واجه الشعب المصري عشية احتفاله بمرور ثلاثة أعوام علي ثورته في 25 يناير 2011 وخلال الاحتفال، موجة من الأعمال الإرهابية والصدامات بين المواطنين والشرطة من ناحية ومتظاهري جماعة الإخوان الإرهابية المسلحين بالبنادق الآلية وخرطوش وطلقات نارية وزجاجات مولوتوف من ناحية أخري. وطبقا للبيانات الرسمية فقد أدي تفجير سيارة مفخخة أمام مديرية أمن القاهرة يوم الجمعة الماضي إلي تحطيم واجهة المبني وجزء كبير من الداخل، وتحطيم واجهة متحف الفن الإسلامي المقابل لمبني المديرية وإتلاف عدد كبير من مقتنياته التي لا تقدر بثمن، وكذلك إتلاف وثائق تاريخية في دار الكتب والوثائق، وسقوط 4 قتلي و76 مصابا. وبلغت حصيلة اشتباكات وتظاهرات يوم الجمعة 24 يناير 8 وفيات و59 مصابا في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية ودمياط وبني سويف والشرقية والفيوم، والبحيرة والمنيا والإسماعيلية. وفي يوم السبت 25 يناير ارتفعت حصيلة التظاهرات إلي 29 قتيلا و167 مصابا في القاهرة والجيزة والإسكندرية والمنيا والفيوم والإسماعيلية وبني سويف وأسيوط. وأعلنت "جماعة أنصار بيت المقدس" الذراع العسكري لجماعة الإخوان مسئوليتها عن إسقاط مروحية عسكرية في سيناء، وكذلك التفجير الذي وقع أمام قسم الطالبية والتفجير أمام محطة مترو البحوث. وهذه الموجة الإرهابية هي استمرار لموجات سابقة منذ ثورة الشعب في 30 يونيو وانضمام القوات المسلحة للثورة في 3 يوليو وإسقاط حكم جماعة الإخوان ومحمد مرسي، وتحولت جماعة "الإخوان" بصورة كاملة إلي تنظيم إرهابي بعد أن فقدت أي سند أو تأييد جماهيري، وفشلت في تحقيق هدفها – وهدف التنظيم الدولي للإخوان المدعوم من الولاياتالمتحدة وتركيا وقطر – في هدم الدولة المصرية واستهداف القوات المسلحة والشرطة وتفكيكهما، لتأسيس دولة الخلافة! ويخطئ من يظن أن هذا التحول للإرهاب من قبل جماعة الإخوان أمر طارئ أو رد فعل وقتي لهزيمتها وعزلتها، فالإرهاب جزء أساسي من عقيدتها. يكفي قراءة أبحاث ودراسات المتخصصين في فكر وممارسات جماعة الإخوان ومؤسسها "حسن البنا" وكذلك المنظمات التي خرجت من معطف الجماعة مثل الجهاد والجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة وغيرها، لتدرك أن الإرهاب هو جوهر عقيدتهم. لقد نشأت جماعة الإخوان عام 1928 بالإسماعيلية علي يد "حسن البنا"، ثم انتقلت للقاهرة عام 1938، وأعلنت منذ البداية رفضها للديمقراطية والدستور والنظام النيابي والأحزاب السياسية باعتبار أن دستور الأمة هو القرآن رافعة شعارها المعروف "القرآن دستورنا، والرسول زعيمنا، والموت في سبيل الله أسمي أمانينا" ورسم المصحف والسيفين، وفي رسالة البنا "المرشد العام" إلي ملوك وأمراء وحكومات البلاد الإسلامية والتي تضمنت خمسين مطلبا تضمن رفض الأحزاب السياسية "باعتبارها نتاج أنظمة مستوردة لا تتلاءم مع البيئة المصرية" ورفع شعار "لا حزبية في الإسلام". وتحالف البنا وجماعته مع القصر معلنا أن الولاء والأمل في "ملك مصر المسلم"، واحتضن القصر الملكي والملك فاروق الإخوان لمواجهة الحركة الوطنية ممثلة في الوفد حينذاك. وشكل الإخوان "الجهاز السري" عام 1943 تحت السلطة المباشرة للمرشد العام "حسن البنا"، وبدأ نشاطه باغتيال القاضي "أحمد الخازندار" لإصداره حكما قضائيا ضد إخواني، وفي يونيو من نفس العام قام الجهاز السري بحرق