هل تضيع حكومة نتنياهو فرصة أخري أكبر واشمل بالتوصل إلي سلام شامل مع العالم العربي والعالم الاسلامي فيما بعد يقوم علي انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها سنة 1967 وتقوم بالتالي علاقات طبيعية بين العرب وإسرائيل. وإذا كانت اسرائيل غير مهتمة بالتوصل إلي سلام مع الفلسطينيين والعرب وتعتمد علي قوتها المطلقة وتطبق مبدأ مؤسس الدولة ديفيد بن جوريون "السلام حيث تصل الدبابات الاسرائيلية" فهل هي مستعدة للدخول في نزاعات وخلافات سياسية حادة مع أكبر الدول المؤيدة لها وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تشهد حاليا موجة كبيرة من الانتقادات للسياسة الاسرائيلية التي تكلف الولاياتالمتحدة خسائر ومصاعب استراتيجية في انحاء مختلفة من العالم وتؤثر بشكل مباشر. كما قال الجنرال "بيتريوس" علي العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان والوضع في العراق وعلي الاستعدادات لمواجهة إيران مستقبلاً. ما هو التفسير الواقعي لتصريحات رئيس الحكومة الاسرائيلية "بنيامين نتنياهو" قبيل وصول المبعوث الأمريكي لعملية السلام "جورج ميتشل" بساعات قليلة إلي اسرائيل بقوله إن الاستيطان وعمليات البناء في القدس ستستمر كما هي الأحوال في تل أبيب. هل يستطيع نتنياهو تجاهل الطلبات الأمريكية المباشرة بتجميد الاستيطان الذي تقوم به إسرائيل في القدس والضفة عدة أشهر تجري خلالها المفاوضات مع الفلسطينيين. وهل تتحرك الإدارة الأمريكية تحركا قويا تجاه إسرائيل وتقوم بالضغط عليها لايقاف الاستيطان والدخول في مفاوضات جادة مع السلطة الفلسطينية. عشرات الاسئلة اصبحت تطرح نفسها بقوة في ضوء استمرار المشهد الاسرائيلي - الفلسطيني ثابتا دون تغيير منذ عدة شهور وحتي الآن الحكومة اليمينية المتطرفة بقيادة نتنياهو تتجاهل العملية السياسية تماما وتفرض الأمر الواقع وتواصل عمليات الاستيطان في القدس والضفة بسرعة عالية في سباق مع الزمن لتغيير الطبيعة الديموجرافية للقدس وعزلها تماما عن محيطها العربي الفلسطيني في الضفة بما في ذلك عمليات تهجير وطرد وإبعاد وسحب هويات سكان القدسالشرقية من الفلسطينيين بعد حصارهم اقتصاديا ودفعهم دفعا إلي الضفة بحثا عن العمل هناك ومنها ثم عدم السماح بعودتهم للقدس. فرض الأمر الواقع هي سياسة حكومة نتنياهو واستمرار الحواجز وبناء الأسوار في الضفة الغربية وابعاد السلطة الفلسطينية في اضعف حالاتها دون افق ولا تسوية سياسية هو ما تقوم به حكومة نتنياهو اضافة إلي استمرار الحصار المحكم علي غزة ارضا وجوا وبحرا والسماح فقط بإدخال كميات محدودة من الأغذية والأدوية والمواد الأساسية والمحروقات وامدادات الكهرباء لكي تصبح غزة رهينة لإسرائيل في كل شئون الحياة اليومية من ناحية والتهريب عبر الانفاق في مصر من ناحية أخري. وقد نجحت سياسة الحصار تلك في أعقاب حملة الرصاص المصبوب في إخضاع قطاع غزة عسكريا فعدد الصواريخ التي اطلقت منذ انتهاء تلك الحملة يقدر بالعشرات فيما كانت الأعداد بالألوف قبل تلك الحملة واصبحت حماس تتنصل من اطلاق أي صواريخ علي المستوطنات الاسرائيلية في سعيها لتجنب أي عمليات عسكرية ورغم ذلك لم تتوقف الغارات الجوية الاسرائيلية باستهداف مواقع وأهداف معينة لضربها اعتمادا علي اختراق مستمر للأوضاع الأمنية في غزة عبر جواسيس وعملاء يمدون إسرائيل بالمعلومات اضافة إلي عمليات المراقبة الجوية المستمرة. حسابات السلطة لا تمانع حكومة نتنياهو في بقاء الأوضاع في الضفة وغزة علي ما هي عليه فالسلطة الفلسطينية متمسكة بتنفيذ استراتيجية تقوم علي