6 أكتوبر و24 أكتوبر 1973 تواريخ حُفرت في ذاكرة جيلي، وستظل محفورة في ذاكرة الأجيال، مضي الآن أربعون عاما، ومازالت ذكريات تلك الأيام محفورة في الوجدان عصية علي النسيان، دعونا ندير شريط الذكريات ونتأمل ما فات، الثانية بعد ظهر السبت 6 أكتوبر 1973 بتوقيت القاهرة، الثامنة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأمريكا. كنا نتأهب للذهاب إلي جامعاتنا في شرق كندا وأمريكا، فجأة دوي صوت المذياع بالنبأ العاجل: الجيش المصري يعبر قناة السويس! نسينا الدراسة والمحاضرات، وتذكرنا الوطن، لم نذهب إلي الجامعة، اجتمعنا في منزلي نتابع الأخبار، كان القلق شديدا، إلي أن رأينا تقريرا مصورا ومراسل محطة التليفزيون يؤكد أن مرور الدبابات والعربات المصرية علي الكباري عبر قناة السويس يشبه المرور في فيفث أفينيو، أهم شارع تجاري في مدينة نيويورك، بدأ الخوف يتراجع، وقررنا الخروج في مسيرة في شوارع هاملتون نرفع العلم المصري ونردد: بلادي.. بلادي.. بلادي.. لك حبي وفؤادي، لازلت أذكر زميلتنا مايسة، وكانت حاملا في شهرها التاسع وهي تهتف بأعلي صوتها، قلت لعل مولودها المرتقب بشارة النصر. 24 أكتوبر 1973 كان يوما أطول من ألف يوم، وقتها، أعلنت إسرائيل أن جولدا مائير «رئيسة وزرائها آنذاك» في طريقها إلي مدينة السويس لتتسلم مفتاح المدينة من المحافظ، أتذكر أننا كنا نقضي نهاية الأسبوع مع أصدقاء في خيمة وسط الغابات، ليلتها لم نذق للنوم طعما، إلي أن حملت لنا الإذاعات نبأ تصدي شعب السويس الباسل وقواتها المسلحة للهجوم الإسرائيلي، واستحال علي جولدا مائير أن تدنس التراب المصري الطاهر في السويس، حقا، ما أروع المقاومة الشعبية علي أنغام السمسمية، فتحية للسويس وشعبها البطل مني ومن كل مصري ومصرية، وأصبح 24 أكتوبر هو عيد السويس. واليوم، وبعد أربعين عاما، تحارب القوات المصرية جيشا وشرطة معارك ضارية في سيناء، لكن هذه المرة ليست ضد عدونا التاريخي، بل ضد تجار الدين من أنصار مرسي وجماعته بل إن الأمر تجاوز سيناء إلي الوادي والدلتا، وها هم الشهداء الأبرار يسقطون كل يوم: في العريش والشيخ زويد ووسط سيناء. لكن مصر التي أرادوا سرقتها تستحق منا كل هذه التضحيات، بل وأكثر، لكي تعود كما كانت دائما لكل المصريين، وللأجيال الجديدة من المصريين أقول: أنتم مستقبل مصر، فتعلموا أن أكتوبر يعني ما هو أكثر من الجغرافيا أي كوبري أكتوبر، أنه يعني التاريخ، فاستوعبوا تاريخ بلادكم وأخرجوا يوم 6 أكتوبر لوضع أكاليل الزهور علي قبور شهداء الوطن. حكمة اليوم: مصر يامّا يا بهية، يامو طرحة وجلبية الزمن شاب وانت شابة، هو رايح وانت جاية.