مناضلون يساريون يوسف صديق «1» إنا وهبنا للجهاد نفوسنا لا نبتغي رتبا ولا أطماعا والمؤمنون المخلصون يزيدهم ظلم الحوادث شدة وصراعا يوسف صديق ثمة أحداث جسام ترتبط بأشخاص عظام . بحيث لا يمكن الحديث عن الحدث إلا بالحديث عن الشخص فثورة يوليو مثلا لا يمكن الحديث عنها دون الحديث عن خالد محيي الدين ويوسف صديق وغيرهما من الصناع الحقيقيين للثورة. ويوسف صديق فلاح ابن فلاح، صابظ ابن ضابط، من 1910 ،ولد يوسف لأسرة ريفية في قرية زاوية المصلوب مركز الواسطي بني سويف. الأب ضابط في الجيش يفيض حماساً مصرياً ضد تحكم الإنجليز في الجيش المصري ويصطدم بالقادة الإنجليز الذين كانوا يتحكمون في فرقته العاملة في السودان، ويتوفي الأب ويوسف لم يزل في عامه الأول، ويكفله خاله اليوزباشي محمد توفيق علي وهو أيضا ضابط ثائر علي الإنجليز وانتهي به الأمر أن ألقي باستقالته في وجه الجميع ليبقي مزارعا في زاوية المصلوب. ولم ينس يوسف أبداً الحكايات والحوارات التي ظل خاله يرددها علي مسامعه طوال فترة طفولته وشبابه عن الإنجليز واضطهادهم لضباط الجيش المصريين ورغبتهم في الاستمرار في التحكم في الجيش وقياداته واضطهاد أي ضابط وطني ونواصل رحلتنا مع يوسف. 1924 يتم دراسته الإبتدائية ثم يرحل إلي القاهرة ليصبح طالبا في الخديوية الثانوية في زمن تفجرت فيه مظاهرات عنيفة ضد الاحتلال وعملاء الاحتلال. ويوسف ينغمس في ذلك كله. 1930 ينهي يوسف دراسته الثانوية، يتذكر الثأر الكامن في أعماقه، ثأر أبيه وخاله، وثأر مصر، وينضم إلي المدرسة الحربية. 1933 يوسف ضابطا في الجيش. ويتميز الضابط الشاب بحماسته وجديته وأيضا بأنه شاعر القوة التي يخدم فيها. وعندما يصدر قرار ظالم بإحالة الأميرالاي سليمان عبد الواحد شبل إلي الاستيداع ينظم يوسف وزملاؤه حفل وداع ويدهش الجميع عندما يشدو الضابط يوسف صديق بشعر ثوري شجاع فيخاطب المحتفي به قائلاً: يا صاحب القلب الكبير تحية فلقد بدأت ولا أقول وداعا حررت من قيد الوظيفة فانطلق حرا، وأطلق للكفاح شراعا عار الوظيفة أن تضام بها إذا كنا الرجال ولم نكن أتباعا ونفوس أهل الحق تأبي حرة وكريمة أن تشتري وتباعا ويتحدث يوسف صديق عن مسيرته قائلاً «بدأت بالاتصال بالإخوان لكنني تركتهم لجمودهم العقائدي الذي لا يرضي ما أخذت به نفسي من ثورة ولم يدم اتصالي بهم أكثر من شهور. ثم اتصلت بالشيوعيين وكنت مقدراً لدور الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية ، وكانت علاقتي الحزبية مع الضابط أحمد حمروش أحد ضباط المدفعية في «حدتو» وقد أعجبني في الشيوعية أنها تغرس حب العدل في النفوس وتعمل لتحقيق السلام علي الأرض، وإقامة المحبة والتعاون بين الناس فهي لا تفرق بين الناس لأنسابهم ولا أحسابهم وإنما تعمل علي إلغاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ولم أشعر ولو للحظة أن تطبيق هذه المبادئ يتعارض مع عقيدتي الدينية. فقد داس الإسلام تيجان الأباطرة والأكاسرة بأقدام الشعوب (أحمد حمروش - شهود وثورة يوليو - ص 433) . وفي حوار أجريته معه حكي لي «بعد اعتقال عديد من قيادات حدتو في نهاية الأربعينيات كلفت بطباعة المنشورات في بيتي بثكنات الضباط في العباسية باعتبار أن هذا مكان آمن من هجمات البوليس كنت أكتب البيانات بخطي علي البالوظة ثم أطبعها أنا وعلية (زوجته المناضلة علية توفيق) ، وكنت أتأفف وأسأل عليه «هي الثورة حتتعمل كده؟ ،تبتسم وأبتسم ونواصل العمل» (محضر نقاش أجريته في 3/8/1966). لكن يوسف يعبر عن رأيه في إمكانية تحرير الوطن بالبيانات قائلاً: صنعوا الأقلام وامتشقوا الحساما فرب السيف قد حمل الوساما وقولوا للذين يرجو خلاصا بتنميق الكلام كفي كلاما ومن نادي بغير الجيش يهذي وعن نور الحقيقة قد تعامي ولعلها المحاولة الأولي لإدارة صراع فكري داخل تنظيم شيوعي .. شعراً ويمضي يوسف صديق في أحاديثه الثائرة في ميسات الضباط بما لفت أنظار عبد الناصر إليه وبدأ الاتصال به، فأرسل إليه الضابط وحيد رمضان وكان تلميذا له في الكلية الحربية ليحذره من أن «الحرس الحديدي» يرصد اجتماعات يعقدها في منزله ثم ليعرض عليه الانضمام للضباط الأحرار وتأخر رد يوسف صديق حتي يستأذن التنظيم وتلقي الموافقة بشرط ألا يكشف عضويته بحدتو. والمثير للدهشة أن عبد الناصر لم يعرف أن يوسف صديق شيوعي إلا بعد الثورة. وبعد أن أصبح يوسف عضوا في مجلس قيادة الثورة. ونواصل مع الفارس الذي اسماه زملاؤه رب السيف والقلم. وهو ذات الاسم الذي أطلق علي البطل محمود سامي البارودي أحد قادة ثورة عرابي.