عدة أهداف ثابتة كالتالي: اقامة مؤسسات دولة القانون وتنظيم المؤسسات الاقتصادية والتعليمية والادارية بشكل يسمح بوجود أسس الدولة المستقلة في أسرع فترة زمنية. انهاء فوضي السلاح مع وجود قوة أمنية ثابتة وقوية تفرض الأمن وعدم السماح بعسكرة أي تحركات جماهيرية والتأكيد علي الأساليب المدنية السلمية في الاحتجاج استفادة من الانتفاضات السابقة التي أدت إلي تدمير كامل للبنية الأساسية الفلسطينية وعرقلت عملية بناء المؤسسات وأشاعت الفوضي. التمسك بثوابت سياسية علي أساس مبادرة السلام العربية وخارطة الطريق الدولية كأساس لمواصلة الحل السياسي نحو اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة علي أراضي 1967 وبما في ذلك القدسالشرقية. اكتساب مزيد من الحلفاء والاصدقاء لتأييد الموقف الفلسطيني وبصفة خاصة الولاياتالمتحدة باعتبارها أكبر صاحبة تأثير علي إسرائيل. وحسابات حماس وفي نفس الوقت فان حركة حماس لديها ثوابت أخري تختلف إلي حد بعيد عن ثوابت السلطة الفلسطينية واستراتيجيتها وان كانت تتفق معها نحو اقامة مؤسسات دولة ذات طبيعة إسلامية وبالتالي أصبح شكل المجتمع في غزة مختلفا تماما عن شكل المجتمع في الضفة. وإذا كانت المقاومة المسلحة هي أحد اهم مرتكزات الحركة لدي حماس فانها ومنذ عملية الرصاص المصبوب تعيد بناء قوتها العسكرية رغم الحصار الكبير المفروض علي غزة وفي نفس الوقت تحكم سيطرتها الإدارية علي جميع الأوضاع في غزة وخاصة تسيير شئون الحياة اليومية لحوالي مليون فلسطيني اعتمادا علي المساعدات الدولية والعربية وما سيتم تلقيه من امدادات ومواد عبر إسرائيل ومعظمها مدفوع من قبل الاتحاد الأوروبي. وتراهن حماس علي الأوضاع الاقليمية والدولية لزيادة نفوذها وتأثيرها خاصة عبر التحالف مع سوريا وإيران وحزب الله فإيران وسوريا يعتمدان علي حماس وحزب الله في خوض حروب صغيرة ضد إسرائيل بقصد انهاكها وإبقائها دائما في إطار عمليات عسكرية تستنزف فيها قدراتها اضافة إلي استغلال تلك الحروب غير المتكافئة وما يسفر عنها دائمًا من مذابح ضد المدنيين لتوظيف ذلك في الدعاية الدولية ضد إسرائيل. أما الأهم فهو اقناع الرأي العام الاسرائيلي في الداخل باستحالة الانتصار في تلك الحروب الصغيرة وعلي ضرورة التفاهم مع حماس وحزب الله والأهم من ذلك التفاهم مع الأطراف الاقليمية الكبري سوريا وإيران. ماذا تفعل إسرائيل وإذا كانت تلك حسابات السلطة وحماس فما هي حسابات إسرائيل الآن؟ التقارير والتعليقات في الصحف الاسرائيلية تجمع علي ضرورة تفادي أولا ازمة مع الولاياتالمتحدة وعلي ضرورة اتخاذ قرارات مؤلمة مثل تلك التي اتخذها قادة متطرفون كبار مثل مناجم بيجن "الانسحاب من سيناء" وشارون "الانسحاب من غزة" بالتوصل إلي تسوية سياسية مع السلطة الفلسطينية وتخفيف الحصار علي غزة لمساعدة حماس علي الالتزام بالتهدئة طالما استمرت في اجراءاتها لبناء امارة إسلامية في القطاع بعيدا عن أي مشروعات أو خطط عسكرية. خطة أوباما وفي ظل تلك الحسابات لكل الأطراف فإن الاجواء اصبحت مهيأة اما الرئيس باراك أوباما لاعلان خطته للسلام بالتوافق مع بيان الرباعية الدولية ولجنة مبادرة السلام العربية وستشهد الأيام والأسابيع القادمة ما إذا كان نتنياهو سيواصل عناده ورفض ما جاء في بيان الرباعية الدولية والقرارات الأمريكية الهادئة ام تتكرر موجة التطرف والدخول في مفاوضات جديدة مع تجميد مؤقت للاستيطان علي أمل ان تفشل المفاوضات برفض فلسطين أو أن تقوم حركة حماس أو حركة مثلها في غزة بعملية عسكرية كبيرة فيعود الجيش الاسرائيلي للحرب .