مناضلون يساريون محمد يوسف الجندي (2) عندما هربت من قصر العيني، طلب البوليس من أسرتي صورة لينشرها في الصحف ليطلب إلي المواطنين الإبلاغ عني لكن أخي أحمد أعطاهم صورتي وأنا في الثالثة من عمري. محمد الجندي في حواري معه .. وعندما تتم الوحدة بين ايسكرا وح. م وتتأسس منظمة حدتو عام 1947 أصبح مسئولا عن قسم المثقفين، تم تأسيس قسم جديد للأقاليم ضمت قيادته كلا من محمد الجندي وفؤاد عبدالحليم وحمدي عبدالجواد وبهاء فهمي وإبراهيم المناسترلي.. وكلف محمد الجندي بالعمل في منطقة بحري، ترك الأسرة والبيت وتبرع بميراثه كاملا للتنظيم وترك الكلية «كان طالبا في الليسانس» وأصبح محترفا وقضي أيامه هاربا متنقلا بين خلايا التنظيم في قري بحري، تنقل بين قري عديدة ومساكن عديدة في الزقازيق وطنطا وزفتي وجند وهو هارب عديدا من زملائه القدامي في الدراسة مصطفي درويش «الناقد السينمائي الشهير» وإبراهيم خلاف وبهي الدين الرشيدي «أصبح سفيرا فيما بعد» وفيما هو يتردد علي القاهرة بحثا عن زملاء جدد قبض عليه وما أن أفرج عنه حتي هربا مرة أخري في هذه الأثناء اتصل النقراشي باشا «كان رئيسا للوزراء» بأسرته طالبا مقابلته لعله يقنع ابن زميله القديم يوسف بك الجندي، لكن أسرته لم نكن نعرف له عنوانا، وأخيرا قبض عليه، النقراشي قتل، والأحكام العرفية معلنة وأوامر الحبس مطلقة، تنقلوا به بين سجون عدة وأخيرا قدموه للمحاكمة أمام أكثر المستشارين قسوة «المستشار حسين طنطاوي» وأخيرا أيضا اتصل بأسرته، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات مع الشغل، الأسرة تدخلت مستعينة بتاريخ الأب فنقل إلي قصر العيني، ثورة يوليو تأتي ولم تقبل الإفراج عنه وعن زملائه، نظمت حدتو هروبه هو وشريف حتاتة، شريف سافر مباشرة إلي بورسعيد ومنها هرب إلي الخارج، هو بقي في القاهرة ليقيم في بيت صلاح حافظ ثم يوسف إدريس ثم الضابط أحمد حمروش، ثم إلي بيت الضابط عثمان فوزي الذي اصطحبه إلي بورسعيد ومستعينا برتبته الرفيعة في سلاح الفرسان أمكنه أن يهربه إلي إحدي السفن، خبأه البحار المنوط بتهريبه في قاع المركب لمدة 14 يوما حتي وصل إلي مارسيليا، وهناك جرده البحار من كل شئ النقود وحتي الساعة والجوانتي ثم أركبه القطار إلي باريس ليجد الرفيق يوسف حزان في انتظاره وأقام في منزل أحد رفاق المجموعة المصرية التي كانت تتخذ لها اسما حركيا هو مجموعة روما، هو في باريس هاربا، بلا أوراق، انتسب إلي مدرسة أليانس فرانسيز ليحصل منها علي كارنيه طالب وليحصل أيضا علي وجبات طعام رخيصة في مطعم الطلبة وتفرغ بقرار من المجموعة لدراسة اللغة الفرنسية والترجمة، فترجم كتاب الديمقراطية الجديدة لماوتس تونج وعديدا من الكتب الماركسية، ومضت الأيام هو يترجم ويوسف حزان يكتب علي الاستنسل ثم يطبع مئات النسخ لتقوم المجموعة بتهريبها إلي مصر، وأخيرا قبض عليه «هارب بلا أوراق» كان رفاقه قد لقنوه في البداية لا تتكلم إلا أمام قاضي التحقيق، وأمام القاضي حكي حكايته وأمر القاضي بإيداعه في السجن وكان واحدا من أسوأ السجون الفرنسية لا تختلف مرارته عن مرارة السجون المصرية، وأخيرا نجح رفاقه في أن يحصلوا له علي حق اللجوء السياسي في المجر وهناك أصبح عضوا في السكرتارية الدولية في اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي، لكن الحركة الشيوعية العالمية كانت تصمم علي اعتبار ثورة يوليو انقلابا أمريكيا وهو يصمم علي موقف حدتو التي تعتبرها حركة وطنية معادية للاستعمار، اختلف مع المسار العام فهل يمكن الاختلاف مع المسار العام؟ طرد من السكرتارية الدولية، فانضم للجماعة ليدرس اللغة الروسية واكتفي بمرتب الطالب، وأخيرا تلقي قرارا بالعودة إلي مصر، فسافر إلي ألمانيا الديمقراطية وهناك التقي يوسف حلمي وزوده يوسف بجواز سفر مزور سافر به إلي برلينالغربية ومنها إلي جنيف حيث أقام لوقت في منزل خالد محيي الدين الذي كان منفيا هناك واصطحبه خالد إلي باريس بسيارته ومن هناك اصطحبه يوسف حزان إلي روما ومنها إلي الخرطوم حيث دبر له الرفاق السودانيون جواز سفر سودانيا مزورا، وبالقطار إلي القاهرة حيث أقام في بيت فاروق ثابت، وإذ تلتهب مصر حماسا ضد العدوان الثلاثي تدرب علي حرب العصابات وانتقل إلي منطقة القنال، وإذ ينتهي العدوان يرسله التنظيم إلي الدقهلية التي كانت أهم المناطق الحزبية، وقرر أن يتزوج، ولكن كيف لهارب بلا أوراق أن يتزوج؟، الزوجة وافقت.. فقط لا تقولوا لأبي أنه هارب، تقدم للأسرة باسم محمد يوسف أحمد وأنه خريج حقوق (تخرج من الكلية عام 1965 متأخرا 17 عاما) وأنه مدير بشركة أفلام النور وهي شركة غربية للأفلام السينمائية، زاره الأب هناك أخلوا له المكتب ومثل دور المدير تم الزواج بعد أن التف صلاح جاهين وسيد مكاوي حول الأب والمأذون معا ليمررا زواجا بلا بطاقة شخصية لكن الأب المتشكك سأل في كلية الحقوق ولم يجد خريجا باسم محمد يوسف أحمد، وهدد بإبلاغ البوليس فحكوا له الحكاية كاملة ورضي الأب، ثم تأتي عاصفة يناير 1959 حيث قبض علي مئات الرفاق، هو أفلت وأخفاه فاروق ثابت في منزل المخرج توفيق صالح ليواصل العمل لتجميع الرفاق ويقبض عليه في مايو 1959، ويقدم للمحاكمة أمام المجلس العسكري العالي برئاسة الفريق هلال عبدالله هلال قائد سلاح المدفعية، ويترافع عنه صديق الطفولة د. جمال العطيفي وينتزع له حكما بالبراءة ومن سجن الإسكندرية يرحل مع المتهمين بعد انتهاء المحاكمة إلي أبي زعبل حيث حفل الاستقبال الوحشي الذي استشهد أثناءه شهدي عطية، ومن هناك إلي سجن الواحات حيث بقي معتقلا ليفرج عنه مع الجميع في 1964. قضي الفترة من 1948 إلي 1964 إما هاربا أو سجينا، وأخيرا عاد إلي حياة الإنسان العادي ويعيش مع الزوجة والابن يوسف الذي ولد وهو في السجن، وبمائة جنيه أسس مكتب يوليو للترجمة والنشر، ثم تغير اسمه إلي دار الثقافة الجديدة ليسعي جاهدا من أجل نشر الثقافة الماركسية والتقدمية، توظف في وكالة أنباء الشرق الأوسط وفي 1969 سافر إلي موسكو ليعمل مترجما في دار التقدم حيث ترجم عشرات الكتب الماركسية، ومن هناك عمل مراسلا لجريدة الأخبار ومن موسكو إلي هلسنكي ليعمل سكرتيرا في مجلس السلام العالمي ثم إلي براغ ممثلا للحزب في مجلة السلم والاشتراكية، ثم يعود إلي القاهرة عام 1977 لينشط وبحماس في حزب التجمع. كان قد أرسل طلب انضمام منذ اليوم الأول لتأسيس منبر اليسار.. ويبقي مناضلا حتي آخر نسمات الحياة.