الولايات المتحدة دعمت الجماعة ولم تهتم باستبدادها وإقصائها القوي الوطنية مرسي مرتبك وسياساته سحبت البساط من تحت أقدامهعرضنا في المقال السابق لاحتمال وضع حد لسياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية في دعم التيارات الإسلاموية، وذلك وفق تصورين استشرافيين أوضحنا كيفية تحققهما في المستقبل القريب. أما علي مستوي المستقبل المتوسط، فثمة تصور ثالث أكثر خطورة، حيث يضمن للولايات المتحدة الإجهاز علي التيارات الإسلامية واستئصال شأفتها تماما عن طريق السياسة بعد عجزها عن طريق التدخل العسكري الذي كلفها أعباء مالية فادحة، فضلا عن استنزاف «الدم الأمريكي» الغالي الذي أثار ثائرة الشعب الأمريكي علي حكومات الحزب الجمهوري، وكان من الأسباب الأساسية التي دفعت أوباما إلي الرئاسة لفترتين متتاليتين. قد يتصور البعض افتقار ساسة أمريكا إلي الحنكة والكفاءة التي اشتهر بها نظراؤها الأوروبيون، وذلك من قبيل الأوهام التي يتشدق بها الكتاب المصريون الذين طالما تحدثوا عن رؤساء أمريكا الذين كانوا يتلقون دروسا في أصول وفنون السياسة عن رئيس مصر المخلوع!! متغابين عن حقيقة كون القرار السياسي الأمريكي تسهم في صنعه «ترسانة» من مراكز البحث ودوائر الاستخبارات والمعلومات التي تضم من العلماء والخبراء والساسة القدامي والمؤرخين والاستراتيجيين وعلماء النفس والاقتصاد والاجتماع.. وهلم جرا!! ويتعاظم هذا الأمر خصوصا بالنسبة للدول الكبري والإمبراطوريات التي تتحكم في إدارة وسياسة العالم بأسره، لا لشيء إلا للاحتفاظ بتلك المكانة العظمي، وضمان استمراريتها. وإذ نعلم أن «الأصولية الإسلامية» كانت العدو الأول للولايات المتحدة بعد انهيار وسقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، كان القضاء عليها الشغل الشاغل لساستها خلال العقدين الأخيرين. كما نعلم أيضا كيف تمكنت الولاياتالمتحدة من السيطرة علي منطقة الشرق الأوسط عن طريق ثلة من الحكام العرب «العملاء» الذين ضمنوا لها تأمين موارد الطاقة – البترول – وما يرتبط بها من أمور استراتيجية وأخري لوجستية، فضلا عن الحفاظ علي سلامة ربيبتها إسرائيل، وفي هذا الصدد كانت مصر «رمانة الميزان»، نظرا لأهميتها الجيو-استراتيجية، وكان نظام «المخلوع» بمثابة «كنز استراتيجي»، حسب تعبير أحد الساسة في إسرائيل، وحسبنا التذكير بمقولة رئيس استخباراتها السابق بأنه تمكن من الإجهاز علي مقدراتها لمدة خمسين عاما قادمة. أما وقد هرم نظام «المخلوع» وشاخ، لم يكن ثمة بد من اهتمام الولاياتالمتحدة بمن يخلفه ليواصل دوره علي النهج ذاته، وهو ما يفسر الموقف الأمريكي إبان اندلاع «ثورات الربيع العربي»، والضغط المباشر من قبل «أوباما» علي مبارك للتنازل عن الحكم غير مأسوف عليه، وتلك سنة استنها رؤساء أمريكا إزاء «العملاء» بعد استنفاد وأداء دورهم، كما هو الحال مع شاه إيران والسادات، علي سبيل المثال. لذلك عندما آل أمر إدارة مصر إلي المجلس العسكري، كان من المتوقع – عند معظم المراقبين – أن الولاياتالمتحدة ستعول علي أعضائه لخلافة المخلوع، خصوصا بعد تعاظم شعبية الجيش لدي الثوار، نظرا لدوره في خلع قائده الأعلي، لكن ظنهم خاب نظرا لحرص الولاياتالمتحدة علي الإطاحة بقادة العسكر، لا لشيء إلا لإمكانية تبنيهم تحقيق أهداف الثورة، لذلك استقر الرأي – فيما أري – علي توريط التيارات الإسلاموية بزعامة الإخوان المسلمين – الطامحين إلي السلطة – بهدف الإجهاز عليهم، واستئصال شأفتهم نتيجة عجزهم في إدارة شئون البلاد، بما يفضي إلي نوع من «الفوضي الخلاقة» نتيجة انقلاب كل الثوار والقوي الوطنية ضدهم. وباستقراء الموقف الأمريكي من الإخوان، نلاحظ مدي ما قدموه من مساعدات مالية للإخوان للوصول إلي السلطة عن طريق انتخابات مشكوك في نزاهتها، كما