كم نحن مدينون للشباب المصري! لقد فاجأ الجميع بقدرته علي تحريك السواكن وفتح الطريق لزلزلة عروش الطغيان، فعلها مرتين: في 25 يناير وفي 30 يونيو، في المرة الأولي تخلصنا من طغيان نظام مبارك ورأسمالية المحاسيب، وفي المرة الثانية بدأنا التخلص من طغيان مرسي والمتاجرين بالدين، وكل ذلك بفضل الشباب ومبادرات الشباب الخلاقة. تأمل آخر هذه المبادرات التي تمثلت في كلمة واحدة «تمرد» وانظر أهمية الكلمة المصحوبة بالفعل، لا شك أن الشباب المصري أثبت أنه مصدر إلهام للملايين، لا في مصر وحدها بل في العديد من دول العالم. ونحن الآن أحوج ما نكون إلي استيعاب دروس تجربة التحول الثوري في العالم وفي مصر، وما أكثر تلك الدروس، ولعل أهمها هو التتابع السليم لذلك التحول، فالدستور أولا، يليه الانتخابات، لقد دفعنا ثمنا باهظا بسبب الخطأ في ترتيب المرحلة الانتقالية، والآن، وبعد 30 يونيو، أمامنا فرصة ذهبية لتصحيح ذلك الخطأ، وها نحن بالفعل قد بدأنا أولي الخطوات لعملية كتابة الدستور، وهذا شرط ضروري لنجاح التحول ولإنجاز الثورة وحمايتها من السرقة، ولكنه ليس شرطا كافيا، فالأمر يقتضي تمكين الشباب حتي يكون بحق طرفا فاعلا في المعادلة السياسية. بالتعبير العلمي، مصر مجتمع شاب، حيث يمثل الشباب أكثر من نصف السكان، في السياق الثوري، رفع الشعب المصري شعار «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، العدالة الاجتماعية هي أساس الاستقرار في كل المجتمعات، وهي لا تقتصر علي العدالة بين الفئات الاجتماعية، أو العدالة بين مناطق الدولة «بحري والصعيد مثلا»، ولكنها تشمل العدالة بين الأجيال، وهذه تستدعي أمورا كثيرة.. منها حفظ حق الأجيال القادمة في مصادر الثروة الطبيعية «خصوصا الثروة الناضبة»، وحقها في التعليم المحترم والتدريب، والرعاية الصحية، والسكن اللائق، وحقها في العمل الكريم، ولكي يحدث ذلك، لابد من تمكين الشباب، هذه قضية لا تحتمل التأجيل. لقد كان أحد الدروس القاسية للشباب هو أنه «خرج من المولد بلا حمص»، كما يقول المثل، فالشباب كانوا أول من نزل إلي الميادين في 25 يناير، وهم أول من نادي بسقوط النظام، هم أول من رفع شعار «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» وألهموا اندلاع حركات احتجاجية في كل دول العالم تحت شعار «احتلوا وول ستريت» ثم جاءوا بالاختراع العبقري «تمرد»، وضحوا بآلاف الشهداء في سياق كل ذلك. ومن حق هؤلاء الشباب علي المجتمع أن يهيئ لهم المكان والمكانة التي تليق بهم وتتناسب مع قدراتهم وتفعل دورهم، ومن الواجب علي الشباب أن يتحدوا وينبذوا التشرذم والفرقة، ولذلك فإني أنادي من هذا المنبر بتأسيس حزب للشباب فهل هناك من يسمعني؟ وما رأي الشباب؟ حكمة اليوم: الشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل