اذا كسبت أمريكا علاقات جيدة مع مصربالذات فانها – أي أمريكا – تدق طبول الفرح وتعتبر هذا دليلا على صحة سياساتها تجاه العالم كله ، او ربما تجاه العالم الثالث بوجه خاص. أما اذا خسرت أمريكا مصر ونشبت بينهما مشكلات – حتى لو كانت صغيرة غير ذات تأثير كبير على علاقاتهما – فان أمريكا عندئذ لا تهتم وتعتبر ان الموقف كما تعكسه هذه العلاقات سليم ويدل على صحة السياسة الأمريكية. وغالبا ما ينعكس هذا على دول العالم ، أو على دول العالم الثالث ، على الاقل تلك الدول التي تمثل أهمية سياسية او استراتيجية او اقتصادية للمصالح الأمريكية . واذا اردنا الصراحة والموضوعية فان الوضع الراهن للعلاقات بين الولاياتالمتحدة ومصر يشوبه الغموض بحيث لا يمكن الجزم بما اذا كانت العلاقات بينهما جيدة أو سيئة ، خاصة منذ ان اتخذت مصر قرارها الحاسم والقاطع بان تتجه الى روسيا الاتحادية لشراء السلاح كنتيجة لرفض الولاياتالمتحدة الاستجابة لطلب مصري من هذا القبيل . لقد بذلت الولاياتالمتحدة جهدا واضحا لكي تبقي هذه الازمة في اطار محتمل فلا تبدو أزمة كبيرة ، وبدا ان الولاياتالمتحدة تقدر بشكل خاص استمرار العلاقات مع مصر في اطار هادئ في الظروف الراهنة التي تمر بها مصر . ولكن الحقيقة – في وجهها الآخر – بدت من الجانب المصري أيضا تعكس حرصا من هذا الجانب على ابقاء العلاقات المصرية-الأمريكية في مستوى يرتفع عن مستوى الصدام او حتى مستوى الخلاف . بل ان الولاياتالمتحدة اهتمت بان تشرح وجهة نظرها بشكل ايجابي بشأن الاضطرابات التي تسبب فيها نشاط عنيف من جانب الاخوان في مصر. وصحيح ان الخارجية الأمريكية لم تعن باصدار بيان في هذا الشأن وانما اصدرت السفارة الأمريكية في القاهرة بيانا نددت فيه بعنف الاخوان . والامر المؤكد ان السفارة الأمريكية في مصر لم تكن لتصدر مثل هذا البيان الا بالرجوع الى الخارجية الأمريكية في واشنطن. ومعنى هذا ان الولاياتالمتحدة – سواء مثلتها الخارجية او مثلتها السفارة في القاهرة تريد ان تحافظ على الحالة الراهنة للعلاقات المصرية-الأمريكية وان تحول دون ترديها . كذلك فان الجانب الأمريكي أظهر اهتماما بان يعلن ان الولاياتالمتحدة تنوي ان تعيد طائرات الاباتشي المملوكة لمصر والتي ارسلت الى الولاياتالمتحدة لاصلاح أعطال فيها. مع ذلك فان الولاياتالمتحدة ابدت موقفا مغايرا حينما امتنعت حتى الان ، ومنذ بداية أحداث مصر في 30 يونيو الماضي ، عن اتخاذ موقف صريح من استمرار او قطع المساعدات الأمريكية السنوية لمصر . وصحيح ان مصر لم تبد اهتماما بهذا الامر ولكن من المؤكد ان حسابات العلاقات المصرية-الأمريكية تتضمن بشكل خاص الوزن الذي تمثله هذه المساعدات المالية الأمريكية. ولابد من القول هنا ان مصر تنتظر وتتوقع ان تتخذ أمريكا قرارا بهذا الشأن خلال وقت قصير ، خاصة في ضوء حصول مصر على معونات مالية اضخم كثيرا من السعودية والكويت . وأغلب الظن ان واشنطن ستتخذ قرارا في هذا الشأن يوقف المساعدة المالية الأمريكية لمصر . ذلك ان نية اتخاذ هذا القرار من الجانب الأمريكي ماثلة منذ وقت غير قصير ، وقت يسبق أحداث مصر الاخيرة من بدايتها اي منذ انطلاق ثورة 25 يناير 2011. أكثر من ثنائية والامر الذي يجب ان يكون واضحا بشأن العلاقات المصرية- الأمريكية هو ان علاقات مصر وأمريكا ليست دائما ثنائية خالصة . بمعنى ان لهذه العلاقات تاثيرها وتأثرها في وقت واحد بعلاقات اخرى . وعلى سبيل المثال فان العلاقات المصرية-الأمريكية تتأثر بشكل خاص بالعلاقات المصرية-السعودية وبالعلاقات الأمريكية-السعودية. واذا لاحظنا ان الولاياتالمتحدة اهتمت بتأكيد وتقوية علاقاتها مع السعودية مؤخرا الى حد ارسال الرئيس الأمريكي باراك أوباما شخصيا الى المملكة في زيارة استغرقت يومين ، فلا بد ان نعي ان حرص الولاياتالمتحدة على علاقاتها مع المملكة العربية السعودية ستكون له انعكاساته على العلاقات الأمريكية-العربية بشكل عام . ولابد ان يكون الرئيس الأمريكي قد تناول في محادثاته في السعودية مع الملك السعودي العلاقات الأمريكية-المصرية أخذا في الاعتبار حقيقة التقارب بين السعودية ومصر في الاشهر الاخيرة. وقد نسب الى مسئول أمريكي رفيع المستوى ان الرئيس الأمريكي طمأن العاهل السعودي الى ان الولاياتالمتحدة لن تقدم على ابرام اتفاق سيء مع طهران ، وأضاف ان اللقاء بين الملك السعودي والرئيس الأمريكي شهد خلافا في وجهات النظر بشأن الموقف من الحكومة المؤقتة في مصر. كما أكد المسئول الأمريكي ان اوباما حاول تبديد مخاوف السعوديين من ان واشنطن تتخلى تدريجيا عن منطقة الشرق الاوسط وانها لم تعد تستمع الى ما يقوله حلفاؤها القدامى. وحسب ما قاله هذا المسئول فان اوباما لم يتطرق الى مسألة حقوق الانسان في المملكة . ويجدر بالذكر في هذا المجال ان السعودية توصف في الصحافة الأمريكية بل وفي النشرات الرسمية بانها من أهم الشركاء الاقتصاديين لأمريكا في الشرق الاوسط اذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في عام 2013 نحو 75 مليار دولار منها 53,1مليارا قيمة صادرات السعودية الى أمريكا و 22,1 مليارا واردات المملكة منها. وفي سياق مختلف فان المصادر الأمريكية اكدت ان اوباما دافع عن قراره عدم توجيه ضربة عسكرية الى النظام السوري مؤكدا ان قدرات الولاياتالمتحدة في هذا الصدد لها حدودها. وكانت هيئة حقوق الانسان السعودية قد اكدت قبيل بدء زيارة الرئيس اوباما ان المملكة لا تحتاج الى احد لدعم حقوق الانسان فيها ، وأضافت «ان الاشادات الدولية اشارت الى التطورات الايجابية في المملكة في مجال حقوق الانسان وتنفي الدعاوى التي تخلط بين القضايا السياسية وحقوق الانسان «. تناقضات أمريكا ويبدو ان الولاياتالمتحدة غير معنية بما يظهر من تناقض في سياساتها تجاه مصر وتأثيرات هذا التناقض على علاقات أمريكا بالدول العربية الاخرى. ففي الوقت الذي اعلنت فيه الولاياتالمتحدة شجبها للعنف الاخواني في مصر في الايام الاخيرة ، فان السفارة الأمريكية في القاهرة لم تتردد في ان توجه تحذيرا الى رعاياها قالت فيه انها تعتبر ان اعلان عبد الفتاح السيسي ترشحه لرئاسة مصر»يؤثر على الاوضاع الامنية» ، ودعت السفارة الرعايا الأمريكيين لان يتوخوا الحذر خلال ايام الاسبوع .ولفتت السفارة الانتباه الى ان جماعة الاخوان بقيادة التحالف الوطني لدعم الشرعية اعربت عن معارضتها القوية للسيسي وعن تشجيع انصارها للاحتجاج وما اسمته استكمال الثورة .ونصحت المواطنين الأمريكيين بمراقبة الاحداث عن كثب والتدقيق في طبيعة حركات الاخوان مع اقتراب نهاية الاسبوع ، مشددة على ضرورة الانتباه خاصة الى اماكن تجمع الحشود مثل مراكز التسويق والمطاعم .وأشارت السفارة الى اندلاع أعمال عنف في الجامعات وامتداد بعضها احيانا الى المجتمعات المحيطة . وشددت على ضرورة تجنب السير او القيادة خلال اي تجمع وتجنب التنقل حولها . وتابعت قائلة «ان من المستحيل مغادرة اي مكان تحدث فيه مظاهرة باسرع ما يمكن حيث يتم استخدام الاسلحة النارية من جانب المتظاهرين وضدهم». السيسى هو الموضوع بعيدا عن هذه النقاط الجزئية التي ركزت عليها الصحافة المصرية والأمريكية على السواء فان الصحافة الأمريكية أفردت مساحات واسعة على غير العادة للحديث عن السيسي كمرشح للرئاسة المصرية . وفي هذا الصدد قالت صحيفة «نيويورك تايمز» ان انتخاب السيسي سيكون بمثابة «صبغة رسمية لسلطته الفعلية.» وقالت صحيفة «واشنطن بوست» ان فوز السيسي سيكون بمثابة تحد جديد لأمريكا «. وأضافت ان «غالبية المصريين يرون السيسي زعيما لا يقهر وقادرا على حل العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الضخمة التي تواجه مصر منذ ثورة 25 يناير «. ووصفت صحيفة «وول ستريت جورنال» السيسي بانه « الرمز القوي الوحيد الذي يستطيع توفير الاستقرار بعد ثلاث سنوات من الاضطرابات السياسية والاقتصادية.» يبقى ان نرصد الصحافة الأمريكية في تقييمها لاداء الرئيس السيسي بعد شهور قليلة . فان هذا سيكون تقييم الحكومة الأمريكية لاداء السيسي أكثر منه تأييد الشعب الأمريكي.