التعليم العالي: دعم البحوث التطبيقية لتعزيز الاقتصاد الأخضر وخفض الانبعاثات    القمح.. والحملة القومية لمواجهة التحديات    وزيرة البيئة تبحث خطة تطوير مركز التميز للتغيرات المناخية والتنمية المستدامة    مواعيد طرح شقق سكنية جديدة في 6 أكتوبر بالتقسيط.. اعرف سعر كراسة الشروط    وزير الهجرة اليوناني: العمالة المصرية تعد الأكفأ والأنسب وأولوية لسوقنا    تعليق مفاجئ من أبو تريكة على وفاة الكابتن محمد صبري    يوم كروي عالمي: مباريات اليوم مفتوحة من أوروبا إلى أميركا وتجارب ودّية مثيرة    بعد رحيله المفاجئ.. تنطفئ آخر صفحات حكاية محمد صبري التي لم يمهلها القدر للاكتمال    ضبط 4 أشخاص لقيامهم باستدراج صاحب شركة وسرقته بالمقطم    قصة إفلاس تحولت لقصة نجاح كبير.. تفاصيل يكشفها المخرج محمد عبدالعزيز لأول مرة    وزير الصحة: لدينا خرائط دقيقة للتحديات الصحية ونتخذ الإجراءات المناسبة للتغلب عليها    الداخلية تكشف حقيقة فيديو مزاعم الاستيلاء على أموال خلال ضبط متهم بالشرقية    رئيس كوريا الجنوبية يزور مصر والإمارات الأسبوع المقبل    حلقة نقاشية حول سينما أفلام النوع ضمن فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما    العثور على جثمان غريق داخل ترعة مياه فى جنوب الأقصر    الحماية المدنية الجزائرية: اندلاع 22 حريقا في عدة ولايات واستمرار عمليات الإخماد    باحث إسرائيلي: بنيامين نتنياهو يتعرض ل "دهس ملكي" على يد ترامب    أحمد سليمان ينعى محمد صبري: «فقدنا أكبر مدافع عن نادي الزمالك»    رحيل زيزو المجاني يدفع الزمالك للتحرك لحماية نجومه    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : سابق بالخيرات باذن الله ?!    حصن يومك.. أذكار الصباح والمساء ترفع الطمأنينة وتزيد البركة    نشاط الرئيس الأسبوعي.. قرار جمهوري مهم وتوجيهات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 14 نوفمبر في سوق العبور للجملة    الأهلي يسعى للحفاظ على لقبه أمام سموحة في نهائي السوبر المصري لليد بالإمارات..اليوم    توافد الأعضاء فى الساعة الأولى من التصويت بانتخابات نادي هليوبوليس    خطا بورسعيد والصعيد الأعلى في تأخر قطارات السكة الحديد    الولايات المتحدة توافق على أول صفقة أسلحة لتايوان منذ عودة ترامب إلى الحكم    زيارة الشرع لواشنطن ورسالة من الباب الخلفي    موعد مباراة جورجيا ضد إسبانيا فى تصفيات كأس العالم 2026    مباحثات مع وفد البنك الدولي في مختلف مجالات البترول والتعدين    مهرجان القاهرة السينمائي، حلقة نقاشية حول سينما أفلام النوع الليلة    استمرار رفع درجة الطوارئ لمواجهة أمطار نوة المكنسة بالإسكندرية    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    الثلاثاء.. إعلان نتائج المرحلة الأولى وبدء الدعاية الامنخابية لجولة الإعادة    الصحة: فحص أكثر من نصف مليون طفل للكشف عن الأمراض الوراثية    الرئيس التنفيذى للمجلس الصحى: الإعلان قريبا عن أول دبلومة لطب الأسرة    طريقة عمل المكرونة بالسي فود والكريمة بمذاق أحلى من الجاهزة    هطول أمطار وتوقف الملاحة بكفر الشيخ.. والمحافظة ترفع حالة الطوارىء    براتب يصل ل45 ألف جنيه.. 6200 فرصة عمل في مشروع الضبعة النووي    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة في شمال سيناء    اليوم