مناضلون يساريون عبدالرحمن الخميسي «2» سيناء كانت لنا أمانا فكيف أصبحت لنا الهوانا من قصيدة طويلة للخميسي أدان فيها كامب ديفيد في العدد الماضي تركنا الخميسي وهو يطرق أبواب الشهرة ليصبح واحدا من ألمع الكتاب والصحفيين عندما تألق علي صفحات جريدة المصري التي كانت الصحيفة الأكثر شهرة ويروي الخميسي في حوار معه «بدأت علاقتي بالمصري وتوزيعه عشرة آلاف نسخة، فلما بدأ نشاطي فيه زاد توزيعه للغاية، فأطلق أحمد أبوالفتح يدي في إدارة التحرير فألحقت بالعمل عددا من الصحفيين الشبان منهم عبدالرحمن الشرقاوي - يوسف إدريس - حسن فؤاد ولعلك تلاحظ أنها اسماء يسارية وهكذا وغيرهم بدأت علاقتي بمنظمة حدتو» (حوار معه أجري في 2/11/1972 في بغداد) ويمضي الخميسي «لكن بداياتي السياسية كانت مع الحزب الوطني، ومع سطوع نجمي كصحفي أصبحت عضوا في اللجنة الإدارية العليا ويمكن القول إنني كنت آنذاك وطنيا متطرفا»، وسألته بشكل مباشر كيف أصبحت شيوعيا «في عام 1950 دعيت للانضمام إلي المجلس المصري للسلام فوافقت علي الفور خاصة أن سكرتيره العام كان يوسف حلمي وكان معي في اللجنة الإدارية العليا للحزب الوطني، وجاءت أحداث 1951 وتكاتفت أمور شتي، منها مصر الملتهبة بحماس وطني جارف تبحث عبره عن طريق للخلاص ثم هناك علاقتي بالمثقفين اليساريين وخاصة حسن فؤاد، وبدأت القراءة في الفكر الماركسي وكأن طاقة ضوء تألقت في ذهني وامتزج في نفسي حس الشاعر الرومانسي مع عشق الوطن والأمل في مستقبل سعيد لشعب بلادي.. وضمني حسن فؤاد إلي حدتو». وفي هذه الأثناء يموت الرفيق ستالين، وتصدر حدتو عددا خاصا من نشرتها السرية «الكفاح» وفيه مقال موقع باسم خالد محمد خالد وعنوانه «طبت حيا وميتا يا رفيق» وإلي جواره مقال بعنوان «وقفة الخشوع يا رفاق» والتوقيع حنفي، ولأن أسلوب الخميسي المتميز معلوم للكثيرين فقد عرفوا أن «حنفي» هو الخميسي وتأتي ثورة يوليو وتلتهب شرارة الصدام الأولي عبر كتابات الخميسي في «المصري» فيصدر مجلس الثورة قرارا بمنعه من الكتابة فيكتب بلا توقيع وينتهي الأمر بإغلاق المصري، ويقبض علي الخميسي.. وعن رحلة السجن يقول الخميسي في حواره «استدعاني عبدالناصر من السجن وبدأ اللقاء بعتاب هادئ من عبدالناصر، عاجبك كده قلبت الدنيا علينا وانت اللي حركت جريدة المصري ضدنا وتسبب في إغلاق المصري وفي سجن كثيرين، وفي مجري الحوار سألته لماذا أمرتم بفصلي من المصري قبل إغلاقها فأجاب ببساطة السفارة الأمريكية هي اللي طلبت وحمل الطلب إلينا يوسف صباغ»، ويمضي الخميسي وتعلو نبرته الخطابية ونحن في بيته في بغداد ويقول «كنت أغلي من قبول الرضوخ للسفارة الأمريكية واحتدت كلماتي واحتدت عبدالناصر، وانتهي اللقاء والغريب أن عبدالناصر أنهاه بسؤال «مش عايز حاجة؟ فقلت لأ، وأعادوني إلي السجن» ويبقي أن أروي حكايتي معه، قبل فترة السجن وفيما الرجل يتألق كاتبا هو الأكثر شهرة نجحت حدتو في أن تقوم بتهريب عديد من كوادرها الأساسيين من معتقل روض الفرج، أحدهم ضياء بدر قفز دون احتراز فكسرت ساقه التقطه الرفاق وضعوا ساقه في الجبس ولكن أين يضعوه هو؟ وتقرر أن يأتوا به عندي في شقة أقمت فيها أنا ومحمود العطار في دير الملاك، ولأننا اضطررنا لترك القاهرة بعد انتهاء العام الدراسي كلفت أن أنقله إلي بيت عبدالرحمن الخميسي، أخذت ضياء في تاكسي وتركته في التاكسي أمام العمارة اللي وصفوها صعدت إلي الشقة التي حددها، طرقت، فتح الباب وأطل الخميسي الذي لا تخطئه العين، قلت ما أمروني أن أقول «خالي حنفي موجود» وصعقت عندما جا ء الجواب مندهشا «حنفي مين يا ابني؟ كررت السؤال وكرر إجابة مشحونة بأداء تمثيلي أفزعني فقررت أن أهرب وفيما استدير لأقفز علي السلم جاءت ضحكة صافية «تعالي يا ولد» وصعدت بضياء والخميسي يقول «يا ابني انت لسه صغير علي الحاجات دي»، ونعود إلي السجن الوحشي والعذاب والتعذيب ويخرج الخميسي من السجن ليتألق وبلا حدود في كل مجالات الفن.. يكتب مقالات ومسرحيات وأفلام وسيناريوهات ويؤلف مقطوعات موسيقية ويخرج أفلاما ومسرحيات.. ويقول «كنت أكتب القصة والسيناريو وأخرج الفيلم وأعد الموسيقي التصويرية مؤكدا أن الفيلم بقصته وإخراجه وموسيقاه هو وحدة واحدة ككتاب لا يمكن أن يكتبه كاتبان، ويعلق الناقد الشهير عميد الإمام علي فيلمه «الجزاء» أن الخميسي قد أكد لنا أن الفيلم المرتبط بالقضايا الوطنية يمكنه أن يحقق نجاحا شعبيا كاسحا ويكون اكتشافه المثير لسعاد حسني وتدريبه لها علي التمثل والغناء والرقص محققا لذات النجاح، وفي هذه الأثناء يتزوج من فاتن الشوباشي لكنها لا تلبث أن ترحل في حادث حريق، ويخيم حزن كثيف علي الخميسي ليعالج مأساته ممتزجة بمأساة وطنه وشعبه فيكتب قصائد من نوع. فاتن إني أمضي نحو الوحدة فوق جواد الظلمة فالوحدة خيمة معتزل مغترب القلب ثم يمضي كنا نغلق باب البيت علينا نصنع من أحلام فؤادينا دنيا أخري تتفتح كالورد أمام الثورة في العالم دنيا أخري لا يأكل فيها السلطان لحوم رعاياه أو يقتل عسكره في وهج الشمس رعاياه ويأتي السادات وتأتي كامب ديفيد وتكون قصيدته عن سيناء فيطرد من الجمهورية ويصدر قرار بالقبض عليه فيفلت إلي بيروت ومنها إلي بغداد ثم إلي موسكو ويبقي ماركسيا حتي آخر قطرة من حياته هذا الطريق عرفته، وقحمت فيه رماحه وصخوره ذاقت دمي، لكن عشقت كفاحه ويرحل الفارس الفنان، وتأتي في منتصف الليل مكالمة من موسكو «الخميسي توفي ووصيته أن يقيم التجمع مأتمه ويتلقي رجاله العزاء وأن يقام له مدفن في المنصورة حيث مراتع صباه ويوصي أن يتولي رفعت السعيد تنفيذ هذه الوصية». ونحني رأسنا احتراما وننفذ الوصية