إسرائيل تريد استمرار الفوضي في سيناء .. والثورة في سوريا تحالف استراتيجي بين إيران وسوريا وحماس وحزب الله لإشعال سيناء لتخفيف الضغط في سوريا إلي أين ستتطور الأوضاع الملتهبة في سيناء؟ وهل هناك أبعاد إقليمية للأحداث المتلاحقة هناك سواء العمليات «الإرهابية الداخلية» ضد قوات الأمن المصرية أو العمليات العدوانية الإسرائيلية ضد القوات المصرية علي الحدود؟ وهل هناك أبعاد إقليمية تتعدي حالات الانفلات الأمني الداخلي في سيناء وتصعيد بعض الفصائل الفلسطينية لعملياتها ضد إسرائيل؟ ما الذي سيحدث.. هل ستشهد العلاقات المصرية - الإسرائيلية حالة السلام الباردة التي فرضتها اتفاقيات كامب ديفيد (1978) ومعاهدة السلام (1979) تصعيدا حادا نحو أزمة سياسية وربما أخري عسكرية تفتح الأبواب أمام عودة إسرائيل لاحتلال سيناء؟ وهل هناك علاقة بما يجري في سيناء وفي إيلات الإسرائيلية بما يحدث في سوريا التي تشهد استمرار الثورة ضد نظام بشار الأسد؟عشرات الأسئلة تطرح نفسها بقوة علي الساحة السياسية في خضم توالي الأحداث الملتهبة علي صعيد العلاقات المصرية - الإسرائيلية علي وجه الخصوص والأوضاع في سيناء التي تشهد هي الأخري مواجهات مسلحة بين قوات الجيش المصري وجماعات إرهابية من فصائل مختلفة، وهو ما يجعل الموقف متشابكا فلا يقتصر الوضع علي انفلات أمني في سيناء ولا هجمات فلسطينية تقليدية علي أهداف إسرائيلية تبعتها هجمات إسرائيلية أخري طالت - مرة أخري - جنود وضباط مصريين قتلوا في تلك العمليات العدوانية. إسرائيل تتأسف ولا تعتذر علي الطريقة التركية طلبت مصر اعتذارا رسميا من إسرائيل لقيام قواتها بقتل ضباط وجنود مصريين في عملية اختراق الحدود المصرية، وهددت إعلاميا بسحب السفير من تل أبيب وطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة، وهو ما لم يحدث عمليا إذ اكتفت الحكومة والمجلس العسكري علي ما يبدو «بالأسف الإسرائيلي» الذي عبر عنه وزير الدفاع «إيهود باراك» ولم تعتذر إسرائيل رسميا، كما حدث في أزمتها مع تركيا علي إثر قيامها باقتياد واحتجاز السفن التركية التي كانت متجهة إلي غزة وقتلت 7 أتراك علي متن السفينة «مرمرة»، واكتفت بإعادة السفن دون اعتذار رسمي كما تطالب تركيا حتي الآن، وأكدت علي لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في عدة مناسبات إن إسرائيل لن تعتذر أبدا عن أي محاولة لتهديد أمنها أو الاعتداء عليها وأنها كانت في حالة دفاع شرعي عن حدودها. وتتبني إسرائيل نفس المنطق في التعامل مع مصر، فلدي إسرائيل عشرات من الاتفاقيات المهمة عسكريا واقتصاديا وسياسيا وفي مجالات أخري متعددة مع تركيا، ورغم ذلك لم تعتذر لها وهي تدرك أن تركيا لن تقدم علي إلغاء اتفاقيات مهمة تحقق مصالح مشتركة للبلدين بسبب حادث «مرمرة» وتعتبر أن التصعيد التركي بغرض الاستهلاك المحلي ولكسب مزيد من الشعبية في العالمين العربي والإسلامي علي حساب القضية الفلسطينية. وفي مقابل الهدوء الرسمي الإسرائيلي في التعامل مع تداعيات ما حدث في مصر علي خلفية احتواء الأزمة والحيلولة دون حدوث أي تصعيد، فإن التقارير التي نشرتها الصحف الإسرائيلية تجمع علي أن رد الفعل المصري سيكون محدودا هو الآخر لعدة اعتبارات أهمها: إن مصر منشغلة بالملفات الأمنية المعقدة ولن يكون في مقدمة أولويات أي حكومة أو رئيس قادم تصعيد أي أزمة مع إسرائيل، خاصة أن