العالمي لمرضى السكري محور فعالية توعوية بكلية تمريض «الأزهر» بدمياط    خالد الغندور: اجتماع منتظر في الزمالك لحل أزمة مستحقات جوميز ويانيك فيريرا    حجر رشيد.. رمز الهوية المصرية المسلوب في المتحف البريطاني    بعد حلقة أمنية حجازي .. ياسمين الخطيب تعتذر ل عبدالله رشدي    وداع موجع في شبين القناطر.. جنازة فني كهرباء رحل في لحظة مأساوية أمام ابنته    طوارئ بالبحيرة لمواجهة سوء حالة الطقس وسقوط الأمطار الغزيرة.. فيديو وصور    الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية تشارك في احتفالية يوم الوثيقة العربية بجامعة الدول العربية    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي يوافق على إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    جامعة المنيا تنظم ورشة عمل لأعضاء هيئة التدريس حول طرق التدريس الدامجة    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سرّ الصلاة على النبي يوم الجمعة    نانسي عجرم تكشف كيف بدأ والدها دعم موهبتها الفنية منذ الطفولة    إيران تطالب الأمم المتحدة بمحاسبة واشنطن وتل أبيب على ضرباتها النووية في يونيو    السيطرة على حريق شب في مخزن للمساعدات الإنسانية جنوب العريش    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    «الصحة»: التطعيم ضد الإنفلونزا يمنع الإصابة بنسبة تزيد على 70%    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمود إسماعيل يكتب : نحو مشروع مستقبلي للإسلام ..محاولة تقييم لفكر محمود محمد طه
نشر في الأهالي يوم 09 - 07 - 2013

ثمة حديث نبوي يقول بأن «الله سبحانه يرسل علي رأس كل مائة سنة من يجدد للأمة أمور دينها»، ونحن نضيف: «من أجل دنياها» أيضا. فالإسلام هو خاتم الأديان السماوية- كما هو معلوم- وهو كذلك «دين ودنيا».
لما كان «التغيير» هو سنة الحياة، جاءت الشريعة الإسلامية في صورة مبادئ عامة، باستثناء بعض الأحكام القاطعة في أمور «ثابتة» لا تثير اشكاليات اجتماعية ذات بال أو خطر علي وحدة الأمة الإسلامية. ولأن «المبادئ العامة» بدورها تتسم بالثبات- كالحرية والعدالة علي سبيل المثال- استلزم تطبيقها استنان قوانين مستلهمة منها تخضع للتعديل وحتي التبديل حسب معطيات الزمان والمكان وظروف العصر وقضاياه، دون أن يكون في ذلك خروج علي الشريعة، كما يتصور الإسلامويون المعاصرون. بل إن الخروج علي الشريعة – فيما نري- هو معالجة قضايا العصر بأحكام استنها الفقهاء في أزمان غابرة، لا لشيء إلا لعجز تلك الأحكام عن حلحلة اشكاليات العصر المعقدة والمستحدثة، وفي ذلك تعطيل للشريعة من قبل من يتشدقون بضرورة تطبيقها. فغاية تطبيق الشريعة تكمن في تحقيق مقاصدها، وإلا تصبح عديمة الجدوي. من هنا استحدث علم اصول الفقه لتجديد تلك الأحكام، فضلا عن استنباط أخري مستحدثة لم تكن موجودة عند الفقهاء القدامي.
التجديد والتقليد
لذلك، شهدت المجتمعات الإسلامية – علي مر العصور- صراعا دائما بين فقهاء التجديد وفقهاء التقليد. ومن أسف أن الغلبة كانت في النهاية لصالح الأخيرين منذ منتصف القرن الخامس الهجري وإلي الآن، الأمر الذي افضي إلي «وضع الشريعة علي الرف» – بعد أن أغلق باب الاجتهاد- ولجأت النظم المعاصرة إلي القوانين والدساتير الغربية، كما لجأت الشعوب الإسلامية – من قبل- إلي الأعراف المحلية كمصدر للتشريع والتقاضي.
