فارق كبير بين الامس واليوم فيما يتعلق بالمواقف الاقتصادية العربية.. ففي الوقت الذي تبحث فية الدول العربية عن الوحدة الاقتصادية بغض النظرعن المؤيدين والمعارضين لها الا ان الانحيازات الاقتصادية و"جري" بعض الانظمة العربية الي توقيع اتفاقيات شراكة مع عدد من الدول الغربية مازال يعطل تلك الجهود بل لم يتوقف الامر عند ذلك الحد فهناك تكتلات اقتصادية مصغرة بين بعض الدول العربية مثل الدول الخليجية، وهناك دول اتفاق اغادير والذي يضم في عضويته الاردن ومصر والمغرب علاوة علي الاتفاقيات الثنائية. كل ذلك لم يكن في يوم من الايام عملا مساعدا للتعجيل بتفعيل اتفاق التجارة الحرة او السوق العربية المشتركة.وفي الوقت الذي يلقي فيه اللوم علي الجامعة العربية ومؤسساتها الاقتصادية الا ان الواقع يؤكد ان القيادات السياسية في الدول العربية ليست لديها الارادة السياسية في تحقيق تلك الوحدة .بدليل دخول القطاع الخاص العربي في العملية ومطالبته بان يكون له دور فيما يحدث في العالم العربي وشئونه الاقتصادية.. وفي الحقيقة فان دعوة القطاع الخاص لم تات الا بعد ما تحملته الاقتصادات العربية من خسائر جراء الازمة المالية العالمية والتي وصلت الي 3 تريليونات دولار . فاذا كان القطاع الخاص العربي الآن يبحث عن الملاذ الآمن لاستثماراته في الاسواق العربية وبضمان بعض الحكومات العربية المتعطشة لتلك الاستثمارات الا ان تلك الرغبة قد تصطدم باختلاف التوجهات والانحيازات الاقتصادية للحكومات العربية. قبل اسبوعين تقريبا اجتمع عدد كبير من خبراء الاقتصاد في العالم العربي - اعضاء الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية - بهدف مناقشة تداعيات الاجراءات التي اتخذتها الدول الغربية علي الاقتصاد العربي وبرز خلال المؤتمر دعوات بضرورة معالجة الخلل في الهياكل الادارية في الدول العربية والذي يؤدي الي تعارض بعض المصالح مع اجراءات التكامل العربي والتذرع بما يسمي بالمصالح الوطنية. .ورغم ان الجامعة العربية اتخذت العديد من الاجراءات الا انها مازالت معطلة وتحتاج الي خطوات متتالية منها الاتحاد الجمركي ونامل ان يتم اقراره في قمة شرم الشيخ العام القادم. لكن من المصادفات الغريبة ان يجتمع ثلاثون من اكبررجال القطاع الخاص في العالم العربي وهذه المرة ليس لمناقشة تداعيات الازمة العالمية وتداعياتها علي الاقتصاد العربي، ولكن في اطار الاستعداد للقمة الاقتصادية العربية القادمة في شرم الشيخ هذا الشهر، وكما اعلنوا لابد ان يكون لهم صوت مسموع لدي القادة والزعماء العرب تعبر عن رؤية هذه الشركات .لكن من خلال متابعتي للتجمعين الاقتصاديين - تجمع خبراء الاقتصاد العرب وتجمع رجال الاعمال العرب - وضح ان هناك اختلافا كبيرا في التوجهات والرؤي الاقتصادية .فالتجمع الاول ينظر الي قضية العالم العربي الاقتصادية من منطق استخدام فوائض الاموال في الدول النفطية في دفع حركة الاستثمارات العربية والتجارة البينية ويبدو من مناقشاتهم "حسن النية والتوجه" لكن في المقابل نجد ان تجمع رجال الاعمال العرب لا يهمهم ما يمكن ان نسميه الحلم العربي لان البزنيس لا يعترف بالعواطف ولا بالتضحيات وان مبادرتهم تقوم في الاساس علي ان الحكومات محتاجة الآن الي صوت يشاركها بجدية وفاعلية وان القطاع الخاص يرغب في الافضل. لكن تلاحظ ان ما ذكره بعض الخبراء الاقتصاديين العرب من ان الدول العربية تعاني من التحيزات الايديولوجية الاقتصادية ربما كان صحيحا بدليل انه لم يكن من بين هؤلاء رجال الاعمال لم يكن هناك واحد من الجزائر علي سبيل المثال وهذا ان دل علي شيء فانما يدل علي ان الاعمال العربية الاقتصادية مازالت تتحكم فيها الخلافات السياسية .فاذا ما حدث اتفاق بين رجال الاعمال العرب علي استخدام الفوائض المالية في دفع الاستثمارات البينية العربية ربما كان الموقف السياسي لدولة من الدول مثل الجزائر حائلا بين المشرق العربي والمغرب العربي.. ربما كان للمهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة راي مختلف عندما اكد ان هذه الشركات التي يملكها رجال الاعمال الثلاثون نجحت في العبور بحجم الاستثمارات العربية البينية من 2 مليار دولار الي 20 مليار دولار بل انها تخطت الحكومات في العمل العربي المشترك.. وهنا يعتبر د. منير الحمش الخبير الاقتصادي السوري ورئيس الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية ان اغلب الاقتصاديين العرب اصبحوا علي قناعة بضرورة التكامل العربي وهذا هو التطور الايجابي للازمة الاقتصادية العالمية التي خلقت هذه الروح الجديدة. ويري رجل الاعمال الاماراتي محمد العبار ان مشكلة القطاع الخاص هي انه يرغب في الافضل والآن لنا غيرة علي النظم العربية ونريد المشاركة او علي الاقل ابداء الراي .في حين يقول عبدالرحمن الزامل ان القطاع الخاص هو المحرك الرئيسي لقطاع التشغيل وعلي الحكومات الآن ان تقدم برامج التمويل علي الاقل ونريد حرية العمل للشركات في عدة دول عربية. واعتبر حسين الشبوكشي رجل الاعمال السعودي انه لابد من شراكة بين القطاعين العام والخاص في هذا التوقيت الا ان نجيب ساويرس رجل الاعمال المصري قال ان مبادرة رجال الاعمال طموح ونحن ندرك صعوبة العمل العربي الجماعي ويكفي اننا نستطيع ان ننجح فيما فشل فيه السياسيون.