"وحوي يا وحوي أياحة وكمان وحوي أياحة روحت يا شعبان وحوينا الدار جيت يا رمضان "هذه الكلمات بمجرد سماعها تنساب ذكريات جميلة لدي أي شخص ينتمي لحي شعبي يقع داخل بلدنا الطيبة من السلوم للشلال فكل حي شعبي لديه تراثه الخاص الذي يتفاعل من خلاله مع مناسباته الروحانية قد يختلف في التفاصيل الدقيقة ولكنه يتفق في الخطوط العريضة مثل اقتناء الأطفال الفوانيس وقيام الكبار بتزيين الحارات والأزقة ابتهاجا بحلول الشهرالكريم . الفانوس الصاج الجميل بألوانه الأربعة الأخضر والأزرق والأحمر والأصفر والذي كان يضاء بشمعة صغيرة توضع بداخله هذا الفانوس لكل واحد مننا ذكرياته معه وخاصة في الأحياء الشعبية حيث الدفء والأصالة شراء الفانوس كانت هناك طقوس خاصة ومتعارف عليها بين أولاد البلد في الأحياء الشعبية لشراء الفانوس فلابد أن تتم عملية الشراء في طي الكتمان يتساوي في ذلك مع ملابس العيد والوقفة ولا يحصل الطفل علي الفانوس أو يراه ألا أول يوم في رمضان لذا كان يتوخي مشتري الفانوس الحذر فيصر أن يضع له البائع الفانوس في شنطة كرتون لاخفائه عن عيون الجيران منعا للتقليد . رغم أن أبواب الجيران كانت مفتوحة دائما لبعض حيث يسود بينهم الحب والمودة ولكن "اخفاء الفانوس لا يفسد للجيرة مودة " القديم أحلي وكثيرا ما تقوم بعض الأمهات المدبرات أو من يطلقون عليهم "الستات الواعية " باخفاء فانوس العام الماضي في حالة احتفاظه بحالته بعد رمضان وتخرجه من مكمنه الذي لا يعلمه ألا هي وتقوم بعملية تنكيله مره أخري في حالة اعترائه الصدأ فيعود له رونقه وبهاؤه وبالطبع لا يقاسمها هذا السر أحد ! بعد أفطار أول يوم مباشرة يتجمع أطفال الحي وفي يد كل منهم فانوسه الصاج التقليدي الجميل وبعد معاينة كل طفل لفانوس نظيره تبدأ مهام شراء الشمع المناسب لحجم كل فانوس وغالبا ما يكون الحجم الصغير ثم تبدأ مغامرة "التحليل" علي وزن "التعييد " فينقسم الأطفال كل أثنين أو ثلاثة يشكلون مجموعة علي حدة ويمرون علي الشقق ومنازل الجيران حيث الجميع يعرفون بعضهم البعض يدقون علي الباب وبمجرد فتح الباب أن لم يكن مفتوح أساسا ينطلق الأطفال للداخل ويبدأون الغناء " حالوا يا حالوا رمضان كريم يا حالوا حل الكيس وأدينا بقشيش يا نروح وما نجيش ياحلو . ويستمر الغناء حتي تصرفهم ربة المنزل بإعطائهم الحلوي أو الفاكهة أو ينقدهم صاحب البيت كل منهم قرش صاغ أو قرش تعريفة . تقسيم الغنيمة يستمر الأطفال في دق بيوت ومنازل الحارة لا يفرقون بين مسلم ومسيحي فهم ينادون كل رجل في الحي بكلمة عمي وكل امرأة بكلمة خالتي وكثير من الأحيان كنا نستحي طرق باب جارنا المسيحي فينادينا هو أو زوجته ويطلبون منا أن نغني لهم "حلوا يا حلوا " ثم ينقدونا بعض الفكة أو يمنحونا مما لديهم من الحلوي أو الفاكهة في حالة أن يصادف صيامنا مع صيام الأخوة المسيحيين . بعد بضعة ساعات من طرق الأبواب تعود المجموعات إلي نقطة إنطلاقهم ويختارون مدخل بيت من البيوت ويبدأون في تقسيم الحلوي والفاكهة والنقود ثم يجلسون لالتهام الحلوي والفاكهة أما النقود فيتم توفيرها لليوم التالي لشراء مايلزم من شموع لتكرار المغامرة الشيقة التي تستمر يوميا وحتي آخر رمضان فيظل الفانوس محور اهتمامهم طوال الشهر الكريم ولا يتحول هذا الاهتمام لشيء آخر سوي بدء مراسم شراء أو تفصيل ملابس الوقفة والعيد .