ثمة قواسم مشتركة تجمع "الثالوث الشرير" الذي تمثله الولاياتالمتحدة وإسرائيل وجماعة الإخوان المسلمين. وبالكشف عن تلك القواسم، لا تأخذنا مشاعر الدهشة والحيرة التي أصابت المصريين من جراء موقف أمريكا وإسرائيل المتشبث بمؤازرة الإخوان في محنتهم الكبري – والأخيرة – بعد اندلاع الموجة الثورية الثانية في 30 يونية، التي أطاحت بديكتاتورية الإخوان الأولي والأخيرة أيضاً. ولا غرو، فقد عصف الثوار بأحلامهم"الوردية"في التحكم بمصر، توطئة لتنفيذ مخططهم"اليوتوبي"الأكبر في إحياء الخلافة الإسلامية. كان إجهاض هذا المخطط إجهاضاً بالمثل للمشروع الصهيوني – الأمريكي عن"الشرق الأوسط الكبير"، فضلاً عن إيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية علي حساب التراب الوطني في سيناء. تكمن القواسم المشتركة بين الثالوث الشرير في عدة أمور نلخصها فيما يلي: ((أولاً)) ثمة مشترك أعلي في طبيعة تكوين ونشأة إسرائيل وأمريكا وجماعة الإخوان. إذ نعلم أن الشعب الأمريكي ليس إلا مجموعة عصابات نازحة من أوروبا تكونت من المجرمين والمغامرين والمضطهدين – دينياً – وغيرهم من شذاذ الأرض هجرت مواطنها إلي أمريكا الشمالية لتؤسس دولة الولاياتالمتحدة علي حساب السكان الوطنيين من الهنود الحمر، بعد إسالة بحور من الدماء. تنسحب تلك الحقيقة علي قيام دولة إسرائيل علي أرض فلسطين المغتصبة أيضاً، بعد مجازر وحشية أسفرت عن طرد الفلسطينيين إلي"الشتات". أما جماعة الإخوان المسلمين، فقد تأسست وفق إيديولوجيا دينية متطرفة – شأنها شأن الحركة الصهيونية – معولة علي العنف أسلوباً لتحقيق مشروعها الطموح. وحسبنا، اعتمادها أسلوب الاغتيالات السياسية التي عرضها لعنف مضاد بالمثل. ولا غرو، فتاريخ الجماعة هو تاريخ"محن"كانت تنتهي بإعدام قادتها,و إيداع أفرادها في السجون والمعتقلات. حدث هذا بعد اغتيالهم للنقراشي باشا وامتحانهم علي يد إبراهيم عبد الهادي فكانت محنتهم التي أطلقت عليها محنة"العسكري الأسود". أما المحنة الثانية، فقد وقعت في عهد عبد الناصر علي إثر محاولة اغتياله. والثالثة في عهد السادات، حيث غدروا به بعد أن أخرجهم من المعتقلات,فلقي"جزاء سنمار"و جري اغتياله في حادثة"المنصة"كما هو معروف. ((ثانياً)) ثمة خصيصة أخري مشتركة بين الثالوث الشرير، تتمثل في نمط حياة كل منهم، و هي العيش في تجمعات معزولة عن المجتمع، تعبر عن طابع"الاستعلاء"و احتقار الشعوب. فاليهود – إبان عصور الشتات – دأبوا علي التجمع في المدن في أحياء خاصة عرفت باسم"الجيتو". والولاياتالمتحدةالأمريكية كانت – وفق مبدأ مونرو القائل بأن أمريكا للأمريكيين – تعيش في عزلة عن العالم، حتي بدايات الحرب العالمية الأولي. بالمثل درج الإخوان المسلمون علي التستر بالنظام الدعوي لإخفاء اشتغالهم بالسياسة المعادية للقوي الوطنية – كحزب الوفد علي سبيل المثال – وتعول علي خصومها – في الخفاء – كالقصر,و سلطات الاحتلال,و أحزاب الأقلية. ((ثالثاً)) تكمن الخصيصة التالية في اتخاذ القوة أسلوباُ لتحقيق مشروعات طموحة، فالولاياتالمتحدة سادت العالم بجبروت القوة العسكرية، إما بالتلويح أو التدخل العسكري المباشر، فكانت بمثابة "شرطي العالم"الممسك ب"العصي الغليظة" لإملاء إرادته، تحت ستار نشر الديموقراطية. أما إسرائيل، فهي دولة"عسكرة"، حيث يعد شعبها برمته بمثابة"جيش احتلال". وإذ تذرعت بأنه"جيش دفاع"ليس إلا، فإن قوته المبالغ فيها منوطة بتحقيق الحلم التوراتي المعروف:"من النيل إلي الفرات". بالمثل، يتذرع الإخوان المسلمون بالعمل الدعوي، تغطيةً للنشاط الحركي المؤسس علي العسكرة أيضاً عن طريق "الجهاز السري"و ميليشياته، لتحقيق إمبراطورية"الخلافة"، و بعدها سيادة العالم بأسره. !! ((رابعاً)) آخر تلك القسمات المشتركة بين ثالوث الشر، يتمثل في التفوق في المجال الاقتصادي. إذ هو حجر الزاوية في تحقيق"القوة". ونحن قي غني عن شرح تلك الحقيقة بالنسبة للولايات المتحدة التي جعلت من"الدولار"عملة عالمية. أما إسرائيل، فمصدر ثرائها يتمثل فيما يدره يهود العالم من دخل خرافي – فضلاً عن مساعدات الولاياتالمتحدة بطبيعة الحال – ناهيك عن ابتزاز الشعب الفلسطيني، و حتي بعض الدول الأوروبية، المتهمة ب"معاداة السامية". وعلي نفس المنوال، نسج الإخوان المسلمون، و حسبنا ما يقوم به"التنظيم العالمي"من جهود في هذا الصدد، حتي بالوسائل غير المشروعة، كالمضاربات في البورصات العالمية,واستحلال الأرباح الربوية,و حتي "غسيل الأموال",هذا فضلاً عن النشاط العلني، فيما تدره شركاتهم ومؤسساتهم المالية من أموال. بل لا ندهش إذا علمنا أن كل عضو من أعضاء الجماعة في الداخل والخارج مطالب بدفع سدس دخله شهرياً للجماعة..!! وإذا كانت تلك السياسة من أهم أسباب حنق الشعوب علي الولاياتالمتحدة والصهاينة، فهي – بالمثل – كذلك بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين. في ضوء تلك الحقائق، يمكن تفسير تشبث الأمريكان والصهاينة بدكتاتورية الإخوان في مصر,و محاولة إنقاذها وهي تصارع سقوطها المهدد بزوال" وجودهم "نفسه، بعد نجاح الموجة الثورية الثانية. أما عن الموقف الأمريكي، فقد تمثل في عدم الاعتراف بتلك الموجة كثورة شعبية. وفي هذا الصدد، نؤكد أن الإدارة الأمريكية هزتها"صدمة"نجاح الثوار، يتضح ذلك من تعدد مواقفها إلي حد التناقض خصوصاً بين مؤسسة الرئاسة,و وزارة الخارجية,و"البنتاجون",و الصحافة الأمريكية. فثمة تصريحات تري أن الثورة محض"انقلاب عسكري"يجب مواجهته، سواء بالتهديدات"الجوفاء"أو حتي بالتدخل العسكري المباشر. وثمة أخري تتذرع بدعوي الانقلاب علي الديموقراطية ، و من ثم تطالب بإعادة حكم الإخوان,بينما تحاول ثالثة إمساك "العصي من المنتصف". ونحن في غني عن دحض كافة تلك المزاعم. وحسبنا الإشارة إلي أن الولاياتالمتحدة تدرك حقيقة الواقع تماماً، فأقمارها الصناعية,و أجهزتها الاستخباراتية رصدت خروج ملايين المصريين عن بكرة أبيهم لإسقاط النظام الفاشل العميل في موجة ثورية غير مسبوقة في التاريخ. كما أن دعوي"الانقلاب العسكري"تثير الضحك المصحوب بالاشمئزاز عن حماقة دعاتها، لا لشيء إلا لأن دور الجيش المصري لا يتعدي الاستجابة لصوت الشعب في الخلاص من"ديكتاتورية"جماعة عميلة، استعانت بكل"شياطين الإنس"لخراب مصر. وهو أمر استجاش جيشها الوطني لحماية الثوار من ميلشيات الإخوان وأتباعهم التكفيريين من سفاكي الدماء، بإسم الإسلام. أما الصهاينة، فقد لاذوا بالصمت,ثم قطعوه بأصوات