تعتبر حكومة لندن أن الاستيطان غير مشروع وعقبة أمام السلام ، الذي تدعم خطواته حتي يصل الي اعلان الدولة الفلسطينية ، والوقوف علي رصيف تسوية نهائية تضع خاتمة لشرق أوسط يتفجر بالقنابل والدخان وقصف الطائرات وسقوط آلاف القتلي كما حدث خلال الحرب علي قطاع غزة. استفز قرار حكومة بنيامين نتنياهو الأخير باقامة مستوطنات جديدة في القدسالشرقية ، الحكومة البريطانية التي استنكرته علي لسان وزير خارجيتها ديفيد ميليباند ، غير أن التقارير البريطانية تحدثت عن الاهانة التي وجهتها اسرائيل لنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ، حيث تم الاعلان عن المستوطنات الجديدة خلال زيارته لاسرائيل واجتماعه برئيس الوزراء في القدسالمحتلة . التحرك الاسرائيلي بهذا الصلف ، أراد تحديد الموقف بصراحة اذ لا تراجع عن الاستيطان واجراءات ابتلاع القدس بالكامل ، باعتبارها عاصمة أبدية لاسرائيل ، كما يقول غلاة الصهاينة الذين يرفعون رايتها فوق مطالب وطنية للشعب الفلسطيني مقررة ومعروفة طبقاً لشرعية دولية . اسرائيل تريد فرض شرعية جديدة تؤيد مشروعها الاستيطاني التوسعي ، اذ لا تستطيع التخلي عنه بسبب تعبيره عن مجمل الحركة الصهيونية وفلسفتها ، حيث تقوم علي التوسع والتهام الأرض . ومعني التوقف عن بناء المستوطنات يعني بداية الاضمحلال والنهاية ، إذ بدأ قيام اسرائيل علي أرض ليست لها ، وتوسعت خلال حروبها مع العرب علي حساب أرضهم ، كما حدث خلال عدوان 1967 ، ولا يزال هذا العدوان مستمراً ويركز الآن علي الضفة الغربيةوالقدسالشرقية . حكومة نتنياهو خرقت القانون الدولي بعملية الموساد في امارة «دبي» باغتيال القيادي في «حماس» محمود المبحوح ، وتقدمت خطوة أخري علي الدرب نفسه بضم الحرم الابراهيمي ومسجد بلال وأسوار القدس الي التراث الاسرائيلي ، مما يفرض ولاية غير شرعية علي أملاك تخص المسلمين وتراثهم في مدينة القدس ، التي هي قانونياً خاضعة للاحتلال ، الذي ليس من حقه تعديل الثوابت المرتبطة بهوية المدينة وتاريخها . اعتادت اسرائيل الاستهانة بالقانون الدولي ، غير أن ما قامت به خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ، يجعلها تتحرك في خطوة أكثر اثارة بفرض هيمنتها علي الحليف القوي الذي يساندها ويقف خلفها . أراد نتنياهو اعلان هذا الموقف الاستيطاني بعد تأكيدات بايدن علي ضمان سلامة وأمن اسرائيل والحديث عن ضرورة التصدي للخطر الايراني . خطة نتنياهو علانية وصريحة ، وتوجه لطمة شديدة القوة لادارة الرئيس باراك أوباما ، بعد قراءة متأنية لها ، حيث أدركت ضعفها وعدم قدرتها علي الرد أو ممارسة الضغط . حكومة تل أبيب تعلن صراحة كما تقول التقارير البريطانية ، أن الاستيطان أولاً ولا توجد نية لوقفه ، مهما كان الضغط والاحتجاج الدوليين . لقد أصبحت اسرائيل نتيجة لقوتها الاقتصادية والعسكرية لا تحتاج للخارج ، وهي تعلم عدم وجود نية لدي المجتمع الدولي لفرض قيود عليها أو عقوبات ، اذ أن جريمة المبحوح مرت بسلام كامل ، ولم تحتج حتي الدول التي تم استغلال جوازات سفرها ومنها بريطانيا ، علي الاجراء الاسرائيلي وتحريك كتيبة من الجواسيس لاختراق سيادة دولة : هي الامارات وتنفيذ عملية اغتيال مع سبق الاصرار والترصد . اسرائيل أعلنت في حضور جو بايدن حقيقة نواياها ، اذ دخلت مرحلة جديدة في طرح خطتها بجرأة واضحة ، لا تحسب مسألة احراج الجانب والحليف الأمريكي ، اذ تقول بالصوت المرتفع : إن هذه سياستي وموقفي ، والتحالف معي لتنفيذ أجندات أخري «مثل موضوع ايران» لابد له أولاً الموافقة علي هذا السقف الواضح ولبه الاستيطان. وطرحت حكومة اسرائيل هذا الاستفزاز بشكل صارخ يعبر عن حقيقة السياسة القائمة في تل أبيب . ان نتنياهو نسف كل شئ تقريباً ، مما يعني أن هناك في هذه المرحلة الوجه الاسرائيلي الذي يعلن بصراحة عن أهدافه ومخططاته. تحدثت تقارير بريطانية عن نقلة في أداء اسرائيل ، فنتنياهو لم يعد يحسب خطواته في ضوء الموقف الأمريكي ، اذ أن سياسة نتنياهو وليبرمان تتخطي المواقف القديمة التي تراعي بعض أصول الصداقة الأمريكية وعدم اغضاب الرأي العام العالمي . الآن هناك موجة جديدة يعكسها وزير الخارجية ليبرمان ، الذي يتحدث عن حرب في الشرق الأوسط ويوجه لسوريا الانذار ويتوعد غزة وجنوب لبنان . اسرائيل خلال محادثات مع بايدن ، ركزت علي ايران ، واعتبرت أن موضوع التفاوض مع الفلسطينيين لا أهمية له ، وفي الوقت نفسه طرحت علي طاولة المباحثات الأمريكية الاسرائيلية النقاط التي من حق قوي التحالف التعرض لها ومناقشتها مثل الموضوع الايراني ، أما الملف الفلسطيني وقضايا المستوطنات والقدس وغيرها ، فهي شأن اسرائيلي تحدده الحكومة في تل أبيب ، وليس لواشنطن أو لندن وغيرهما من عواصم الغرب ، حق فرض «أجندة» بخصوص هذه الموضوعات ، لأن موضوع السلام في رأي اسرائيل مهدد نتيجة المشروع النووي الايراني ، والمستوطنات التي تشيدها : هي سياج لأمن اسرائيل ، الذي أكد بايدن نفسه أهميته . هناك سياسة اسرائيلية في مرحلة جديدة تطرح الأوراق بصراحة وبكشف حقيقي تدعمه قوة عسكرية مستعدة للانقضاض والتحرك والضرب ، اذ تبدو اسرائيل وحكومتها الحالية تتعجل الصدام وتسعي اليه ، وتعتبر أن مشروعها الاستيطاني هو لب سياستها ولا يمكن التخلي عنه مهما كان ضغط الحلفاء والشكوي من الاحراج الذي جري خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي .