لماذا يصر الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» علي توجيه ضربة عسكرية قوية إلي سوريا، يؤكد انها «عقابية» ولا تستهدف إزاحة نظام الرئيس بشار الأسد؟! العديد من المحللين والمعلقين السياسيين في أوروبا والولاياتالمتحدة أجمعوا علي أن مثل هذه الضربة من شأنها أن تعزز مكانة الأسد في سوريا، ذلك أن قراءة الاوضاع المحلية والاقليمية والدولية تشير إلي وجود معارضة كبيرة لأي ضربات أمريكية علي سوريا ويتوقع ان تنتقل المعارضة التي اشتعلت في أوروبا وبلغت ذروتها برفض هائل من مجلس العموم البريطاني للمشاركة في الضربات العسكرية إلي الولاياتالمتحدة نفسها لدي انعقاد الكونجرس في 9 سبتمبر بعد عودته من إجازته الصيفية. التفويض أوباما الذي يبحث عن تفويض من الكونجرس ومن مجلس الأمن للقيام بتلك الضربات، يعاني بشدة من غياب أي مظلة للشرعية ومحاولته العمل خارج نطاق تلك الشرعية سيقوض الكثير من ثوابت النظام العالمي الحالي، وسيكون ذلك إيذانا بانفجار حرب باردة جديدة في ظل الرفض الروسي – الصيني علي وجه الخصوص لمثل تلك الهجمات، التي لا تستند إلي أي أدلة قاطعة، خاصة ان تقرير الخبراء الدوليين الذين قاموا بجمع عينات من المناطق التي تعرضت للكيماوي لن يظهر إلا بعد عدة أيام أخري قد تمتد إلي اسبوعين. وقدمت موسكو من خلال دبلوماسييها في واشنطن أدلة تشير إلي أن بعض فصائل المعارضة اطلقت صاروخا محملا بمواد سامة، بهدف الادعاء بأن النظام السوري هو الذي استخدم هذه الاسلحة الكيميائية المحظورة من أجل استدعاء التدخل الدولي، وسبق للمدعية الدولية السابقة ومفوضة الاممالمتحدة الحالية في سوريا (كارلا ديل) أن توصلت الي نتائج مماثلة وتم تقديمها الي مجلس الأمن الدولي. ومن المؤكد أن معركة دبلوماسية حامية سيشهدها مجلس الأمن في أول جلسة خاصة بالموقف السوري إذ اصبح في يد روسيا مجموعة هائلة من الوثائق والصور تثبت تورط أجهزة مخابرات دولية غربية وعربية (أمريكا، وفرنسا، بريطانيا، تركيا، قطر) في القيام بمذابح ضد المدنيين بهدف احداث حالة مستمرة من الفزع والرعب، وأن عمليات التنظيمات المقاتلة المختلفة هي التي تتسبب في زيادة اعداد اللاجئين إلي الدول المجاورة، وان الضربات الامريكية من شأنها زيادة عمليات الهرب، والهدف احداث خلخلة للتوازن الطائفي المذهبي في سوريا، تمهيدا لتقسيمها إذا ما استحال اسقاط نظام بشار. مفتي الناتو وفي هذا الإطار يأتي تحريض «يوسف القرضاوي» الذي أصبح معروفا اعلاميا باسم مفتي الناتو للولايات المتحدة وحلف الناتو لضرب النظام السوري وتدمير قواعده في سيناريو مكرر لما قام به اثناء الحرب في ليبيا والتي اعطاها ثوبا جهاديا دينيا وهو ما يقوم بفعله الآن ضد حزب الله (الشيعي) ولنصرة «السنة» ضد العلويين القتلة كما يقول ليل نهار. ومن المؤكد أن العالم العربي والاسلامي قد تعلم كثيرا من دروس الحروب الامريكية وغزوات الناتو في افغانستان والعراق وليبيا ولم تجد فتاوي (القرضاوي) سوي الرفض والاستهجان من جانب الشعوب العربية ولم يجاهر أي نظام بدعم اعتداء أمريكي علي سوريا علي الرغم من مشاركة قطر والسعودية في دعم العديد من الفصائل التي تقاتل ضد نظام بشار الأسد. حتي اسرائيل حتي اسرائيل التي تراقب بسعادة غامرة تفتت الجيوش العربية واحدا وراء الآخر، ولم ينج