شهد النصف الثاني من القرن العشرين ظهور شلة مستنيرة من «المجددين» استهدفت تجديد الفقه الإسلامي خصوصا والفكر الإسلامي بوجه عام، بهدف حلحلة الاشكاليات المتراكمة التي أسفرت عن انحطاط العالم الإسلامي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. منهم – علي سبيل المثال- محمد شحرور ومحمد عيتاني وطيب تيزيني في سوريا، وعلي حرب وحسين مروة في لبنان، وحسن حنفي ونصر أبو زيد ومحمود اسماعيل وجمال البنا في مصر، وهشام جعيط والحبيب الجنحاني وجماعة الإسلاميين المجددين في تونس، ومحمد اركون في الجزائر، ومحمد عابد الجابري في المغرب، ومحمود محمد طه في السودان. وإذ سبق لنا التعريف ونقد مشروعات هؤلاء المجددين، سنحاول التعريف – في هذا المقال وما يليه من مقالات- بمشروع محمود محمد طه. وغني عن القول، أن مشروعه لم يلق ما كان جديرا به من اهتمام، لا لشيء إلا لأنه كان المفكر الوحيد بين المجددين الذي أعدم بسبب أفكاره التي جري اعتبارها هرطقة وإلحادا من قبل النظام الاسلاموي الحاكم في السودان. هذا من ناحية، ومن أخري أنه لم يكتف بالكتابة – شأن جميع المجددين العرب- بل اعتبر نفسه صاحب رسالة كرس لها جهده وعمره لنشرها سلميا، وذلك بالتصدي لتعرية خصومه السياسيين والمذهبين المدعمين بالنظام الحاكم، حيث حرضوا علي محاكمته وإعدامه.
التصوف مرتكزا
علي خلاف انطلاقات جميع المجددين السابقين المتعددة والمتباينة – حيث انطلق البعض من الفكر اليساري، والبعض الآخر من التراث ا لاستشراقي الحداثي الغربي، والبعض الثالث من اتجاهات بعينها في التراث العربي الإسلامي- انطلق محمود محمد طه من المعطيات الدينية السائدة في السودان المتمثلة في التصوف من ناحية، ومن أفكار «ما بعد الحداثة في الغرب من ناحية أخري. لم يحفل بركام «التصوف الطوقي» المكرس لخدمة «السلطانة» وتبرير سياساته اللا إسلامية، بل عول علي «التصوف العرفاني» المؤسس-= تراثيا- علي العلم النظري والنضال الثوري والعدل الاجتماعي. وهو ما بشر به الحلاج وذو النون المصري والجنيد البغدادي، وابن مسرة وابن العريف وابن برجان الاندلسيون، وابن سبعين المغربي، ومعلوم انهم جميعا جمعوا بين الفكر الصوفي والنضال الثوري، وهو ما أخذ به محمود محمد طه.
أما عن تأثره بفكر «ما بعد الحداثة»، فعلي الرغم من موقفه المعادي للفكر الليبرالي الغربي، الذي يشكل «الحداثة» المؤسسة علي التفكير العقلي والعلم التجريبي – علي حساب الجانب الروحي- فقد وجد في فكر «ما بعد الحداثة» سندا لمشروعه المستقبلي الطموح. ذلك آن هذا الفكر الجديد استمد بعده الروحاني من تعاليم بوذا والهندوسية والطاوية والكونفوشيوسية، فضلا عن التصوف الإسلامي، وكل ذلك يلتقي عند قواسم مشتركة أهمها الاعتقاد بحلول الألوهية في الكون وكل المخلوقات هذا فضلا عن تقديس إنسانية الإنسان، باعتباره خليفة الله علي الأرض، ومن ثم وجب أن يكون تحققه الذاتي بمثابة رسالته المنوط بها لعمران الأرض، فضلا عن احترام كل ملكاته وقدراته البدنية والعقلية والعاطفية والرمزية والروحية، بالإضافة إلي احترام التعددية بكل صورها وألوانها. كما تقوم أفكار «ما بعد الحداثة» علي الوفاق بين الإنسان والطبيعة، وكسر «الدوجما» المطلقة واحترام النبوية كمبدأ في الأخلاق وفي المعرفة بالمثل. لذلك – وغيره- تصنع أفكار «ما بعد الحداثة» اعتبارا أوليا لكل من «الهرمونيطيقا»- أي التأويل- ومعطيات البيئة- الايكولوجيا- في صياغة تصور مستقبلي للإنسان «الكامل» الذي تعمل لأجله كل المعتقدات الصوفية.
