الإنترنت يقود انتفاضة الشعب.. وكوادر اتحاد الشغل التونسي والأحزاب تشارك فيها الليبرالية الجديدة..ليست أزمة الاقتصاد التونسي أربع عائلات تهيمن علي الاقتصاد وتشيع الفساد لم تكن انتفاضة الشعب التونسي والتي انطلقت إثر انتحار الشاب «محمد بوعزيزي» بحرق نفسه في مدينته «سيدي بوزيد» التي تبعد 270 كيلو مترا غرب العاصمة تونس، وهو خريج جامعي أجبرته البطالة للعمل بائعا متجولا للخضر والفاكهة، ولجأ للانتحار احتجاجا علي مطاردة شرطة البلدية له وإهدار كرامته عندما صفعته شرطية علي وجهه في مبني المحافظة، حيث كان في طريقه لمقابلة محافظ المدينة أملا في إنصافه.. لم تكن أول انتفاضة للشعب التونسي. فقد شارك التونسيون في الإضراب العام الذي دعا إليه «الاتحاد العام التونسي للشغل» في 26 يناير 1978 في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وفي «انتفاضة الخبز» في 3 يناير 1984، وفي الحركة الاحتجاجية في منطقة الحوض المنجمي في محافظة قفصه«جنوبسيدي بوزيد» عام 2008. ولم يكن انتحار «محمد بوعزيزي» حدثا نادرا في تونس، فكما يقول الكاتب التونسي الصديق رشيد خشانة «.. تكاثرت ظاهرة الانتحار بوصفها علامة علي القنوط ونتيجة انسداد جميع السبل أمام قطاعات واسعة من الشباب، ويقدر عدد المنتحرين في تونس بألف شخص سنويا، وهي نسبة مرتفعة في بلد لا يتجاوز سكانه 10 ملايين فرد، ما يعني أن هناك مواطنا واحدا يلجأ للانتحار من كل ألف مواطن، علي الرغم من الموانع الدينية والاستهجان الاجتماعي والأخلاقي لهذه «الحلول»، ومن الأرقام ذات الدلالة في هذا المجال ما صرح به الدكتور أمان الله الساعدي الأستاذ في كلية الطب رئيس قسم الإنعاش الطبي ب «مركز الإصابات والحروق البليغة» من أن 12% من الوافدين علي المركز هي حالات تخص من حاولوا الانتحار كما أفاد أيضا أن المركز سجل 280 حالة انتحار في 2010 منذ بداية العام حتي تشرين الأول/أكتوبر فقط، أي بمعدل 28 حالة شهريا، أو حالة انتحار كل يوم تقريبا». وفي نفس وقت انتحار بوعزيزي انتحر أيضا «حسن الفالحي» الذي تسلق عمودا كهربائيا احتجاجا علي الفقر والحاجة والبطالة، ومات متفحما بعد أن صعقه التيار الكهربائي. ولكن ما حدث في تونس منذ 18 ديسمبر 2010 «اليوم التالي لانتحار بوعزيزي» 14 يناير 2011 تاريخ هروب زين العابدين بن علي وسقوطه، يختلف عن كل ما سبق فما حدث خلال 28 يوما في تونس كان انتفاضة شعبية «اجتماعية - سياسية» تلقائية، بدأت من «سيدي بوزيد» لتنتشر بسرعة في المحافظات المجاورة ثم تمتد إلي «أرخبيل قرنقة شرقا، وبن قردان جنوبا، وجندربه شمالا» أي إلي كل مدن وقري تونس. ولعب مستخدمو الإنترنت دور «القيادة» في هذه الانتفاضة إذا جاز التعبير، فالرسائل المتناقلة بواسطة الإنترنت والصور المتبادلة عن طريق «فيس بوك» هي التي حرضت علي التظاهر، رغم أن زين العابدين بن علي أطلق منذ مدة حملة «قصف المواقع الإلكترونية» واعتقل عديدا من المدونين الشبان وأقفل البريد الإلكتروني لآخرين «من أجل قطع الشباب التونسي عن العالم الخارجي، وخاصة عن حركة التدوين الجريئة في العالم العربي، وتحديدا في مصر، وكان الحكم يخشي مع انتعاش الحركة النقابية في بعض الجامعات أن تستعيد الحركة الطلابية الزخم الذي عرفته أيام العهد البورقيبي وتتحول إلي قوة رفض يصعب ترويضها، لكن لم يتوقع الحكم أن يخرج الشبان بتلك القوة والكثافة إلي الشوارع خلال الانتفاضة، إذ كانوا العمود الفقري للمظاهرات، وإن لوحظ أيضا أنها لم تقتصر عليهم، وإنما شارك فيها أيضا المدرسون والموظفون والنقابيون وكوادر بعض الأحزاب السياسية»، باختصار ما حدث كان «ثورة معلوماتية جديدة فرضها الشباب علي السلطات فرضا، فاستطاعت الالتفاف علي جميع الحواجز وتدمير قواطع الرقابة التي كانت تصادر صحيفة وتحجب مدونة وتقطع خط هاتف جوال. اتحاد الشغل كذلك فقد شاركت قواعد «الاتحاد العام التونسي للشغل» منذ البداية في المظاهرات، ولكن قيادة الاتحاد ظلت علي «الحياد» منذ بدء المواجهات، واضطرت تحت ضغط قواعدها لتوجيه الدعوة للإضراب العام والتظاهر يوم الجمعة في قلب العاصمة، وهي أول تظاهرة يدعو لها الاتحاد منذ 32 عاما. وكشفت الانتفاضة عن ضعف الأحزاب السياسية وهشاشتها وعزلتها عن الشارع، وإن كانت كوادرها الوسطي في مختلف المدن والقري كانت حاضرة بقوة في الانتفاضة، «باستعراض أسماء اللجنة التي قادت التحركات في سيدي بوزيد خلال الانتفاضة علي إثر انتحار محمد بوعزيزي ندرك ثقل حضورها السياسي، ناهيك عن أن الناطق الرسمي باسم الانتفاضة في سيدي بوزيد والذي اعتقلته السلطات ثم اضطرت لإطلاقه هو عضو قيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي»، وشاركت كوادر وقيادات «حزب العمال الشيوعي التونسي» المحظور في الانتفاضة منذ البداية وظهر تمايز بين الأحزاب السياسية خلال الانتفاضة، بين من انتظر «تميز الخط الأبيض من الأسود» ومن بادر إلي اتخاذ خطوات عاجلة لحمل الحكومة علي الاستجابة لمطالب المنتفضين علي غرار المؤتمر الصحفي الذي عقدته قيادة الحزب الديمقراطي التقدمي في اليوم الثامن من اندلاع الانتفاضة للمطالبة بإقالة وزير الداخلية والإعلام وإفساح المجال أمام مسئولي الانتفاضة لمخاطبة وسائل الإعلام الدولية، وارتقت أحزاب المعارضة إلي مرحلة أعلي لما توافقت علي التنسيق بين تياراتها المتنافسة واتخذت موقفا مشتركا في 9 يناير 2011 طالب الحكم بوقف إطلاق النار علي المتظاهرين وسحب قوات الجيش والشرطة إلي الثكنات. كسر المحظور غير أن الأحزاب السياسية «لم تلتقط شعارا مركزيا في المظاهرات التي جابت المدن، والذي تردد بقوة حتي في التجمعات النقابية في قلب العاصمة، وهو مكافحة الفساد ومحاسبة العائلات المتهمة بسرقة ثروة البلاد «وعلي رأسها عائلات بن علي والطرابلسي «زوجة بن علي» والماطري «صهر الرئيس» والمبروك زوج «سيرين بن علي»، ربما تهيبت المعارضة من طرح هذا الملف علي الساحة العامة، لكن ذلك لم يمنع المنتفضين من كسر المحظورات ووضع الإصبع علي قضية ظلت شغلا شاغلا لفئات مختلفة، بمن فيها فئة من رجال الأعمال، من دون القدرة علي ملامسة هذه «الصفيحة الحارقة»، وبينما كان رد فعل الشارع علي خطاب بن علي يوم الخميس 13 يناير هو رفع شعار «تونس حرة حرة.. بن علي بره بره» مطالبة بإسقاط زين العابدين بن علي ونظام حكمه، قال أحمد نجيب الشابي «الحزب الديمقراطي التقدمي» إن «الخطاب ينطوي علي أهمية سياسية وينسجم مع آمال المجتمع المدني والمعارضة»!! ولا يعني ذلك أن الأحزاب التونسية المعارضة يمكن وضعها في سلة واحدة فالقراءة المدققة لمواقفها وأوضاعها وتاريخها يقسمها إلي ثلاثة اتجاهات: أحزاب معارضة معترف بها.. وتضم أساسا «حركة التجديد» التي انبثقت في أبريل 1993 عن الحزب الشيوعي التونسي الذي تأسس في أوائل العشرينيات من القرن الماضي، وأمينه العام الحالي هو «أحمد إبراهيم» الذي انتخب عام 2007 بعد تخلي الزعيم التاريخي للحزب «محمد حرمل» عن الرئاسة، و«الحزب الديمقراطي التقدمي» الذي أسسه أحمد نجيب الشابي تحت اسم التجمع الاشتراكي التقدمي عام 1989 وتتولي أمانته العامة السيدة «مي الجريبي» و«التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحرية» وأمينه العام «مصطفي بن جعفر».. ورغم كونها أحزابا معترفا بها لكن علاقاتها بالسلطة يشوبها التوتر والصدام في بعض الأحيان. أحزاب معارضة معترف بها وقريبة من السلطة.. مثل «الحزب التحرري الليبرالي» ويرأسه «منذر ثابت»، وحزب «الاتحاد الديمقراطي القومي» بزعامة «أحمد الاينوبلي». أحزاب غير معترف بها قانونا وتعمل سرا وكثير من قادتها في الخارج.. مثل «حزب العمال الشيوعي التونسي» بزعامة «حمة الهمامي»، و«حركة النهضة الإسلامية» بزعامة «راشد الغنوشي»، و«حزب المؤتمر من أجل الجمهورية» بزعامة «منصف المرزوقي». وتتفق هذه الأحزاب جميعها علي اختلاف مواقفها علي ضرورة التعامل مع أسباب الانتفاضة والتي يمكن تلخيصها في السياسات الاقتصادية والبطالة والفساد وسياسة التعليم ونمو الطبقة الوسطي والاصطدام بالقمع السياسي وغياب الديمقراطية. اهمال الصناعة ورغم أن المؤسسات الاقتصادية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين تعتبر تجربة التنمية الاقتصادية في تونس «مثالا يحتذي»، ويختار «المنتدي الاقتصادي العالمي حول أفريقيا» الذي انعقد من 13 إلي 15 يونيه الاقتصادي التونسي باعتباره الأعلي قدرة تنافسية في القارة متقدما بذلك علي جنوب أفريقيا، ووضعه في المرتبة 29 بين اقتصادات العالم، والرابع عربيا، ومتقدما علي بعض الاقتصادات الأوروبية كاليونان وإيطاليا والبرتغال.. إلا أن الواقع يؤكد تأزم الاقتصاد التونسي وفقدانه التوازن. لقد مر الاقتصاد التونسي بثلاث مراحل أساسية. المرحلة الأولي بعد الاستقلال مباشرة عام 1956 وحتي عام 1961 وتم التركيز فيها علي «تحرير الاقتصاد التونسي من مخلفات الاستعمار الفرنسي الذي ركز علي الزراعة والاستخراج المنجمي مع إهمال تام للصناعة» وفي هذه الفترة غادر تونس أغلب الموظفين الفرنسيين وعددهم حوالي 12 ألف موظف، وسيطرت الدولة علي القطاعات الأساسية وأسست الشركة الوطنية للسكك الحديدية (1956) وأممت القطاع المصرفي وشركات الكهرباء والغاز والماء، ثم أممت شركات النقل وشاركت ب 50% في رأس مال شركة الطيران «تونس إير»، وأسست الشركة التونسية للملاحة، وأصبح الدينار التونسي بموجب القانون الصادر بتاريخ 18 أكتوبر 1958 العملة الرسمية للدولة. المرحلة الثانية في الفترة من 1961 إلي 1969 والتي يمكن تسميتها بمرحلة «التحول الاشتراكي» أو «التحول الاجتماعي»، في هذه الفترة مارس «الاتحاد العام التونسي للشغل» بقيادة أمينه العام «أحمد بن صالح» نفوذا كبيرا علي السلطات لتأخذ تونس منحي اشتراكيا بالمفهوم السائد في العالم العربي في ظل جمال عبدالناصر وقررات يوليو 1961 بمصر فعززت الدولة سيطرتها علي مختلف قطاعات الاقتصاد ، وتم إنشاء وزارة التخطيط واعتماد خطة تنمية لمدة عشر سنوات (1962 - 1971) تقوم علي التقرير الصادر عن مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل عام 1956 والذي يدعو «لتونسة الاقتصاد ورفع مستوي المعيشة وتقليل الاعتماد علي رءوس الأموال الأجنبية وخلق سوق اقتصادية اجتماعية وتقليل الفوارق بين الطبقات، وتم تأميم المزارع المملوكة للأجانب «أساسا للفرنسيين والإيطاليين» في مايو 1964 وتحويل ملكيتها للدولة، وبلغت نسبة المزارع الجماعية في تونس «التعاضديات» عام 1969 حوالي 90% من جملة الأراضي. المرحلة الثالثة، مرحلة الرأسمالية المقيدة وبدأت رسميا عام 1969 بإنهاء «التجربة الاشتراكية» بإقالة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة لمهندس هذه المرحلة «أحمد بن صالح» من جميع مناصبه استجابة لضغوط البنك الدولي، والاتجاه لاقتصاد السوق والملكية الفردية «بما فيها الزراعة» وبالتالي إلغاء المزارع الجماعية عام 1970، وقاد هذه المرحلة «الهادي نويرة» محافظ البنك المركزي الذي عين وزيرا للاقتصاد ثم رئيسا للوزراء، واتخذت حكومته خطوات عملية لتحجيم تدخل الدولة في القطاع الصناعي وتشجيع القطاع الخاص، وواجهت تونس في الفترة من 1982 وحتي 1986 أزمة اقتصادية كبيرة نتيجة هذه السياسات. المرحلة الرابعة، مرحلة الليبرالية الجديدة والتي بدأت مع تولي زين العابدين بن علي رئاسة الجمهورية وإقدامه علي «تحرير الاقتصاد» طبقا لروشتة صندوق النقد والبنك الدوليين، وتبدأ من عام 1987 حتي الآن، ورغم تحقيق الاقتصاد التونسي تقدما لسنوات طويلة إلا أنه بدأ يواجه تراجعا وتأزما في السنوات الأخيرة، ولم تصدق نبوءة - أو ادعاء - صندوق النقد الدولي بقدرة تونس علي «تجاوز تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية بنجاح.. فالآفاق الاقتصادية للاقتصاد التونسي تبعث علي التفاؤل»، ويعود ذلك إلي خلل في بنية الاقتصاد التونسي. فالاقتصاد التونسي يعتمد بصورة رئيسية علي الأسواق الأوروبية التي تستأثر بنحو 80% من صادرات تونس، مما جعل أي ركود في الطلب الأوروبي ينعكس سلبا بصفة آلية علي الاقتصاد التونسي، وأدت الأزمة الاقتصادية العالمية التي عصفت بالدول الأوروبية عام 2009 إلي انكماش الاستثمار في تونس وتراجع الإقبال السياحي الذي يشكل مصدر الدخل الثالث بعد الفوسفات والمكونات الكهربائية والميكانيكية، وانخفاض استهلاك الملبوسات والسيارات، وأفادت إحصاءات رسمية أن الاستثمارات المستحدثة في القطاع الصناعي تراجعت بنسبة 20% خلال الأشهر الثلاثة الأولي من عام 2010 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2009، وتراجعت الاستثمارات الأجنبية في تونس بصفة خاصة بين الفترتين بأكثر من 61%. تشوه التنمية وانعكس هذا التباطؤ في النمو - مع عوامل أخري - في ارتفاع نسب البطالة، خاصة بين خريجي الجامعات، وتقول الإحصاءات الرسمية إن نسبة العاطلين 14% من قوة عمل تقدر ب 3.3 مليون نسمة، إلا أن الخبراء الاقتصاديين يؤكدون أن هذه النسبة تتجاوز 20% في المحافظات الداخلية وتشمل 30% من الشبان في الفئة العمرية ما بين 15 و29 سنة، وتشير إحدي الدراسات إلي ارتفاع البطالة بين خريجي الجامعات من 20% عام 2000 إلي 55% عام 2009 مما دفعهم لتشكيل «اتحاد الخريجين العاطلين»، ويعمل عديد من خريجي الجامعات في قطاع الاقتصاد الموازي مثل بيع الخضار علي العربات وغسيل السيارات الخاصة وورش البناء «مما أفرز متعلمين يقبعون في أسفل السلم الاجتماعي، ولا يتمتعون حتي بالحقوق التي يتمتع بها الباعة