إسلام أصغر بائع جرائد في مصر وقد يكون أصغر بائع جرائد في العالم كله . وذلك لأن معظم دول العالم لديها قوانين تقنن عمالة الأطفال بشكل حاسم من خلال عقوبات رادعة لمن يقوم بمخالفتها . تنبهت لوجود إسلام أول مرة من خلال مشهدين مختلفين ولكن في قمة الإثارة وهذا ما دفعني لمراقبته عن كثب فالمشهد الأول كان عبارة عن رزمة من الجرائد تقف علي قدمين صغيرتين فقد كانت رزمة الجرائد تغطي النصف الأعلي من جسده بالكامل وتطل رأسه من فوق الجرائد التي يحملها ويتنقل بين السيارات في الإشارة لبيع مامعه من جرائد فكان المنظر غريبا ومثيرا في ذات الوقت ..أما المنظر الثاني كان في يوم آخر وفي نفس الإشارة كنت أبحث عنه متعمدة فوجدته يضع ما معه من جرائد علي سور أحد مواقف السيارات القريبة ويلقي عليها مامعه من نقود معدنية محاولا عدها بمنتهي الفخر والكبرياء وكأنه يعد مليون جنيه لذلك في تلك اللحظة أتخذت قراري بإجراء حوار مع هذا الصبي الذي نصفه رزمة جرائد ونصفه طفل لم يتعد عمره الخمسة أعوام فقط .. يسكن إسلام في عزبة صابر في حجرة صغيرة تأويه هو وعائلته المكونة من أم واب وأحد عشر أخا وأختا يعملون في مهن مختلفة وبشكل متقطع "مؤقت " و كان نصيب إسلام وأخوه الاكبر منه "6 سنوات "من هذه المهن هو بيع الجرائد والمجلات في الإشارات .كما أن المتعطلين من أخوته يزاحمون والدهم بالعمل معه في الكشك البسيط الذي يملكه . ويقول إسلام أنه لن يتوقف عن مساعدة والده من خلال بيع الجرائد . عندما يحين الوقت والسن المحددة لالتحاقه بالمدرسة في العام القادم وسيعمل علي أن يوفق بين الدراسة وعمله في بيع الجرايد مثلما يفعل بقية أخوته وذلك حتي يتمكن من توفير المال اللازم لمصاريف المدرسة .. الزبائن يمنحونني الحلوي وعندما سألته عن مضايقات الباعة الآخرين له والمارة من المزعجين أجابني بعدم تعرضه لأي نوع من المضايقات وأضاف أن كل الناس يعرفونه ويحبونه لأن والده يملك كشكا بسيطا لبيع السجاير والحلويات بالقرب من الأشارة التي يقف عندها إسلام في " شارع أمتداد رمسيس" وأن بعض الزبائن يشترون منه الجرائد بأكثر من ثمنها أعجابا به ..والبعض الآخر قد يمنحه بعض قطع الحلوي . ويبدأ إسلام عمله بعد صلاة الفجر ويستمر فيه حتي الساعة الثانية بعد الظهر ..ثم يذهب لوالده في الكشك يسلمه الباقي من نسخ الجرائد وثمن بيعها ويستريح قليلا في انتظار ظهور الطبعة الأولي من جرائد الغد أو الجرائد المسائية ليعاود التنقل بين سيارات المارة في محاولة لبيع ما لديه من جرائد ومجلات.. وعن أحلامه بالنسبة لمستقبله عندما يكبر يقول إنه يحلم أن يكون لاعب كرة عالميا ومشهورا مثل ميسي وكل الناس تشاهده في التلفزيون والجرائد والمجلات تنشر أخباره وصوره علي صفحاتها في الجرائد.. ويقوم بشراء بيت كبير لأسرته ويكون لديه حجرة خاصة به .. ذات جدران جميلة يعلق عليها صور نجومه المفضلين من نجوم الفن والرياضة ..كما يتمني أن يمتلك دولابا كبيرا يضع به أشياءه .. ويؤكد إسلام إنه من عشاق الساحرة المستديرة ولا يتخذها وسيلة للشهرة وجمع المال ويدلل علي كلامه بأنه لو كان يسعي للثراء لكان حلمه أن يصبح رئيس جمهورية ! أكل العيش أهم وفجأة عندما أغلقت الإشارة قفز إسلام من أمامي فجأة وابتعد عني وهو يردد بعد إذنك بقي أنا عايز أشوف أكل عيشي أهم ..وقد آثارت جملته الأخيرة دهشتي فهل يعقل أن يقدر إسلام صاحب الخمس سنوات "العمل كقيمة " في حد ذاته في مجتمع يئن تحت وطأة الجهل والفقر والبطالة ..ولم لا فقد يكون هذا مؤشرا إيجابيا لزرع قيم ومفاهيم أكثر إيجابية .