توضح الأحداث أن الولاياتالمتحدة وأوروبا وإسرائيل تتهيأ كل علي طريقته، لإستقبال شهر سبتمبر حين يتقدم الفلسطينيون للجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل إعلان دولتهم، . فماذا عن التحضيرات العربية والفلسطينية لهذا الاستحقاق؟ يلاحظ ازدياد اهتمام العالم باستحقاق أيلول، وبالمعركة التي سوف تخوضها م.ت.ف. للحصول علي مقعد في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لفلسطين، دولة معترفا بها. في مقدمة هذه الأطراف المهتمة بالأمر، تقف بالطبع الولاياتالمتحدةالأمريكية. التي استدعت علي التوالي، كلاً من صائب عريقات، ممثلاً عن الجانب الفلسطيني، وإسحاق مولخو، ممثلاً عن الجانب الإسرائيلي. وأدارت مع كل منهما مفاوضات منفردة، بحثت فيها إمكانية وضرورة تجاوز الاستحقاق المذكور، من خلال العودة إلي طاولة المفاوضات. وواضح أن واشنطن تجاوزت مسألة الاستيطان، كواحد من المتطلبات الرئيسية للعملية التفاوضية، وبدأت تطرح صيغة جديدة، هي اعتماد خطاب الرئيس أوباما، في الخارجية الأمريكية أساساً للعملية التفاوضية. أي بتعبير آخر، مفاوضات تنطلق من اعتبار خط الرابع من حزيران (يونيو) 67، هو أساس التفاوض، مع مبدأ تبادل الأراضي بنسب متفق عليها، وبما يقود إلي ما تسميه واشنطن «حل الدولتين»، وبما يؤمن الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية ديمقراطية». وواضح من خلال ما تسرب عن هذه المباحثات من أنباء، أن الجانب الفلسطيني، أبدي استعداده لمثل هذه المفاوضات، مشترطاً رسم سقف زمني، مع التحفظ علي إسرائيل دولة يهودية. أما الجانب الإسرائيلي، فقد رفض خطاب أوباما، أساسا لهذه المفاوضات، وأصر علي اعتماد خطاب نتنياهو في الكونغرس الأمريكي. وهو الخطاب الذي أعاد الجميع، وسط تصفيق حار من أعضاء الكونغرس، جمهوريين وديمقراطيين، إلي مشروع نتنياهو الأصلي: الحل الاقتصادي. وهكذا يمكن القول إن المحاولة الأمريكية لاستئناف المفاوضات وصلت إلي الفشل. و«الفضل» في ذلك يعود إلي تصلب الجانب الإسرائيلي. إلي جانب الأمريكيين، يبذل الأوروبيون، هم أيضاً جهودا لتجاوز استحقاق أيلول، والعودة إلي طاولة المفاوضات. فبعد المبادرة الفرنسية (التي أجهضتها واشنطن حفاظا علي ماء وجه الجانب الإسرائيلي). أعلنت منسقة الشئون الخارجية في الاتحاد السيدة اشتون عزم أوروبا علي التحرك بالاتجاه الفرنسي. وواضح لنا أن الأوروبيين يقلقهم أن تصل المنطقة إلي استحقاق أيلول، دون أن تتمكن القوي الكبري من السيطرة علي الأوضاع، المرشحة لان تنفجر إذا ما أحس الفلسطينيون باليأس وأصابتهم خيبة أمل من التحرك الدولي، والتعنت الإسرائيلي. أوروبا، التي تراقب الأحداث العربية عن كثب، والتي وضعت ثقلها في الملف الليبي، والتي بدأت تتحضر للتدخل في الملف السوري، تعتبر منطقة الشرق الأوسط عمقها الأمني، وتتخوف من صدي الانفجارات العربية فيها، وتدرك جيداً أن الانفجار الفلسطيني، قادر علي إحداث سلسلة تفجيرات عربية وإسلامية ستتوزع شظاياها علي أكثر من بلد أوروبي. لذلك تراها تتحرك باهتمام لسحب فتيل الانفجار، وإعادة الأمور إلي طاولة المفاوضات. ولعل الإسرائيليين. هم من أكثر الناس اهتماما باستحقاق أيلول. وهم يتحضرون لذلك الاستحقاق. وفقا لمبدأ «الاحتمالات المفتوحة». فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ينشط سياسيا في عواصم القرار، في حملة دبلوماسية، جند لها كفاءات إسرائيلية وغير إسرائيلية، يدعو فيها إلي عدم التجاوب مع المطلب الفلسطيني في الأممالمتحدة. ويستند نتنياهو في تحركه هذا، إلي وعد أمريكي باللجوء إلي حق النقض (الفيتو) لإسقاط الطلب الفلسطيني في مجلس الأمن. لكن يتخوف، من جانب آخر، من اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية (حتي ولو لم يؤدِ ذلك إلي نيلها عضوية الأممالمتحدة). لذلك يتحرك هنا وهناك، لقطع الطريق مسبقاً علي الفلسطينيين حتي لا ينالون اعتراف المزيد من الدول بهم كدولة مستقلة. وسادة نتنياهو الشائكة لكن من الواضح أن نتنياهو لا ينام علي وسادة من حرير. فإلي جانب التحرك الدبلوماسي، بدأت قيادة الجيش الإسرائيلي تدريباتها العملية لمواجهة انتفاضة ثالثة في الضفة الفلسطينية، واندلاع القتال علي خطوط التماس في قطاع غزة. وتؤكد صحافة العدو أن قيادة الجيش الإسرائيلي وضعت علي نار حامية خططها من أجل مواجهة الاضطرابات الأمنية، في مناطق السلطة، متخوفة من أن تفقد سلطة الرئيس عباس سيطرتها علي الشارع الفلسطيني، إذا ما اسقط من خياراته الرهان علي العملية السياسية ولجأ إلي خيارات أخري. ويبدو أن قيادة العدو تنظر إلي الأمر أبعد من ذلك، فتتخوف، في السياق، أن تنتقل الانتفاضة إلي مناطق 48، كما حصل عام 2000، وسقط يومها 13 شهيدا من الفلسطينيين في هذه المناطق، برصاص الشرطة. وتفيد صحافة العدو أن الشرطة الإسرائيلية، وأجهزة «مكافحة الشغب»، بدأت هي الأخري تتدرب علي كيفية التصدي لأي تحركات شعبية في المدن والأحياء والقري الفلسطينية (في إسرائيل) تجاوبا مع الانتفاضة، ولقد بدأت في هذا السياق وضع الخطط الضرورية لمحاصرة هذه الأماكن إذا ما تطلب الأمر، وفرض القبضة العسكرية عليها. دور العرب المفارقة المضحكة المبكية، أنه في الوقت الذي ينشغل العالم بها «استحقاق أيلول» تبدو الحالة العربية أقل الأطراف اهتماماً بهذا الاستحقاق، وقد انغمست في معالجة قضاياها الداخلية، حيث بدأت نذر الحرب الأهلية تهدد أكثر من قطر عربي. ولا نظن أن بيان لجنة المتابعة العربية بدعم توجه الرئيس عباس نحو الأممالمتحدة يشكل خطوة كافية، إذا لم يتحول هذا البيان إلي خطوات عملية، بحيث تتشكل وفود الجامعة العربية لتجول علي عواصم العالم، تطلب إليها الانحياز للطلب الفلسطيني. خاصة أن في جعبة الحالة العربية من «الإغراءات» النفطية والمالية والاقتصادية وغيرها، ما يسيل لها لعاب معظم دول العالم. ومن الخطورة بمكان أن تتكرر في الأممالمتحدة في أيلول القادم المسرحيات ذاتها التي شهدتها المنظمة الدولية عامي 1947 و 1948، والتي قادت إلي النكبة التي مازال الشعب الفلسطيني يعيش آثارها البليغة. إذا أراد الفلسطينيون والعرب دخول معركة استحقاق أيلول، فعليهم أن يجهزوا كل الأسلحة الضرورية. بما في ذلك الأسلحة الفلسطينية والتي يحتاج نقاشها إلي بحث منفصل. نقلا عن جريدة الحرية