منازل وحال اليهود المصريين وبعد ثورة 23 يوليو 1952 قام الجهاز السري بمحاولة اغتيال جمال عبدالناصر في ميدان المنشية في 26 أكتوبر 1954. وتوالت العمليات الإرهابية تحت مسميات أخري، مثل "منظمة التحرير الإسلامي" بزعامة صالح سرية التي اقتحمت الكلية الفنية العسكرية في 18 أبريل 1974، وجماعة "التكفير والهجرة" التي اختطفت الشيخ محمد الذهبي في 3 يوليو 1977 وقتلته، وتنظيم الجهاد الذي أفتي زعيمه الشيخ عمر عبدالرحمن بجواز قتل الأقباط لتمويل وتقوية التنظيم، واغتيال الجهاد والجماعة الإسلامية للرئيس السادات في 6 أكتوبر 1981 والهجوم علي مديرية أمن أسيوط وقتل 68 من الضابط والجنود في 8 أكتوبر. وفي التسعينيات وقع الهجوم علي أتوبيس السياح الإسرائيليين في 4 فبراير 1990 وقتل 9 وإصابة 16، واغتيال رفعت المحجوب في 12 أكتوبر 1990، ثم مذبحة الدير البحري بالأقصر ضد السياح ومقتل 6 وإصابة 26، ولكن الحوادث الأبرز كانت الجرائم ضد المصريين الأقباط، بدءا بمذبحة قرية المنشية في أسيوط، وقتل 4 أقباط ونهب وسرقة محلاتهم وحرق منازلهم بمركز طما عام 1992، والاعتداء علي دير العذراء مريم بالقوصية وقتل 5 رهبان عام 1994، واعتداء كفر دميانة (1996)، وقتل 9 أقباط أمام كنيسة مار جرجس بقرية الفكرية بأبوقرقاص (1997) ثم قتل 13 قبطيا وإصابة 6 بجراح في عزبة كامل التابعة لقرية بهجورة مركز نجع حمادي، ومذبحة عزبة داود بنجع حمادي في نفس العام، ومذبحة الكشح الأولي في سوهاج عام 1998، واستمرار استهداف الأقباط في الألفية الجديدة بدءا بالكشح الثابتة عام 2000 وقتل وحرق 22 مواطنا مصريا مسيحيا ونهب ممتلكاتهم، والهجوم المسلح علي قرية جزرا "العياط" عام 2003، وأحداث الإسكندرية ومحرم بك والاعتداء علي الكنائس، وعلي محلات ومنازل الأقباط بقرية كفر سلامة إبراهيم وكنيسة أبي سيفين "منيا القمح" عام 2005، وتكرار الاعتداء علي كنائس الإسكندرية عام 2006 وأحداث أبنوب وقوص وكفر سلامة ونجع حمادي والمنيا ودير مواس، وتدمير منازل ومتاجر الأقباط بقرية مها بالعياط والهجوم علي كنيسة العذراء بالدخيلة وأحداث قرية أبوطوق بسوهاج ودير مواس وامبابة عام 2007، والاعتداء علي المسيحيين بعد صلاة العيد في عدة كنائس مختلفة عام 2009 و.. و.. وصولا إلي جريمة كنيسة القديسين بالإسكندرية في 1 يناير 2011. وإلي جانب استهداف الأقباط وقعت جرائم إرهابية في سيناء ضد فنادق أبرزها فندق هيلتون بطابا في 7 أكتوبر 2004، وهجمات شرم الشيخ، ومذبحة نجع حمادي. وفي ضوء الأوضاع السياسية الحالية فعلينا أن نتوقع استمرار العمليات الإرهابية – وربما تصاعدها – خلال الفترة القادمة الحاسمة التي تشهد انتخابات الرئاسة وانتخابات مجلس النواب، فقد أصبح الإخوان وحلفاؤهم المحليون والخارجين يشعرون أن "ظهرهم للحيط" وأنهم تلقوا ضربات أمنية وسياسية قاضية، ويلجأون للعمليات الإرهابية، سواء التفجيرات أو المظاهرات المسلحة أو محاولات الاغتيال، في محاولة يائسة للبقاء ومحاولة العودة للساحة السياسية، ولكن المواجهة الأمنية والتطورات السياسية تقطع بفشلهم وهزيمتهم. ولا يغني ذلك عن ضرورة النظر إلي الظاهرة الإرهابية نظرة شاملة فكما أكد الدستور في مادته 237 فلابد من مواجهة الإرهاب "بكافة صوره وأشكاله وتعقب مصادر تمويله" واجتثاث أسبابه، سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية.