أثرياء علي القمة وفقراء في القاع.. معادلة تفجر الغضب هناك حالة غضب في الشارع الغربي الرأسمالي ، فقد شجبت كل القوي السياسية انفجار اغسطس ، لأنه اتجه لاشعال الحرائق وتدمير المنازل ونهب المحال التجارية . وهذا الغضب عبّر عن تحرك أهوج غير منظم من قِبل شُبان وجدوا أنفسهم في خانة التهميش بلا عمل أو داخل وخارج سوق الاستهلاك. وقد تحالفت قوي المجتمع المختلفة من أحزاب وتيارات سياسية لشجب الاحتجاج بهذه الطريقة غير الديمقراطية ، وبدأت مراكز البحث تغوص في الظاهرة فعثرت علي الأسباب ، وهي تتبلور في أن الطبقات الغنية وهي تقفز الي القمة وتحقق الأرباح المرتفعة في أسواق العقارات والمال ، أهملت الأخري الفقيرة والضعيفة وتركتها في خانة مجردة من الامكانات ، فظهر تخلف التعليم وانتشار قيم الجنوح والسقوط في دائرة العادات السيئة من ادمان وتطرف في التعامل مع المجتمع بلا احترام أو تقدير . ان الجنوح خارج اطار المجتمع واطلاق رصاص الكراهية ضده ، نتيجة طبيعية لتراجع النمو العام وتدني مستويات التعليم وانتشار البلطجة والرغبة في الاعتداء علي الآخرين. المحرومون جاء تمرد أغسطس في بريطانيا ليكشف عن وجود طبقات محرومة خارج الحزام الثري والمتطور في أحياء لندن الراقية . لكن ما حدث في أغسطس كان انفجاراً لا يعبر عن شرائح أخري متعلمة في الجامعات والشارع الشبابي المثقف والمدرك للأزمة وأبعادها . هؤلاء يوجهون سهام نقد للنظام الرأسمالي نفسه وانه يفرز هذه المعادلة القاسية : أغنياء علي القمة وفقراء في السفح . حاولت الرأسمالية خلال صراعها المرير مع الاتحاد السوفيتي السابق التنازل عن مكاسب لصالح الطبقات الأكثر ضعفاً . ودفع الأسلوب الديمقراطي للتنافس بتقديم المناح وتوفير نظام الضمان الاجتماعي والانفاق علي التعليم . استطاع النظام الديمقراطي تهذيب توحش الرأسمالية التي تبحث عن المكسب فقط دون التزامات اجتماعية . وكأن المال الذي تملكه لا يأتي من المجتمع نفسه . ان هناك مسئولية اجتماعية للمال الذي يتراكم ، لا لبناء التجمعات الراقية والشواطئ الساحرة ، وملاعب الجولف ، وانما لتنمية المجتمعات وتوفير العمل وتحقيق الضمان الاجتماعي والانفاق علي التعليم بسخاء لتوفيره أمام الجميع دون تمييز علي الاطلاق . وقد تحقق الكثير بعد الحرب العالمية الثانية ، اذ اندفعت دول أوروبا الغربية للتنافس مع الكتلة الشرقية ، ودفع الأموال حتي أصبحت الرأسمالية هي الخلاص والأمل لبعض الشعوب الفقيرة ، التي اتجهت في هذا الطريق وتجاهلت الالتزام الآخر من المعادلة بربط المال بأطر المجتمع لتلبية تطلعات الطبقات الفقيرة علي وجه الخصوص . ان الرأسمالية المعدلة ليست فقط لتحقيق الأرباح والثراء وانما المساهمة الضرورية في تحريك عجلة المجتمع وتبني المشروعات الانتاجية التي توفر عملا للملايين وتنفق عليها مع تحرك الجميع نحو المساواة وتكافؤ الفرص في مجالات التعليم والصحة والخدمات. منذ انهيار الاتحاد السوفيتي انطلق النمو الرأسمالي في خانة مختلفة تحقق المليارات من صفقات في سوق المال والعقارات والتحول الي صناعات الكترونية وأخري سياحية ، مما أدي الي تراكم البطالة نتيجة توفير الملايين من العمال لغلق شركات الصناعات الثقيلة في بريطانيا علي وجه التحديد . حين زرت المناطق الصناعية القديمة في برمنجهام واسكتلندا وجدتها جرداء من مصانعها الشهيرة بعمالتها الكثيفة . وتحولت المناطق التي عاشت علي ريع انتاج هذه المصانع الي بؤر للتخلف والضياع الاجتماعي مع تفشي الادمان . وحدث هذا في اسكتلندا علي وجه الخصوص . مهمشون لقد تحققت في الآونة الأخيرة طفرات في أسواق المال البريطانية مع انشاء المدن الحديثة القريبة من سوق الأسهم وازدهرت الحياة بدرجة ملحوظة وسط لندن ، لكن المناطق الهامشية سقطت في دائرة الفقر ، ومع اندلاع أزمة البنوك وتراجع معدلات النمو بدأت عيوب النظام الرأسمالي تظهر . الاحتجاج الآن موجه ضد الرأسمالية الجشعة والمتوحشة والمطالبة بعودة الأخري المنتجة وليس التي تضارب في أسواق المال وتحقق المليارات مما يترتب عليه اتعاس الملايين من البشر وانتشار الفاقة والضياع والانحراف . الشباب الغربي الثائر يوجه نيرانه نحو رأسمالية متوحشة ويريد اعادة هيكلتها الي قضبان المجتمع حيث تلتزم بفكرة العدالة والمساواة ، ويتجه عائد الدخل القومي نحو الجميع بحيث لا يحصل مدير بنك في لندن علي ملايين الجنيهات بينما عامل بسيط لا يتجاوز دخله الخمسين جنيها أسبوعياً . ان هذا المبلغ لا يشتري شيئاً ، بينما هناك في متاجر لندن الفخمة أحذية وحقائب يد للنساء يتجاوز ثمنها ثلاثة آلاف جنيه استرليني ، وتتكالب نساء الطبقة الغنية علي شراء مستمر بلا توقف. الاحتجاج البريطاني في شوارع حي المال يعبر عن رفض لهذه الصيغة : أثرياء علي القمة وفقراء في السفح . لابد من اعادة صوغ المنظومة لتحقيق المساواة وفتح الأبواب أمام الجميع لدخول ميدان التعليم والذهاب الي الجامعات والخروج الي ساحة العمل للانتاج في بناء يمنح الفرص والأمل لكل الطبقات . المجتمعات الحديثة لا تعرف الظلم الاجتماعي فهي مسئولة عن كل الافراد وتضمن مستقبلهم ، لكن الأزمة المالية الحالية كشفت عن خلل في جسد رأسمالية الاستثمار والبورصة ، والحل هو تهذيب المجتمع لنفسه لاعادة هيكلة النمو الرأسمالي ، بحث لا يعود الي جيوب فئة رقيقة ، وانما يتجه الي كل جيوب المجتمع. في بريطانيا حالة من النقد لرأسمال الفرز الاجتماعي لفقراء وأغنياء . وهناك من يدفع لاعادة النظر وهيكلة البنوك وطريقة النمو لتصب في نهر العدل حتي تستقر المجتمعات وتنمو بطمأنينة.