غضوا البصر عن جنوحهم إلي الاستبداد وإقصاء جميع القوي الوطنية – حتي بالنسبة للتيارات الإسلاموية المتحالفة معهم – بهدف تعريتهم، وهو ما تحقق بالفعل. نلاحظ أيضا تغاضي الولاياتالمتحدة عن جنوح الإخوان نحو «التمكين» للجماعة بإصدار دستور لا يحظي بتأييد كل التيارات الليبرالية واليسارية، بما يؤجج مشاعر الغضب الشعبي الذي يفضي إلي الصدام، كما عمد المخطط الأمريكي إلي تفاقم الأزمة الاقتصادية عن طريق منع دول الخليج عن تقديم المساعدات المالية التي تعهدت بها، بل تقاعست الولاياتالمتحدة نفسها في تقديم المعونات الخاصة بمعاهدة السلام مع إسرائيل، تحقيقا للهدف ذاته، ولا يخالجنا شك في حيلولتها دون وفاء صندوق النقد الدولي بتقديم القروض إلي حكومة الإخوان، علي الرغم من تنفيذها لشروطه القاسية التي أسهمت في تأجيج الغضب الشعبي بطبيعة الحال، وإذ سمحت لدولة قطر بتقديم عون متواضع، كانت شروطه المجحفة تستهدف المزيد من استياء الجماهير الغاضبة، كما سمحت للحكومة المصرية بالتواصل مع إيران لتحقيق الهدف ذاته، إذ أسفر عن احتجاج التيارات السلفية ضد الرئيس وجماعته، وفي تغاضي الولاياتالمتحدة عن غضب الأقباط من جراء الاعتداء علي مقدساتهم – إلي حين – ما يؤكد حرصها علي تفاقم المشكلات الاجتماعية والطائفية، بما يزيد ميزان الغضب الشعبي اشتعالا وضراوة، يضاف إلي ذلك استياء دول الخليج من شروع جماعة الإخوان في حيك المؤامرات ضد نظمها المستقرة، الأمر الذي أسفر عن عزل الجماعة وطنيا وإقليميا. خلاصة القول، إن المخطط الأمريكي إزاء الجماعة نجح في تعريتها بدرجة أفضت إلي اندلاع الموجة الثانية من ثورة 25 يناير، ويخيل إلينا أن ما جري من وقائع وأحداث مأساوية في محاولة قمعها، كانت من وراء العصيان المدني في مدن القناة، وبعض المحافظات الأخري، بما ينذر – في القريب العاجل بانتقال العدوي إلي كل ربوع مصر. والأهم، تحول الثوار عن سياسة «المسالمة» إلي «العنف الثوري»، بإحراق الكثير من مقرات جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، مفيدين من أخطاء الموجة الأولي، وهو ما ينذر بالصدام الدموي. من المؤشرات الدالة علي ارتباك النظام القائم، وإرهاصات سحب البساط من تحت أقدامه، فقدان شعبيته وانحسارها بصورة مفاجئة، مصداق ذلك، ما جري في انتخابات اتحاد طلاب الجامعات من حصول حزب الجماعة علي 5% من أعضاء الاتحاد. منها أيضا، تمرد الكثيرين من ضباط وجنود جهازي الشرطة والأمن المركزي، وانحياز بعضهم إلي صفوف الثوار، والدعوة إلي «إسقاط النظام» والأهم، رفض قادة الجيش أوامر الرئيس بقمع الثوار، وإعلان القائد العام ورئيس الأركان – مرارا وتكرارا – الانحياز للشعب. يضاف إلي ذلك، دعوة قطاع عريض من «المستقلين» المصريين قادة الجيش إلي التدخل لإسقاط حكم الإخوان، وفي هذا الصدد دأبوا علي تحرير وثائق بالشهر العقاري تبايع «القائد العام» بحكم البلاد، بديلا عن «الرئيس» «الملتحي» الذي أصبح – ورئيس حكومته – موضوعا «كاريكاتوريا» للسخرية «الخشنة» في الصحف اليومية والقنوات الفضائية!! بدرجة لم تنل من أي «ديكتاتور» في تاريخ البشرية. لذلك – وغيره كثير – نتوقع خلال الأيام القادمة معركة فاصلة بين جماعة الإخوان – بميليشياتهم المسلحة – وكل القوي الوطنية. ولا يخالجنا الشك في استعانة الجماعة برديفه من منظمة «حماس» و«السلفية الجهادية» في سيناء، وربما من مجاهدي «القاعدة» دفاعا ليس فقط عن الحكم، بل عن وجودهم أساسا. عندئذ، سيتدخل الجيش حتما لحسم المعركة، وعندها، يكون لكل حادث حديث. خلاصة القول، أن مصير جماعة الإخوان في مصر مآله إلي كارثة محدقة، سيكون لها – حتما – نتائجها الوبيلة علي «إخوانهم» في «دول الربيع العربي»، وهو ما خططت له السياسة الأمريكية بدأب وذكاء وعبقرية، والغد لناظره قريب.