مرشحي الرئاسة أجمعوا علي عدم رغبتهم في إلغاء اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام، وأن المجلس العسكري سيستمر في اتباع سياسة نظام مبارك السابق في عدم «التهور» و«الاندفاع» نحو أي استفزاز إسرائيلي «محدود» مثلما حدث في طابا مؤخرا، واستمرار المبدأ الاستراتيجي الذي أعلنه الرئيس أنور السادات في أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب مع إسرائيل. إن هناك قوي مصرية مختلفة تريد توظيف العدوان الإسرائيلي لتحقيق مكاسب مختلفة، سواء من جانب المجلس العسكري أو الحكومة وكذلك المرشحين للرئاسة والأحزاب والائتلافات الشعبية، من حيث القيام بحملة إعلامية ضد إسرائيل مثل تلك التي تجري تحت مقر السفارة الإسرائيلية، وتمكين البعض من الصعود لمقرها لحرق علم إسرائيل في إطار تهدئة الرأي العام لا أكثر. كما تأمل الحكومة المصرية في إبرام اتفاق جديد لتعديل أسعار بيع الغاز المصري لإسرائيل يعفي مصر من مواجهة عقوبات ضخمة بالمليارات إذا أخلت باتفاق بيع الغاز إذا لجأت إسرائيل للتحكيم الدولي، وفي نفس الوقت يمثل الاتفاق الجديد ردا علي المعارضة السياسية التي انتقدت بيع الغاز لها بأسعار منخفضة وهو ما يحاكم بسببه وزير النفط السابق سامح فهمي وآخرون. قوات مصرية أكثر ونظرا لأن المباحثات الأمنية المصرية - الإسرائيلية قد نجحت في المرات السابقة في حل مشكلات كبيرة مثل المشكلة الحالية ومشاكل اختراق حماس وآلاف الفلسطينيين الحدود المصرية مع غزة بزيادة أعداد القوات المصرية، فإن مشاهد تحرك دبابات ومدرعات وطائرات هليكوبتر إلي داخل سيناء وفي المنطقة «ب» و«ج» حيث عدد القوات المصرية محدد، تشير إلي استمرار التفاهمات الأمنية الإسرائيلية - المصرية في هذا الاتجاه، ويتوقع أن يتم توظيف التحديات الأمنية التي تواجه مصر في سيناء نحو زيادة أكبر في عدد القوات المصرية هناك في ظل استحالة استراتيجية لوقوع هجوم مصري علي أراضي إسرائيلية أو قيام إسرائيل بمحاولة احتلال سيناء من جديد، حيث لا يوجد حتي الآن أي خطر استراتيجي يهدد إسرائيل ويدفعها للقيام بمثل تلك المغامرة، التي ستعني وضع نهاية وربما للأبد لأي محاولات لعقد اتفاقيات سلام مع مصر وأي دولة عربية أخري. الضغوط الإسرائيلية ولا يعني ذلك أن إسرائيل «قلقة» لما يحدث في سيناء، بل علي العكس فمادامت لا تتعرض لمخاطر حقيقية، فلتعاني مصر بقدر ما يكفي لكي تنشغل داخل همومها ومعاناتها الداخلية لتبتعد عن ممارسة أي دور إقليمي في المنطقة ومحاولة تجميع الجهود العربية للضغط علي إسرائيل التي تستعد مبكرا لمعركة سبتمبر القادم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث الطلب الفلسطيني بالاعتراف بها كدولة مراقبة كحد أدني. صحيح أن إسرائيل تشعر بالقلق لرحيل مبارك والذي ضمن استقرارها لثلاثة عقود وتنسيقا أمنيا خفيا في معظم المناسبات، إلا أنها تشعر أيضا بالراحة لأن مصر ستظل لسنوات طويلة قادمة منشغلة بترتيب الأوضاع الداخلية، وهو ما سيحدث في سوريا وبالتالي لا تري إسرائيل أن هناك تهديدات استراتيجية عميقة ضدها، بل تري أن الربيع العربي لن ينتج سوي حملات إعلامية شرسة ضدها دون أن تتحول إلي حروب عسكرية، فالجيش المصري منشغل بالأوضاع الداخلية في مصر والجيش السوري منشغل بحرب ضد ملايين من أبناء الشعب السوري وسيخرج منهكا من تلك الحرب علاوة علي روح عدائية من غالبية