حكاوي «سبت النور» و«العساسة» وتكحيل العيون في مصر الحلوة لن تجد تفسيرا لمعادلات المصريين الحياتية.. إنهم يحاولون الحياة بكل تفاصيلها، يصرون علي الفرح مهما كانت الظروف لذا تجدهم يصنعون من رحم المناسبات طقوسا تطبع بصمة روحية خالصة تعلن «هنا مصر».. نتيجة هذا تجد أعياد المصريين مختلفة سواء أعياد المسيحيين أو المسلمين الجميع يتساوي في الإبداع ليدخل الطعام طرفا وممارسات الاحتفال طرفا آخر، وخلال الأيام الماضية احتفل المصريون «بأحد السعف»، وفي انتظار الاحتفال «بسبت النور»، ولأن الكنز الحقيقي في «الرحلة» فرحلات حياة الآباء والأمهات مليئة بالحكاوي عن هذه الاحتفالات، لا تفعل شيئا سوي أن تسأل أي أم «أم جرجس أم أحمد» عما يتم فعله في هذه الاحتفالية لتجدها تقول «نكحل الأطفال ونعلق القمح علي الباب عشان الخير، ونأتي بسعف النخيل ونوزعه علي حبايبنا». لتجد سيدة أخري هائمة لحكاية «العساسة» التي تأتي ليلا يوم شم النسيم بعد الاحتفال لتعرف إذا كان البيت مليئا بالخير أم لا ومن الأفضل أن تجد الأطفال مكحلي العيون، يقول د. علي بركات استاذ التاريخ بجامعة حلوان أن هذه الطقوس فرعونية الأصل وترتبط بحلول شهر الربيع حيث الاهتمام بالعيون والأمراض التي قد تصيبها وبالتالي اهتموا باستخدام «الكحل» للاعتقاد في قدرته علي شفاء العين. ويضيف بركات أن وجوده في منطقة صعيد مصر جعله يلمس مدي أهمية هذه الاحتفالات في الصعيد بشكل خاص وعدم صبغتها بالطابع الديني قدر الطابع الاحتفالي المصري ومازال النيل أحد ملامح الاحتفالات لاعتقاد المصريين في قدسيته ولهذا تجد بعض مناطق الأرياف تهتم بالذهاب إلي مناطق مائية يوم سبت النور للاعتقاد في ازاحة كسل العام عنهم، وتقول مني سعيد أنها تتذكر جيدا قدسية يوم سبت النور لدي والدتها وتكحيل عيون الأطفال الموجودين بالمنزل «مسيحيين ومسلمين» «حتي تنير العيون» واحضار حزم من البصل لتناولها وحرص سيدة المنزل علي تواجد البصل في الليلة السابقة، ثم احضار الخوص في أحد السعف من النخيل وتجميعه لصناعة اشكال مختلفة منه «كنائس وجوامع وأشكال للاحتفاظ بالحلوي داخلها». ويعتبر عيد القيامة المجيد أحد أهم الأعياد الدينية لدي المسيحيين الشرقيين والذي يتبعه شم النسيم عيد كل المصريين منذ زمن الفراعنة مما يضفي حالة خاصة من الاحتفالات المختلطة ما بين هذه الأعياد ويهتم الجميع بقدوم الربيع، لن تجد تفسيرات لهذا المزيج، فالمسلمون مازالوا يهتمون بوضع كحل العين للأطفال يوم سبت النور خاصة في المناطق الشعبية والريفية وأصل الموضوع هو وضع الكحل حتي لا يؤذي الضوء المنبعث من قبر السيد المسيح عيونهم إلا أن الجميع يمارس الطقوس باختلاف الدين وباجماع حب الوطن. ونجد المسلمين يحتفلون بتعليق سنابل القمح الجاف وسعف النخيل علي الأبواب والنوافذ لتأتي بالخيرات في موسم الربيع ويأكلون السمك يوم الجمعة، وتروي كتب التاريخ أن دخول المسيحية مصر تصادف وقت الربيع وفترة صيام الأقباط وتقرر أن يأتي الأثنين التالي لأحد عيد القيامة عند الأقباط، لذا فالمعادلة تحتاج إلي تفسير أكبر من عقول اساتذة التاريخ من يحتفل قبل من، الأهم هو أن احتفالات الربيع وعيد القيامة تجمعها طقوس مصرية خالصة علي ترانيم تقول: «المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور.. » ترانيم مسيحية لتحقيق رسالة الحب علي الأرض.. وستبقي مصر بطباعها متفردة بين العالمين باحتفال كل الطوائف بعيد كل المصريين عيد شم النسيم.