يؤمن بأن الفن يولد من الشارع محمد عبلة فنان تشكيلي مصري استطاع أن يحفر لنفسه أسلوبا مميزا في مسيرة الفن التشكيلي - علي مدي ثلاثين عاما - بريشة مشاكسة وبرؤية وثابة، وبألق ووهج فني يتزايد يوما بعد يوم، يصر - دائما - علي البساطة والتلقائية رغم الأبعاد العميقة والمتعددة للرؤية فالن لديه «معايشة» أو كما يقول: «الفن معايشة وحياتي تسير وراءه». اللوحة بالنسبة لمحمد عبلة «فضاء طفولي» يحتفي بالوجود الإنساني والحنين إلي الصفاء والتكامل والتآلف. عادة ما تجئ اللوحة من معادلة بسيطة تقوم علي مفردات الحياة المصرية من «النيل» و«المدنية» والشجر والمراكب ومن الطرف الآخر الحنين المغموس بملح العائلة.«النيل» هو البطل الرئيسي لمخيلة الفنان الذي يقول عنه في أحد حواراته: «علاقتي بالنيل علاقة خاصة جدا، علاقة حميمة ومقيمة، بينما علاقتي بالبحر ربما تكون عابرة أو مؤقتة، النيل في مصر يعني الحياة بكل مقوماتها، وله خصوصية ترتبط بنسيج الشخصية المصرية وإرثها الحضاري العتيد، لكن بعيدا عن ذلك كله أنا أحب النيل استحممت في مياهه وغصت فيه، بمعني آخر «تطهرت»، ومشروع تخرجي في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية كان عن المراكبية، خصوصا الذين ينقلون البضائع والمنتجات من الصعيد في أقصي جنوبالوادي إلي القاهرة، عشت مع النيل، ومع المراكبية، وشاهدتهم وهم يصارعون الرياح، ويتسلقون السقالات، ويفردون القلوع، وعرفت كيف يقرأون الدنيا والخريطة وحركة الماء، هذه العلاقة التي عشتها خلال فترة قصيرة من عمري جعلتني أحس أن النيل بالفعل كائن حي». تواصل إنساني ويؤمن محمد عبلة - كثيرا - بالتواصل الإبداعي مع الشارع وقدرة المواطن العادي علي تذوق الفنون لذا نراه يقوم بعدة مشاريع فنية تقوم علي رسم المفردات اليومية البسيطة وتحويلها إلي جداريات تشكيلية، وفي ذلك يقول عن تجربة جيله: «فننا في الشارع، فقد نزلنا الشارع ورسمنا علي البيوت، ونزلنا إلي معترك الواقع، حررنا الثقافة الفنية من أسر الكلاسيكيات ونقلناها إلي الواقع الراهن، هذا الجيل الذي عمل الوصلة بين الفن المصري والفن العالمي كما يحسب له أنه فك الفن عن الأيديولوجيا، الأجيال السابقة كانوا مهتمين بالعمال علي نحو خاص، وأحيانا الفلاحين، جيلنا اهتم بالناس علي إطلاقها». المعرفة أولاً واهتمام «عبلة» بتفاصيل الواقع المصري لم يجعله بعيدا عن الاهتمام بأهم منجزات المدارس التشكيلية الحديثة في العالم فقد قام بزيارات متعددة لأهم متاحف ومعارض الفن التشكيلي في العالم، واشترك في ورش فنية متنوعة علي مدار السنوات الماضية في الهند والنمسا وألمانيا وغيرها، كل ذلك منحه روية أوسع وقدرة علي قراءة المشهد التشكيلي العالمي وفي ذلك يقول في إحدي شهاداته: «نعم أنا جربت، وتعلمت خبرات جديدة، درست جرافيك، عملت نحتا، ودرست علم نفس، فلغة الفن عالمية، لكن الفن نفسه محلي، بمعني أنك كفنان جذورك وانتماءاتك هي المؤثر الجوهري في شكل فنك، أما المنتج النهائي فيمكن قراءته في أي مكان». وقد ارتبط «محمد عبلة» بالأحداث السياسية والاجتماعية التي مر بها الوطن فنراه في لوحاته الأخيرة يرسم الثورة المصرية وميدان التحرير الذي يكاد يرابط فيه واللجان الشعبية مضفرا الرمز مع الواقع والصورة مع الشعارات التي كان يرددها المتظاهرون. يري أن علاقة الفن بالصورة تقوده للبحث في التاريخ الذي يمتزج عنده بالحاضر، لذا نري لوحاته في السنوات العشر الأخيرة تأتي كتعبير قوي عن «الحنين» إلي قيم جمالية كادت تندثر، وهي قيم الطبقة الوسطي التي تآكلت في المجتمع وتآكلتت معها كل معاني الانتماء والتفاؤل، وهي قيم العائلة والترابط. لوحاته - إذن - شاهدة علي عصر كامل مضي، وعلي عصر قد يجيء، لأنه فنان يحمل في داخله طاقة ثورية لا تنتهي.