السوريين ضد جيشهم الذي لم يطلق طلقة واحدة ضد إسرائيل لتحرير الجولان طوال أكثر من 40 عاما، فيما يطلق يوميا آلاف الطلقات علي أبناء الشعب السوري الذي يقدم الشهداء كل يوم. الاتجاه نحو أوروبا الشرقية وإذا كانت إسرائيل ستتجنب أن تكون طرفا في الأحداث التي تجري في مصر وسوريا بشكل مباشر فإنها ستكتفي بدعم كل ما يؤدي إلي استمرار الفوضي والاضطراب في البلدين، وهو ما تفعله تجاه لبنان والفلسطينيين الذين يعانون بدورهم في استمرار الانقسامات وهو ما يجعل إسرائيل في موقف أقوي أمام المجتمع الدولي فلا شريك للسلام في الشرق الأوسط الذي يعاني الاضطراب في كل أرجائه. .. وتدير ظهرها للشرق الأوسط يؤكد مسئول إسرائيلي سابق في الخارجية أن إسرائيل ستدير ظهرها للشرق الأوسط وتتجه الآن نحو تدعيم علاقاتها بدول أوروبا الشرقية، كما دعمت علاقاتها بالاتحاد الأوروبي إضافة إلي معاقلها الاستراتيجية تجاه الولاياتالمتحدة، ولن تقدم إسرائيل أي مبادرات تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط بل علي العكس فهي تنتظر مزيد من التدهور حيث ستوظف ذلك كله لمصلحتها، كما أن هذا التدهور سيعطيها إمكانية للاستمرار في زيادة الاستيطان والتهام الأراضي الفلسطينية والعودة مجددا لضرب حركة حماس وربما حزب الله، حيث تعودت إسرائيل أن تشن حربا عليهما كل بضعة سنوات انتظارا لاستعادة القوة العسكرية عندهما وبالتالي فالحرب هي المتوقعة للرد علي هجمات حماس الأخيرة وتصاعد قوة حزب الله العسكرية في ظل انشغال سوريا بأحوالها الداخلية وتردد إيران في الدخول في مواجهة مع إسرائيل بعيدة عن حدودها، في ظل وجود خطط إسرائيلية لجر إيران نحو مواجهة مسلحة تقوم خلالها بتدمير مفاعلاتها النووية. تخفيف الضغط في سوريا يبقي أن هناك أطرافا أخري بالإضافة لإسرائيل لها مصلحة في أن تعم الفوضي مصر وسيناء علي وجه الخصوص، فالتحالف الإقليمي الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله وحماس ومنظمات جهادية أخري تريد تخفيف الضغط عن سوريا وتسخين جبهة سيناء التي أصبحت مفتوحة أمام وجود تنظيمات جهادية وأخري تابعة للقاعدة بمساعدات من منظمات فلسطينية وبأموال وأسلحة إيرانية، ولهذا الضغط أسباب أخري من بينها إجبار مصر علي التقارب أكثر مع هذا التحالف، وفتح المعابر المصرية أمام حركة حماس دون أي قيود لتصبح إمارة حماس إسلامية واقعا حقيقيا وإلا فالبديل إمارة إسلامية أخري في سيناء. إمارة إسلامية في سيناء وفي ضوء هذا التشابك والتعقيدات التي تحيط بالموقف الأمني الاستراتيجي في سيناء، فإن الخيارات المصرية واضحة في عدم السماح بإقامة هذه الإمارة الإسلامية في سيناء، ومطاردة الجماعات الإرهابية والإجرامية، وعدم الانجرار إلي ضغط المظاهرات بقطع العلاقات مع إسرائيل أو إلغاء كامب ديفيد والاكتفاء بالأسف الإسرائيلي ولجنة التحقيق المشتركة مع توظيف الاعتداءات الإسرائيلية لزيادة القوات المصرية في سيناء، في ظل قناعة مصرية - إسرائيلية بأن «العدو مشترك» هذه المرة، وأن التصعيد سيحقق أهدافا استراتيجية لقوي إقليمية أخري. أما إذا فشلت مصر في تحقيق الأمن في سيناء وسادت الفوضي فيها فقد تضحي إسرائيل حتي بعلاقاتها مع مصر، وتعود لاحتلال شريط حدودي في سيناء في ظل مواجهة أكبر مع حماس وحزب الله وحتي إيران، وهو السيناريو الذي تستعد له إسرائيل فيما يبدو أننا غير مستعدين له.