الدائمون أو البناءون العاديون». وفي مدينة «سيدي بوزيد» التي انطلقت منها شرارة الانتفاضة، فهناك 25% من الخريجين الذكور و44% من الإناث يعانون من البطالة. العامل الثالث الذي ساهم بقوة في ثورة الشعب التونسي هو الفساد وأباطرة الفساد تنتمي لأربع عائلات.. عائلة بن علي وأبنائه وأصهاره، وعائلة الطرابلسي «زوجة بن علي ليلي الطرابلسي»، وعائلة الماطري صهر بن علي وزوجته ليلي، وعائلة المبروك نسبة إلي مروان المبروك زوج سيرين بن علي، وبينما تركز «عصبة آل بن علي» علي منطقة الوسط الساحلية، تركز «مافيا آل الطرابلسي» حول تونس الكبري، وتقول وثائق «موقع ويكيليكس» علي لسان دبلوماسيين أمريكيين إن «نصف مجتمع المال والأعمال في تونس يرتبط بأسرة بن علي وزوجته ليلي عبر علاقات المصاهرة». و«عصبة بن علي» تشمل زين العابدين بن علي وأبناءه وأصهاره من الزواج الأول، و7 أشقاء وشقيقات متورطون في العديد من قضايا الفساد من بينهم «المرحوم» المنصف - تاجر المخدرات المعروف - الذي حكم عليه في فرنسا غيابيا بعشر سنوات، ولديه أيضا 3 بنات من زوجته الأولي «نعيمة الكافي».. غونه ودرصاف وسيرين متزوجات من سليم زروق وسليم شيبوب ومروان المبروك وكلهم من رجال الأعمال البارزين والمؤثرين والفاسدين. أما آل الطرابلسي، فإضافة إلي ليلي نفسها يسيطر شقيقها بلحسن الطرابلسي علي «مجموعة قرطاح» الاقتصادية والتي تهيمن علي قطاع السياحة والنقل الجدي والخدمات المالية والتأمين وتجارة السيارات وعديد من الفنادق إحدي محطتي الراديو الخاصتين في تونس وتوكيل شركة فورد ومؤسسة استثمار عقاري. وبلحسن هو واحد من إخوة وأخوات عشرة معروفين لليلي، كل واحد منهم له أبناؤه، ومن بين أفراد هذه العائلة الواسعة يعتبر المنصف شقيقها وعماد ابن أخيها بشكل خاص من أهم المتحكمين في الاقتصاد والأعمال في تونس. وآل الماطري وتحديدا «صخر الماطري» يترأس «مجموعة برنسيس الماطري القابضة» وهي تجمع لعدد من الشركات في مجالات الخدمة المصرفية - بما فيها المصارف الإسلامية - وتجارة السيارات والنشر والاتصالات. الأسرة الرابعة هي أسرة المبروك، نسبة إلي رجل الأعمال الثروي «مروان المبروك» وتشمل استثماراته مجموعة مصارف وشركات اتصالات إضافة إلي سلسلة متاجر ضخمة مثل «سوبر ماركت جيان» والذي أحرق خلال أعمال العنف التي تخللت انتفاضة 14 يناير. الشفافية معدومة فلم تكن مصادفة تراجع ترتيب تونس في مؤشر منظمة الشفافية العالمية من 43، عام 2005 إلي 61، عام 2007. لقد تكاتفت هذه العوامل.. الاقتصاد والبطالة والفساد، مع سياسة التعليم ونمو الطبقة الوسطي، مع القمع والاستبداد وانتهاك الحريات العامة وحقوق الإنسان، في انطلاق انتفاضة الشعب التونسي وإزاحة زين العابدين بن علي من السلطة من 14 يناير 2011، لتبدأ تونس أولي الخطوات نحو نظام جديد، يتشكل في الوقت الحاضر، ورغم أن الكثير قد تحقق في الأيام الماضية كالإفراج عن المعتقلين والاعتراف بالأحزاب المحجوبة عن الشرعية والفصل بين الدولة والحزب الحاكم الذي يطالب الشعب التونسي بحله، والإعلان عن اتجاه الحكومة لإلغاء القيود علي الصحافة والإعلام وقانون مكافحة الإرهاب سيء السمعة وقانون الانتخابات.. فمستقبل تونس مازال محلا للجدل والصراع بين الانتفاضة الشعبية واتحاد الشغل التونسي والأحزاب والمجتمع المدني والحكومة المؤقتة والجيش.