رأي جون كيري وزير خارجية الولاياتالمتحدة لدي زيارته للأردن نهاية الأسبوع الماضي ضرورة مساعدة المعارضة السورية بكل ما تحتاجه ولكنه أكد من جديد أن لاحلاً عسكرياً في سورية، والحل الوحيد هو الحل السياسي. في نهاية اجتماع (أصدقاء سورية) في قطر قبل عشرة أيام، والذي عقد فيه اجتماع سري واتخذت قرارات سرية، لم تنشر، قيل أيضاً أن الحل السياسي هو الحل الوحيد في سورية، علماً بأن ذاك الاجتماع كما تسرب قرر دعم الثوار السوريين بالسلاح، وترك لكل دولة من هذه الدول أن تتصرف حسب ظروفها، أي أن تحدد بنفسها نوع المساعدات العسكرية التي تريد ان ترسلها للثوار السوريين، وتسرب أيضاً أن أصدقاء سورية الكبار الأوروبيين والأمريكيين وبعض الدول العربية النافذة رأوا ضرورة تشكيل حكومة للمعارضة مشتركة بين العسكر (المسلحين) والمدنيين. أو العمل لتأسيس ائتلاف وطني جديد بالنسبة نفسها (أي مناصفة) يحل محل الائتلاف الحالي، وذلك لعجز هذا الائتلاف عن أداء مهماته، سواء بتشكيل وفد موحد لجنيف (2) أم بإعداد هياكله وانتخاب رئيسه وأمانته العامة وتفعيل نشاطه وعقد الصلة مع الداخل السياسي والمسلح. وتسرب أيضاً أن هذه التشكيلة المشتركة (العسكرية المدنية) للمعارضة، هي التي سيتم اعتمادها كحكومة مؤقتة للمعارضة السورية تتشارك في جنيف (2) وتتخذ القرارات في الداخل، وتكون وارثة للنظام إذا سقط، وبالتالي قادرة مع دعم الأصدقاء علي تنحية المسلحين المتطرفين ووضع النظام السوري المقبل علي طريقه الصحيحة وتأهيله لإتمام مهماته الرئيسية. إذن رغم كل التصريحات التي تؤكد أهمية الحل السلمي، فإن كل الأطراف تعمل وكأن الحل العسكري هو الحل الوحيد. وتنشط لتأمين السلاح والانتصار بالمعارك الجارية علي الأرض، وتقول المعارضة المسلحة والمعارضة السورية بشكل عام أن تزويدها بالسلاح كفيل بتحقيق توازن القوي مع النظام وبالتالي تحسين الموقف خلال المحادثات المحتملة، كما يري النظام أن تسليحه يؤهله للقضاء علي المعارضة المسلحة ويزيد عنفه وقسوته يوماً بعد يوم مفترضاً أنه بتأييد إيران وروسيا وحزب الله سيقضي علي هذه المعارضة قبل مؤتمر جنيف أو علي الأقل سيخمد نارها، ويذهب إلي هناك قوياً قادراً علي فرض شروطه، وربما توافقه السياسة الروسية بتبني هذا الموقف. إن الحل بنظر الطرفين إذاً لايتم إلا بعد معارك عسكرية شديدة يطمع كل طرف أن ينتصر فيها. وهذا يعني في الواقع أن الطرفين سيبقيان في صراع عسكري شرس حتي يدمر كل منهما الآخر. والذي سيدمر بالتأكيد هو الدولة السورية وشعبها، فما دمر حتي الآن هو الأبنية السكنية وبعض جوانب البنية التحتية، ولكن التدمير المحتمل سيشمل تدمير القواعد العسكرية السورية، وقواعد الصواريخ والأسلحة الكيماوية، والقطاع العام، وإدارات الدولة، والأهم من هذا كله هو تدمير النسيج الاجتماعي السوري وتمزيق الوحدة الوطنية وتحويل الشعب السوري إلي مجموعات متصارعة عسكرياً. ربما كان هذا الهدف هو هدف السياسة الأمريكية والأوروبية خلال السنتين الماضيتين، ومن خلفهما السياسة الإسرائيلية، ولعله يبرر المماطلة الأوروبية والأمريكية في نجدة السوريين، وتردد مواقف الطرفين وتناقضها سابقاً وحالياً، فالمهم لهاتين السياستين الأمريكية والأوروبية الانتظار حتي يتم التدمير وتلغي الدولة السورية أو تتحول إلي دولة فاشلة. ولايري النظام السياسي هذه الكارثة القادمة أو أن همه الأساسي الحفاظ علي السلطة بأي ثمن، بدليل أنه لايهتم لا بالضحايا ولا بالمعتقلين ولابالمشردين من بيوتهم داخل سورية وخارجها، ولا بنسبة الفقر التي ارتفعت في سورية ارتفاعاً مخيفاً، كما يبدو أن المعارضة مازالت غير مدركة لأبعاد الممارسات الحالية، أو أن الظروف تلزمها بالتصرف كما تتصرف الآن. ومهما كان الأمر فإن الشعب السوري المنكوب هو الذي يدفع الثمن غالياً، وتسيل دماؤه دون حدود، وتدمر حياته ومدخراته ووطنه، وبالتالي فإن نهاية الحرب والعنف في سورية ليست قريبة.