا من وزارة الصحة وموافقا عليه والحد من انتشار هذه الوصفات التي تباع بدون ترخيص طبي. وفي سياق متصل يبين «الخطيب» أن الأدوية التي تم تجريم الإعلان عنها عبر الفضائيات في البيان هي «نوبين» قاهر الألم و«إيزي كويت» للإقلاع عن التدخين وشاي «د. مينج» للتخسيس و«شاميني لوك» لتساقط الشعر! وعن رأي علم الاجتماع أكد د. شريف عوض - أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة - أن هناك أسبابا اجتماعية كثيرة التي تؤدي بالمرضي إلي العلاج بهذا النوع من الأدوية ولكن السبب الرئيسي هو فشل كل محاولات المريض للعلاج الرسمي الشرعي حيث إن الأدوية المفترض أنها تعالج أمراضا معينة بعضها ليست ذات كفاءة وبالتالي الطرق البديلة هي «الحل» في نظر المرضي سواء كانت العلاج بالأعشاب ومن خلال البحث في إعلانات الفضائيات، ولكن نجده يلعب دورا سلبيا لأنه يتلاعب بالمشاعر ويتلاعب بالمادة الفعالة بالدواء نفسه منتهزا فرصة أن الدواء الرسمي فشل في علاج بعض الأمراض وبالتالي يتلاعب بطموحات وأحلام المرضي. وأضاف أن هناك سببا آخر لا يقل أهمية وهو قلة الوعي الصحي والتثقيفي لدي الناس مما يؤدي إلي اللجوء لأي وسيلة إن كانت ظنا منهم أنها علاج لأي مرض. كما يؤكد أن فكرة الإعلانات هي فكرة تجارية في المقام الأول وتعمل علي الإلحاح المستمر باستخدام آيات من القرآن الكريم والاستعانة ببعض النصابين كما لو أنهم عولجوا بهذا الدواء كما أن هذه الأدوية تناسب دخول المرضي مقارنة بالأدوية الرسمية وهذه وسيلة تلاعب أخري حيث يقلصون المادة الفعالة للدواء لتتناسب مع دخل المريض فيبدأ بطلبها ظنا منه أنها وسيلة أفضل وأكثر أمنا وأوفر من العلاجات الأخري. وعن العمل الإعلامي وشروط ومعايير وضوابط من أجل التحكم وتنقية المحتوي الإعلامي الذي يتم عرضه علي الرأي العام وعلي المشاهدين، ويبرر يرجع هذه الفوضي الخبير الإعلامي «سيد الغضبان» لعدم وجود ميثاق شرف إعلامي وعدم وجود نقابة للإعلاميين مثل الصحفيين، مما يجعل صعوبة في المراقبة المهنية الإعلامية علي القنوات والعاملين بها وبالتالي لايوجد مسار للضوابط والمعايير التي يمكن أن تأخذ تجاه هذا النوع من النصب الإعلامي، ولمنع هذا النصب والتلاعب الإعلامي لابد من وضع ميثاق شرف إعلامي وهذا هو الحل الوحيد لمنع هذه الإعلانات التي تجرمها كل القوانين في مختلف دول العالم، وبالإضافة إلي ضرورة إنشاء مجلس أعلي للإعلام يكون مستقل إعلاميا ومهنيا وماليا وإداريا لوضع شروط وضوابط تضبط الممارسات الإعلامية ووجود تنظيم للإعلاميين أنفسهم، وهذا المجلس بديلا عن إنشاء إدارة داخل اتحاد الإذاعة والتليفزيون لمراقبة المحتوي الإعلامي ولكن التخوف من تدخل وتحكم هذه الإدارة بالمحتوي الإعلامي ككل وفكرة المجلس أفضل من تلك الإدارة لأن ما يحدث من فوضي الإعلان تعتبر لونا من ألوان الابتزاز والدجل والغش التجاري والتأثير السلبي علي المشاهدين من خلال الإعلام، والأسوأ من ذلك هناك برامج دجل وشعوذة تدعو المشاهدين للعلاج بالقرآن وهي جزء آخر لهذا النوع من النصب الإعلامي. ويتفق معه الخبير الإعلامي «ياسر عبدالعزيز» في أن مصر كدولة لا تملك بنية تشريعية ومهنية يمكنها أن تشرف علي صناعة الإعلام بشكل عام وتراقب أداءها، والإعلانات في مصر هي سلعة لا تخضع لأي نوع من أي أنواع الضبط والمراجعة وبالتالي تتحول أو تحولت بالفعل لميدان لممارسة الدجل والنصب. وفي الدول الأكثر تنظيما توجد هيئات تقوم بمراجعة الإعلانات وضمان التزامها بقواعد حماية الجمهور والمستهلك كما تتيح الفرصة للجمهور لإمكانية تقديم شكاوي تجاه المعلنين الذين لا يلتزمون بقواعد الإعلام.