تعترف بأسفهم وخيبة أملهم في سقوط نظام كان يمثل"كنزاً إستراتيجياً" لأمن دولة إسرائيل. أما لماذا تعاموا عن رؤية الحقيقة الصادعة، فيرجع – فيما نري – إلي عدة أسباب سبق لنا إيجازها في عدة مقالات من قبل لا بأس في التذكير بها، علي النحو التالي: ((أولاً)) المصادرة علي ما سيسفر عنه نجاح الثورة من نظام وطني ثوري ديموقراطي، يستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية من ناحية. ومن أخري تحقيق التحرر والاستقلال الوطني والتنمية المستقلة، بقطع حبال التبعية والعمالة من ناحية أخري، بما يهدد مصالح الولاياتالمتحدة ليس فقط في مصر، بل في العالم العربي برمته. ((ثانياً)) وقف المشروع الصهيوني – الأمريكي بجعل سيناء وطناً بديلاً للفلسطينيين من ناحية, ووضع نهاية لمشروع الشرق الأوسط الكبير، من ناحية أخري. ((ثالثاً)) إحباط المخطط الإخواني الأمريكي الصهيوني في القضاء علي الجيش المصري، كتتمة لنجاحه في القضاء علي الجيوش العربية في العراق وسوريا وليبيا. إذ أثبت الجيش المصري بحق وطنيته وعروبته باعتباره يمثل"خير أجناد الأرض"، بشهادة الرسول (ص). والأهم أن مصر الثورة قادرة بجيشها وشعبها علي استرداد دورها التاريخي وتصديها لحماية العروبة من أخطار"الإسلامويين"الجدد في الداخل والخارج علي السواء. ولا يخالجنا الشك في أن أنوار عصر عربي جديد ستبدد سحب وغيوم الظلام الذي ران علي العروبة قرابة نصف قرن من الزمان. ((رابعاً)) أن الولاياتالمتحدة والرأسمالية العالمية في الطريق إلي الأفول. ومن ثم فهي تقاتل معركتها الأخيرة، دون جدوي,إذ علمنا التاريخ أن خطه البياني دوماً في صعود، مهما حاولت قوي الظلام وقف عجلة التقدم إلي الأمام. أخيراً، أنه شرف لمصر والمصريين أن يقودوا حركة التاريخ الصاعدة. وليس هذا بغريب عن شعب شهد له التاريخ بدوره الريادي في الحضارة الإنسانية، علي مر العصور. فهو الذي أبدع للبشرية أول دولة مركزية في التاريخ. وهو الذي قدم للعالم حضارته الفرعونية، التي نهل منها اليونان والرومان. وهو الذي انبثق من أرضه"فجر الضمير"، بشهادة"برستد"و"ديورانت". ومصر هي التي تبنت أول دعوة للتوحيد قبل ظهور الأديان السماوية. وهي التي حافظت وأثرت الحضارة"الهللينستية"التي أهدرها الجرمان البرابرة. ومصر هي التي احتضنت المسيحية وقدمت كنيستها ورهبانها للعالم المسيحي ظاهرة "الرهبنة" المسالمة المتسامحة. كما قدمت للعالم الإسلامي"التصوف" الفلسفي الثوري المؤسس علي القيم والمثل الإنسانية النبيلة. ناهيك عن دورها في تقديم أول صورة للإسلام الوسطي المعتدل، وكان أزهرها – ولا يزال – قبلة ومنارة للعلم والدين في آن. مصر هي التي نافحت عن العالم الإسلامي فدفع عنه أخطار المغول الهمج والصليبيين المغامرين. وهي التي قادت – بفضل عبد الناصر – حركات التحرر الوطني في العالم الثالث. وبثت علماءها في ديار العروبة لنشر العلم الحديث والمدنية. لذلك كله – وغيره الكثير الذي لا يتسع المجال لسرده – لن تأخذنا الدهشة – حالياً – حين نعول عليها في الإجهاز علي"الأصوليات"المتطرفة التكفيرية والإمبريالية المتوحشة. ولسوف تضع نهاية للجسد الصهيوني الغريب، حتماً في الغد القريب، حسب نبوءة"أرنولد توينبي".