في يوليو عام 2006 نشرت مجلة القوات المسلحة الأمريكية علي موقعها الاليكتيروني خريطة لشرق أوسط جديد مرفقة بتقرير في منتهي الخطورة ،أعده العقيد السابق بالمخابرات العسكرية الأمريكية "رالف بيترز " ،والذي مثل جزءا مهما من كتابه : never quit the fight أي "ألا تهدأ المعركة أبدا " ،وفيه يتحدث بيترز عن عملية تغيير للحدود الجغرافية لدول الشرق الأوسط ،تنشأ علي أساسها دول جديدة وتقسم دول أخري ،بل تتغير معالم دول ،وفي اندماج لدول أخري علي أسس عرقية ،مذهبية ،وطائفية ،ويعتمد التقرير المذكور لتمرير السيناريو علي عدد من الحجج التالية :1 – أن الحدود الحالية التي رسمتها كل من فرنسا وبريطانيا بشكل عشوائي في القرن التاسع عشر غير عادلة .2 – أن مربع الحدود الأكثر تشابكا وفوضوية في العالم يكمن في أفريقيا والشرق الأوسط ،فهذه الحدود _من وجهة نظر الاستيراتيجية الأمريكية تعمل علي اثارة الحروب ،ولذلك يجب اعادة ترسيمها لاعطاء الأقليات المذهبية والقومية والأثنية حقوقها المسلوبة !! 3 – يفترض التقرير ، أنه في حالات قد تنسجم مجموعات متعددة الأعراق أو الديانات والأعراق ،حيث تتعايش وتتداخل ،لكن الغالب أن المعتقد ورابطة الدم في أماكن أخري لا يكون ناجحا بقدر الوحدة التي تحدث في اطار المجموعة الواحدة ،لذلك لابد من التغيير في حدود دول الشرق الأوسط .4 – ويري التقرير أن الحدود الحالية المرسومة للدول ،ليست ثابتة علي الاطلاق ،فالعديد من الحدود من الكونغو الي دول القوقاز مرورا بشرق أوربا تتغير الآن كما حدث بكوسوفو ،والبوسنة والهرسك ،وكرواتيا . 5 – أن حدود الشرق الأوسط تسبب خللا وظيفيا داخل الدولة نفسها ،وبين الدول المجاورة لبعضها البعض ،خاصة من خلال الممارسات ضد الأقليات ،أو بسبب التطرف الديني أو القومي أو المذهبي !!و يدعي التقرير أن الغاية من هذا التعديل ،تحقيق عدد من الأهداف الانسانية التي تتعلق بالعدل وتحقيق الديمقراطية ،بالاضافة لانهاء ظلم تتعرض له الأقليات الكردية والشيعية ،والبلوشية وغيرها ،بل يمضي التقرير وللعجب! بأن المحصلة محاربة الارهاب بواسطة القوات الأمريكية المتمركزة بالمنطقة أو الحلفاء بالناتو لتأمين تدفق البترول والغاز بشكل تام وكامل بدون أي قيود ،ويعترف كاتب التقرير بأن الوصول لشرق أوسط جديد لا يمكن أن يتم بسهولة وسرعة ،لأن ذلك يتطلب توافق ارادات الشعوب وهو قد يكون مستحيلا في الوقت الراهن ،ولضيق الوقت ،من هنا فان الحرب هي الطريق الأسهل للوصول لتلك الغاية .!! وما حدث بأفغانستان والعراق والحرب بالوكالة علي الجنوب اللبناني ،كانوا ضمن سياق السيناريو المذكور .لكن ماهي الدول التي يخصها التقرير والمستهدفة بالتقسيم والاستقطاع : مصر ،تركيا ، العراق ،السعودية ،باكستان وسوريا ،ايران والامارات مع دول أخري ستوسع لأغراض سياسية :اليمن ،ا لأردن وأفغانستان .هذا السيناريو يتقاطع في كثير من التفاصيل مع الرؤية الصهيونية ،والتي سبق وأن أعلن عنها "الرئيس الاسرائيلي "شيمون بيريز " في كتابه عام 1993 ، في هدف يتمثل بدعوة جميع دول المنطقة للدخول في سوق مشتركة لدمج اسرائيل فيها بعد اعادة تشكيل كامل المنطقة ،أي أنه مشروع بديل للجامعة العربية كما أوضح بيريز في كتابه ،وهو في جميع الأحوال الصورة الموسعة والمتطرفة التي ظهرت عام 2003 فيماعرف باسم "الشرق الأوسط الكبير " والذي رفضته النخبة السياسية والثقافية العربية متهمة واشنطن وقتها بالعقلية المتعجرفة والعنجهية تجاه العالم بأسره ،فما كان من واشنطن الا اختيار الطريق الأخر ،طريق العقيد رالف بيترز ،ومن ثم لعزل الصين وروسيا الاتحادية،كما أوضحنا في العدد الماضي . تسويق الربيع العربي لا يمكن الجزم بأن "احتجاجات الربيع العربي " التي شهدتها دول المنطقةمن ضمن سيناريو الشرق الأوسط الجديد وفقط ،لأنه لا يمكن بالقطع اغفال حالة الاحتقان والغليان الشعبي بدول المنطقة علي نظم فاسدة ،ديكتاتورية أذاقت شعوبها الهوان وحكمت بالحديد والنار ،كما لايمكن اغفال دور الحركة الوطنية الديمقراطية وفي القلب منها اليسار في فضح ممارسات تلك النظم ولخلق حالة الوعي الجماهيري الثوري التواق للحرية والعدالة.