من هذا المصير سوي الجيش المصري، فإنها تدرك ان ضربة عسكرية (اخلاقية) لن تضعف نظام بشار وانما ستقويه، فإذا كانت الحرب في الداخل يمكن وصفها بأنها أهلية رغم مشاركة مقاتلين متعددي الجنسيات فيها للجهاد في سوريا، فإن ضربات أمريكية هي اعتداء علي السيادة وعلي الوطن وعلي الشعب وتدمير كامل لبلد وجد نفسه مستهدفا من اطراف محلية ودولية ولاهداف مختلفة. والنظام السوري الذي أدمن (الصبر الاستراتيجي) في مواجهة اسرائيل وتحمل الكثير من الضربات أشهرها تدمير المفاعل النووي في دير الزور، واستمرار احتلال الجولان من عام 1967 إلي الآن قد يجد الفرصة الملائمة لاستخدام ترسانة الاسلحة التي كرسها في توجيه ضربات قوية لاسرائيل نفسها، ما دامت هذه الاسلحة ستدمر من خلال ضربات امريكية أو غزو لحلف الناتو في مرحلة تالية. باختصار يري محللون اسرائيليون أن هناك مخاطر من دفع الاسد الي خط النهاية وهو خط الانتحار إذ لن يهرب الاسد مثلما هرب صدام حسين وعثروا عليه في حفرة إلي أن تم شنقه صبيحة عيد الأضحي. ومثلما حدث مع معمر القذافي الذي تم قتله بوحشية بالغة ولن يستقيل أو يهرب مثلما فعل مبارك وبن علي وعلي صالح علي إثر ثورات شعبية، إذ آثر الاستمرار في المقاومة واثبتت كثير من التطورات في دول «الربيع العربي» ان البدائل تتراوح ما بين الحروب الاهلية والقومي وانظمة فاشية دينية وتدرك اسرائيل وحدها فيما يبدو أن البديل لنظام الأسد، انظمة تكفيرية تحكم سوريا المقسمة، واطلاق كل عناصر الانتقام في المنطقة من حزب الله إلي كتائب مسلحة من بقايا الجيش السوري تعمل ضد اسرائيل التي ستجد جحيما الي جوارها اسوأ وأخطر من جحيم افغانستان والعراق وليبيا. تغيير موازين القوي ويدرك الكثير من المعلقين ان تفجير موازين القوي في سوريا سيدفع النظام إلي مزيد من الشراسة وهو يقوم بذلك بالفعل فمحاولة السيطرة علي «غوطة» دمشق يعني خطا احمر نهائيا فدمشق لاتزال آمنة حتي الآن ولكن نقل الحرب اليها يعني مزيدا من الشراسة وقد يكون الثمن تفجير المنطقة كلها بداية من تركيا والاردن وصولا الي العراق المتفجر اصلا الي لبنان واسرائيل. الحل السياسي يبقي ان يؤدي مشهد التهديد بالضربات الامريكية والدفع إلي حافة الهاوية إلي تليين مواقف مختلف الاطراف وخاصة النظام السوري قبيل انعقاد مؤتمر جنيف 2 في نهاية هذا الشهر وهنا تلعب السياسة الروسية دورا مهما لم تمارسه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في محاولة انقاذ آخر حلفائها في الشرق الاوسط. فموسكو لن تسمح بأن يكون مصير سوريا مثل مصير ليبيا وكان للقيادة الروسية بعد نظر فيما يتعلق بمصير الربيع العربي وهي لن تنتظر استيلاء تنظيمات تكفيرية جهادية علي سوريا ومن ثم تمتد الموجة الي حدودها ويعود ثوار الشيشان للعمل بقوة من جديد. وبالتالي فقد يكون الدفع بالأزمة إلي هذا الحد مقدمة لتفاهم سياسي يؤدي إلي احداث انفراجة للصراع في سوريا تقوم علي إجراء انتخابات العام القادم بعد نهاية فترة حكم الاسد في ابريل بحيث لا يترشح، ويتم التوصل الي صيغة تنقذ سوريا من السقوط في يد القاعدة والجماعات التكفيرية، والمؤكد انه في ذلك مصلحة استراتيجية لاسرائيل والولاياتالمتحدة وأوروبا وروسيا وحتي إذا حدثت الضربة التجميلية فإنها في الأغلب مقدمة عنيفة لخطة سياسية قادمة.