المفسدون حاولوا اقتناص الدولة لتحقيق مصالحهم .. والنظام السابق تسامح مع الفساد وضع مركز العقد الاجتماعي بالاشتراك مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء ووبرنامج الأممالمتحدة الانمائي برنامجا لتحليل ظاهرة الفساد في مصر قبل الثورة وتقديم البدائل لتقوية نظم وآليات منع ومكافحة الفساد في المستقبل. وفي داراسة قام بها مركز العقد الاجتماعي اعداد الباحث حسين محمود اخصائي اول مكافحة الحوكمة والفساد بالمركز تناولت الدراسة المؤشرات والاسباب القانونية والمؤسسية وتلك المتعلقة بالادارة التي ادت الي انتشارالفساد. وخلال ورشة العمل التي اقامها المركز لمناقشة الدراسة قال السفير محمد عبد العزيز المدير الاقليمي لمكتب الاممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ان هناك ثلاث تبعات ترتبت علي انتشار الفساد في مصر، اولها فقدان الثقة بين المواطنين والمؤسسات الحكومية فيما يتعلق بالجانب الصحي والتعليمي والاستثماري والجانب الخدمي علي العموم حيث القت الدولة بالمسئولية لانجاز هذه الخدمات للقطاع الخاص في الاعم الاغلب والثاني بسبب سوء توزيع الثروة لصالح المفسدين فازداد الفقر وارتفعت الاسعار والثالث انهيار التنمية حيث كانت تتم علي اساس المحسوبية ومصالح الكبار. واشار عبد العزيز ان دور المجتمع المدني اختصر في مكافحة الفساد في خلق حوار متعلق بالظاهرة واستغرق الجدل حوله وقتا طويلا في شرح اسبابه دون ايجاد حلول لها في الوقت الذي تبنت فية الدولة سياسة الاقتصاد المفتوح وتوسعت في الخصخصة دون وضع تشريعات تقيد عمل الشركات بخاصة الاجنبية فأدي ذلك الي التهرب الضريبي والاحتكار ورفع الاسعار بشكل عشوائي وظهور الجريمة المنظمة في السيطرة علي الاموال وغسلها وتهريبها خارج البلاد. وذكر الباحث محمود حسين معد الدراسة ان من بين اكثر القطاعات فسادا في مصر القطاع الخدمي في مجال الصحة والتعليم والمحليات فالمرافق العامة يحصل عليها الاغنياء من القطاع الخاص بينما لا يجدها الفقراء مما يسهل سرقةالاعتمادات السنوية في الموازنة مشيرا ان البنك الدولي حدد حجم ما يسرق سنويا من دول العالم النامي بعشرات اضعاف المساعدات الدولية التي تقدم لها بالتالي لو نجحت تلك الدول في مكافحة الفساد تستطيع التخلي عن المساعدات الدولية وتحقيق فائض في ميزانيتها يمكن توجيهه لجهود التنمية تعارض واضاف الباحث ان من بين اسباب انتشار الفساد في مصراسباب تتعلق بالاطارين التشريعي والقانوني ومنها التضارب في التشريعات وضعف الرادع القانوني حيث نجد ان سيادة القانون لم تحترم بشكل كبير فاصدار القوانين يكون لصالح فئات معينة اواشخاص كقانون منع الممارسات الاحتكارية الذي الغي بعد صدوره ب 24 ساعة لالغاء العقاب في حالة الابلاغ عن جرائم الاحتكار. ووصف حسين حالة الفساد بانها وصلت الي درجة اقتناص الدولة حيث لم يكتف المفسدون بتطييع القانون لصالحهم انما يعدون تشكيل الدولة بما يخدم مصالحهم من هذه الاسباب ايضا الانتقاء في تنفيذ القانون حيث يتحكم النفوذ السياسي والقدرة المالية في تطبيقه. وعلي الرغم من ان قانون المناقصات والمزايدات العامة رقم 89 لسنة 1998 تتيح للجميع التقدم فيها واحترام مبدأ المنافسة العادلة الا ان هذا المبدأ ينتهك بسبب التوسع في التصرف بالامر المباشر خاصة في اراضي الدولة. واظهرت دراسة مركز العقد الاجتماعي التابع لمجلس الوزراء ان 92% من الشعب المصري يوافقون علي ان الفساد جزء من حياتهم لا يمكن انكار وجوده والغريب في الامر ان نصف العينة التي تم اجراء البحث عليها البالغة 55% تري ان الفساد جزء من حياتنا ولا يمكن مكافحته و30% ترفضه، وتري امكانية مكافحته مما يكشف عن ان الفساد اصبح ظاهرة مقبولة اجتماعيا للحصول علي الحقوق وليست منبوذة واتخذت مسميات اخري " كاكرامية او شاي اومواصلات" واعتبرت الدراسة ان الاطار العام للمؤسسات المعنية بمكافحة الفساد في مصر غير كافية وغير معلومة لدي جميع المواطنين حيث وصل نسبة من يعلمون الجهات الرقابية في الدولة 4% فقط كما ان تبعية الجهات الرقابية للسلطة التنفيذية يؤثر علي استقلالها حيث جعل من التنفيذي الخصم والحكم هذا بالاضافة الي ضعف سلطات بعض الجهات الرقابية التي تمكنها من اداء مهامها وضعف التنسيق بين الجهات وتداخل اختصاصاتها فنجد الجهاز المركزي للمحاسبات يتداخل اختصاصه في الرقابة علي شئون العاملين في الدولة مع مهام المركزي للتنظيم والادارة ويمارس نفس المهام وفيما يتعلق بمتابعة الخطة وتقييم الاداء يمارس نفس دور هيئة الرقابة الادارية ووزارة التنمية الاقتصادية كما ان السرية التي تفرض علي تقارير تلك الجهات يعطي انطباعا ان الحكومة غير جادة في مكافحة الفساد. ومن ابرز مظاهر الفساد في مصر ذكرت الدراسة منها تدخل السلطة التنفيذية في شئون القضاء ومن هذه المظاهر تبعية التفتيش القضائي لوزير العدل وندب القضاة للعمل في السلطة التنفيذية والمركزية الشديدة في عمل النيابة العامة وسيطرة مكتب النائب العام عليها وهو تابع لوزير العدل مما يفتح الباب لدخول الاعتبارات السياسية ومنها ايضا تدخل السلطة التشريعية في شئون القضاء والسيطرة علي الاعلام . دائرة الفساد واشار المستشار محمد رامي ممثل النيابة الادارية خلال الورشة الي وجود فجوات في الاطار التنظيمي لقانون النيابة الادارية منها ردود الافعال البطيئة من جانب المشرع علي تجاوزات المخالفين بالاضافة الي ان قانون العاملين المدنيين بالدولة في المادة الاولي منه اجاز وضع لوائح للعاملين في المؤسسة العامة وقد تكون مخالفة لنصوص القانون ولا تمس التحقيق في المخالفات المالية ويحول التحقيق فيها الي الشئون القانونية بالمصلحة في الغالب والتي تكتفي بالندب او النقل خارج المؤسسة كعقاب علي المخالفة كما ان الشئون القانونية خاضعة لسلطة رئيس المصلحة ولايمكن تحويل المخالفة الي النيابة الادارية الا بإذنه كما يعد الخطأ المرفقي للموظف غير شخصي يقع علي المؤسسة مما يوسع من دائرة الفساد عن طريق الاهمال والتراخي في اداء العمل العام. واضاف اللواء صلاح ابو هميلة مساعد رئيس هيئة الرقابة الادارية ان وضع اطار تشريعي لمكافحة الفساد الان ليس كافيا امام سلبية المواطن وعدم وجود حماية كافية للمبلغين امام جبروت طالب الرشوة والراشي، بالاضافة الي الخلط بين الاجهزة الرقابية والنيابية والادارية التي تستطيع ضبط قضايا مثل الرشوة والفساد الكبير وتداخلها مع مباحث الاموال العامة المختصة بنفس القضايا . وانتقد ابو هميلة تبعية هيئة الرقابة الادارية الي مجلس الوزراء مؤكدا ان هذه التبعية عائق امام مراقبة رئيس الوزراء ومن ضمن القيود التي تفرض علي عمل الهيئة ايضا هي موافقة رئيس الوزراء المسبقة قبل الضبط والتحقيق مع بعض الشخصيات. وطالب المستشار مدحت عبد الباقي ممثل جهاز الكسب غير المشروع بحفظ تقارير الذمة المالية للمسئولين في الدولة بطريقة مركزية تضمن سلامتها وعلي ضرورة اجراء عملية تحريات كاملة عن جميع البيانات المذكورة قي التقارير للتأكد من صدقها من التجاوز والمبالغة فيما يتعلق بثروات المسئولين والزام المسئول بتبليغ الجهات المختصة في حالة زيادة ثروته من اي مصادر اخري كالميراث. وقالت دكتورة غادة موسي ممثل وزارة التنمية الادارية ان درجة التسامح بين الفساد والنظام السابق وصل الي 100% فالتزاوج بين السلطات ادي الي وجود خلل في العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن حيث رفعت الدولة يدها من الخدمات وأوكلتها للقطاع الخاص مما انعكس علي حقوق المواطن وعجلت بحدوث الثورة التي بدأت بوادرها تظهر منذ ثلاث سنوات في شكل احتجاجات في جميع القطاعات. . فيما طالب المستشار احمد عطوة ممثل النيابة العامة ان تكون حصانة القاضي علي منصة فقط لضمان نزاهته ومراقبته. سلوك سلبي واضاف ادريس مزابي مستشار المكتب الاقليمي للامم المتحدة لمكافحة المخدرات ان اشكالية انتشار الفساد في المنطقة العربية هي في عدم وضوح وفاعلية القوانين بسبب المصطلحات المستعملة في صياغة القانون لمكافحة جريمة الفساد ففي المادة الثانية من القانون المصري لغسل الاموال تعرف جريمة غسل الاموال علي انها سلوك سلبي بالاضافة الي عدم تحديد التشريعات لشخصية المبلغ والشاهد والضحية . اما فيما يتعلق بوضع حلول للفساد في الدولة فقد وضع المشاركون في الورشة خارطة للتشريعات واعادة تعديلها او تفعيلها وانشاء لجنة لمتابعتها من جميع الاجهزة الرقابية مع تفعيل هيئة شئون المبلغين للكشف عن مواطن الفساد وحماية الشهود وتعويضهم ماديا حالة الابلاغ عن قضايا اموال عامة وتحديد مدة خدمة مديري الادارات واصلاح هيكل الرواتب المتدني الذي يساعد علي الارتشاء والغاء الاستثناءات لابناء العاملين في هيئات ومؤسسات الدولة وحذف مصطلح للضرورة من التشريعات المصرية مع تفعيل مبدا الشفافية والمشاركة والمساءلة لمكافحة الفساد.