يبدو أن العراق لن يهدأ أبدا، علي الأقل في القريب العاجل، فما يكاد ينتهي من صراع عنيف وحرب مدمرة حتي يقع في صراع آخر حتي ولو لم تستخدم فيه الأسلحة والرصاص! الأزمة الحالية والمتصلة في العراق الخاصة بتعذر تشكيل حكومة جديدة علي الرغم من انتهاء الانتخابات في 7 مارس الماضي، أضيفت إليها أزمة جديدة، عبر إذاعة موقع «ويكليكس» وثائق سرية جديدة خاصة بحرب العراق، أظهرت تورط حكومة المالكي في أعمال التعذيب والقتل التي نالت المواطنين العراقيين.، وأن الولاياتالمتحدة كانت علي علم بأعمال التعذيب هذه لكنها أمرت جنودها بعدم التدخل. كما كشفت الوثائق عن مقتل مئات المدنيين العراقيين عند حواجز تسيطر عليها القوات الأمريكية، وأن عدد القتلي المدنيين العراقيين يفوق بكثير ما هو معلن، إضافة إلي اتهامات بتورط نوري المالكي في إدارة فرق الاغتيال والرعب أيام رئاسته للحكومة الأولي. وأهم ما يلفت الانتباه هو توقيت تلك الاتهامات، حيث تم تفجيرها في وقت يقوم فيه المالكي بجولة عربية شملت مصر والجامعة العربية والمملكة السعودية وتركيا وسوريا والأردن، وذلك بعد زيارة منذ عدة أسابيع لإيران، حيث يحاول المالكي البحث عن تأييد ودعم دول الجوار للحكومة الجديدة التي يحاول هو تشكيلها استنادا إلي تحالف يضم معظم القوي الشيعية مستندا إلي دعم إيراني بالأساس. وفي الوقت الذي أكد فيه المالكي في القاهرة قرب تشكيل الحكومة الجديدة، فإن تسريبات موقع «ويكليكس» وجهت ضربة قوية لجهوده تلك، خاصة أنها فتحت من جديد ملف جرائم الاحتلال الأمريكي للعراق وتورط حكومة المالكي في المشاركة والتكتم علي الدور الأمريكي. وهذا ما أكده عبدالهادي الحسافي عضو ائتلاف دولة القانون الذي يقوده المالكي ردا علي تلك الاتهامات بقوله: أهل مكة أدري بشعابها، والشعب العراقي واع لما يحدث في العراق، وهناك محاولات للتشويش علي الطرفين ومحاولة لتأجيج الطائفية والتأثير علي نجاحات نوري المالكي، وأنها حرب علي العراق ولتمزيق المشروع الذي يقوم به المالكي لضمان وحدة العراق، وترسم الوثائق صورا للمالكي باعتباره طائفيا منحازا بالقوة إلي طائفته الشيعية علي حساب مواطنيه السنة، كما تقدم هذه الوثائق وفقا لتعبير صحيفة الشرق الأوسط «وجها خفيا للمالكي وهو يقود فرق الرعب». الدور الإيراني ولم تغب إيران عن الاتهامات حيث تكشف الوثائق أن إيران كانت حاضرة في المشهد العراقي ولكن علي نحو سري عبر تهريب السلاح لإمداد الأحزاب والمنظمات الشيعية التابعة لها وخصوصا جيش المهدي بقيادة مقتدي الصدر ومنظمة بدر التي كانت الجناح العسكري للمجلس الإسلامي العراقي الأعلي بقيادة عائلة الحكيم، قبل أن تتحول هذه المنظمة إلي تنظيم سياسي وفق ما هو معلن. وتذكر الوثائق أسماء عملاء تقول إنهم ضباط مخابرات إيرانيون كانوا يعملون بشكل يومي في العراق وأن بعضهم متورط في شن هجمات بالصواريخ علي المنطقة الخضراء، علاوة علي إقامة نقاط تفتيش مشتركة في المناطق الشيعية يشرف عليها عناصر أمن إيرانيون بوجود عناصر من جيش المهدي ومنظمة بدر. ضربة للولايات المتحدة كما يشكل نشر الوثائق التي تصل إلي 400 ألف ضربة لجهود المالكي وتحالفه لتشكيل حكومة جديدة، فإنها أيضا وكما اعترفت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تشكل ضربا لجهود وسمعة الولاياتالمتحدة ومصالحها في العراق، واعترف قائد حلف الناتو «فوج راسموسن» أن كشف هذه الوثائق سيخلق وضعا غير مريح، وقال متحدث باسم البنتاجون إن الوثائق المسروقة ستضع حياة الجنود الأمريكيين في خطر. أخطر من بن لادن وفي ضوء استمرار موقع «وكيليكس» كذلك أعادت الوثائق طرح مئات الأسئلة حول أساس الحرب علي العراق وأفغانستان في ضوء الاختراقات والتحالفات غير المشروعة كالتي نمت بين قيادات في الجيش والحكم الأفغاني مع قيادات حركة طالبان، وهو ما تكرر بنفس الصورة في باكستان، وهو ما يكشف عن مزيد من التخبط وانعدام وجود استراتيجية موحدة وثابتة للولايات المتحدة، التي أصبحت تواجه في موقع «ويكليكس» عدوا أخطر من أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، فقد أحدث نشر تلك الوثائق أضرارا هائلة لسياسة الولاياتالمتحدة وسمعتها وخطابها المعلن للعالم، وما حدث للمالكي في العراق هو مجرد ضربة بسيطة في هذا الإطار قد تؤثر علي فرصته في تشكيل الحكومة الجديدة رغم أنه لم يفز بالأغلبية، التي حققها الائتلاف الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي. وقد يكون المخرج هو تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة التحالفين الكبيرين في ظل تأييد الائتلاف الكردي (57 مقعدا) هذا التوجه وإلي الآن فإن تحالف المالكي مع الصدر قد ضمن له أصوات 135 نائبا في البرلمان، بينما تحالف المالكي مع الحكيم يضمن أصوات 127 نائبا، وهو ما يشير إلي أهمية حسم التحالف الكردي لموقفه، حيث تتطلب جلسة البرلمان موافقة 216 نائبا من إجمالي 325 لانتخاب رئيس الجمهورية بغالبية الثلثين علي أن يسبق ذلك انتخاب رئيس البرلمان بغالبية النصف زائد واحد، وبالتالي سيكون علي رئيس الجمهورية اختيار رئيس الوزراء. وهذا النظام من شأنه إجبار التحالفات المختلفة علي عقد صفقات تشمل الرئاسات الثلاثة والمناصب الوزارية دفعة واحدة، حتي ولو علي حسب التغطية علي الجرائم التي كشفها «وكيلكس».