رغم أنني قد أكون أصغر من تعامل مع الكاتب والصحفي الراحل أحمد اسماعيل إلا أنني أزعم عمق تأثري بذلك الرجل الذي مازال قادرا علي ادهاشي كلما رأيت ارشيف جريدتنا العريق خاصة تلك الاعمال التي حملت توقيعه ورؤيته وفكره، فلم تكن مجرد موضوعات عابرة علي صفحة مهمة تحمل اسم «الفن والثقافة» قدر ما كانت قضايا تشغل تفكير رجل من الواضح أنه يعيشها ويتنفسها لا يكتب عنها فقط، أما الجانب الآخر فهو الجانب الإنساني الذي لمسته منه في المرات القليلة التي قابلته خلالها داخل المكتب الذي أشرف بجواره ، كم كان دائم البسمة وصاحب كلمات رقيقة ودائما ما يؤكد أنه يعرفك حتي وإن كان يتعرف عليك للمرة الأولي، هي روح كاتب وإنسان متصالح مع نفسه ويحترم الآخر مهما كان صغير السن.. في صباح 29 يوليو 1987 جاءت مقالة الراحل أحمد اسماعيل في جريدة الأهالي لتعلن عن تفاصيل قتل رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي. تفاصيل تحمل علامات استفهام حول الحادث الذي حدث في لندن داخل حي تشيسي الراقي عندما كان ناجي العلي متجها إلي جريدة «القبس الدولي» التي يعمل بها، جاء المقال بعد أسبوع من الحادث قال فيها اسماعيل «رصاصة غادرة في وجه ناجي العلي، عندما تقدم إليه مجهول ذو «ملامح باردة» وفي هدوء أطلق علي وجهه رصاصة وحيدة لينفجر الدم في صدغه الأيمن تاركا ثقبا بحجم الابهام تري ما الذي كان يقبض عليه ناجي في يده اليسري تساؤل الكاتب تبعه بعدة نتائج منطقية الفكر وعميقة الأثر وهي : ربما ريشة أو ربما قائمة بأسماء الخونة فما حمل ناجي ريشته إلا ليحفظ لأطفال الزمان العربي اسماء قاتليهم: وردد جملة العلي : إن بقاءنا علي قيد الحياة هو محض صدفة» وهكذا قالها في حواره الوحيد لمصر مع د. رضوي عاشور. ثم استطرد الكاتب الراحل في حديثه عن العلي وميلاده في قرية الشجرة بين طبريا والنصارة بالجليل الشمالي- بفلسطين- عام 1938 ونزوحه إلي لبنان بعدها رسم الكاتب الراحل في مقالته مشهدا غاية في الألم تحت عنوان «محضر سري للغاية» لناجي العلي علي سريره الأبيض والقاتل يبتسم ويدير ظهره تماما مثل «حنظلة» فما أكثر القتلة في زماننا، حنظلة، تلك الشخصية التي خلقها خوفا من التلوث الاستهلاكي. وينهي أحمد إسماعيل مقالته التي تعلوها صورة «ناجي العلي» وكاريكاتير يحمل صورة بطله «حنظلة» بحديث خاص للعلي يقول له: الآن ننزع عنك غطاءك . وندعك تنهض وترسم وتفضح وتسخط وتغضب وتثور وتدمع وتظل حيا ليس بالمصادفة هذه المرة ولكن بإرادة الثورة، ألازلت راقدا يا ناجي.. هكذا كتب احمد اسماعيل الصحفي الإنسان ما يمكننا اعتبارها «مرثية إنسانية لناجي العلي»، ليعلمنا أن الصحفي ليس فقط كلمة إنما هو موقف يعبر عن تلك الكلمة، ليجاور هذا المقال في صفحة الفن والثقافة بجريدة الأهالي، خبرا عن إدانة المثقفين المصريين اغتيال ناجي العلي.