ضاقت مساحات الوطن، ولم تعد هناك أرض لم تطلها الدماء، في كل مكان بقعة حمراء في المسجد والكنيسة .. الشارع والمصنع، المدرسة والمكتبة، في الميدان والأزقة.. افترشت الجثث كل الأماكن المحرمة، وتناثرت الاشلاء في الزوايا والأركان .. وزحف الليل الحزين يستر عظامها الطاهرة.. وفي الصباح يأتي النهار الكسيح ليكشف للمارة عن سوءات الأيام السوداء التي نعيشها، تشق الفوضي والهمجية والأصوات العالية سكون القاهرة، وتلتقط الكادرات صور الشباب في المشاهد الأخيرة، ليس هناك رابح، فالكل خاسر. تسكت المآذن ويقتل قارع الأجراس، ويبدأ مزاد الشجب، الكل يدين، ينفعل، يثور ، وتعلن الفضائيات عن أخبارها العاجلة، ويفتح سوق الحكي، من وجع القهر إلي وجع الفرقة تتراكم أوجاع الوطن.. وتتمزق الأحشاء في الأحشاء، ويصير الأبيض أسود، والأسود ترنيمة موت ..فيا أيها المطرودون من دوائر الضوء إلي منتهي حدود الظلام.. الواقفون دوما داخل دوائر الشك والمؤامرات.. الباحثون عن صفقات مشبوهة.. يا من تقرأون الكتاب من الشمال إلي اليمن..ارحلوا جميعا بغير رجعة.. فعندما يختبئ الموت في محراب العبادة ، لا أمن ولا أمان. فهل يعقل أن وطن بلا محتل تشيع فيه الجنازات بالصباح والمساء؟ يتكرر نفس المشهد كل يوم، ولكن لم تنته بعد الحكاية، طالما بالصدور غل وحقد وضمائر ميتة، وغضب أسود لم يخمده دموع الثكالي أو نحيب الصبايا، كل الأشياء مباحة في زمن الغفلة، القتل، الكذب، الكيل بمكيالين وثلاثة ومائة، واللعب بثلاث أوراق وستين وألف، وتظل في الحلق مرارة الشكوي تكوينا بنار الفتنة .. في نفس الوقت التي تبحث فيه رصاصات القناصة عن هدف تغتاله.. لم تجد غير مصر الوطن الكبير الذي نحتمي فيه أقباطا ومسلمين. هل أتي خريف الشكايا الذليلة، فمحي الذاكرة والتاريخ.. وصرنا قبيلة مهددة بالاندثار تأكل بعضها البعض .. إذا حدث ذلك فلن تجدي منتديات الشعر أو صالونات العزاء.