تراث الشيعة
تأسيسا علي ذلك، يري محمود محمد طه أن التصوف العرفاني- وهو وثيق الصلة بمذهب الشيعة -يجب بعثه من أجل «إسلام جديد» يحل محل الشيوعية والرأسمالية بعد أن ثبت فشلهما في إسعاد البشر، من أجل ذلك سعي ل- «عصرنة» التصوف بتنقيته من أدران التهويمات والشعوذة والتواكل، وإكسابه ابعادا نضالية وأخلاقية واجتماعية تعمل عملها لصالح الإنسان. وفي هذا الصدد، تتسق دعوته مع أفكار حسن حنفي الذي يري في التراث الإسلامي- بكل اتجاهاته وتياراته- معينا لصياغة «إسلام مجدد» للحاضر والمستقبل. وإذ اتهم حسن حنفي – من قبل الإسلامويين المعاصرين- بالهرطقة، انسحب الحكم علي محمود محمد طه، وإن بصورة أشد وأنكي. ذلك أن الكثير من أفكاره المستحدثة – عن المادة والروح، والعبادات وتفسيراته الصوفية للكثير من الآيات القرآنية- برغم انطلاقها من القرآن الكريم والسنة النبوية، شابها الكثير من الغموض المثير للظنون والشك. بل إن تعريفاته لمفاهيم «الناسخ والمنسوخ» و«الجهاد» و«السنة النبوية» ليس لها نظير في كتب القدامي والمحدثين. كما خالف كل المجددين المعاصرين في القول بأن «الإسلام دين ودولة» كما ذهب سائر خصومه الإسلامويين.
جوهر الماركسية
أما عن فكره الاجتماعي، فلم يجد غضاضة في الأخذ بجوهر النظرية الماركسية، ملتقيا في هذا الصدد مع المفكر الفرنسي «جارودي»، كذا أخذه بالديمقراطية- في صيغتها الغربية- كأساس للدولة الإسلامية المنشودة، علي الصعيد السياسي. أما عن تصوره للشريعة الإسلامية، فقد قدمجديدا مفاده أن الآيات القرآنية في التشريع يمكن قسمتها إلي نوعين، الأول، يتمثل في الأصول الخاصة بالطور «المكي» في تاريخ الدعوة، والثاني في «الفروع» التي نسخت – إلي حين- الآيات المكية لا لشيء إلا بجدواها في الترشيع لمرحلة مؤقتة استلزمتها الظروف والمعطيات في مجتمع يعيش مرحلة النشأة والتكوين. أما وقد انصرمت أكثر من عشرة قرون نضج خلالها المجتمع الإسلامي، فلا مناص من العودة إلي «الأصول» لصياغة أحكام الشريعة الإسلامية. ويستشهد في ذلك بالشريعتين اليهودية والمسيحية. حيث كانتا متلائمتين لمجتمعات في ظروف تاريخية خاصة. أما وقد تجاوزتها المجتمعات الإنسانية المعاصرة، فلا مناص من ترشيح الشريعة الإسلامية – المؤسسة علي الأصول- لتكون ترياقا لأمراض الحاضر والمستقبل.
خلاصة القول، أن اطروحات محمود محمد طه ما هي إلا جماع نماذج وأفكار عرفتها البشرية طوال تاريخها، حاول من جانبه – في سذاجة يحسد عليها- أن يعقد بينها- رغم ما تحمله من تناقضات- مصالحة توفيقية صياغة نظرية هشة وغير متسقة هي في التحليل الأخير- أشبه ما تكون باليوتوبيات المثالية.
تلك، نظرة عامة تشكل مدخلا لقراءة متأنية في فكر محمود محمد طه، وهو ما سنعرض له في مقالات تالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.