تحل اليوم 20 مارس ذكري مرور عشر سنوات علي غزو العراق . وعلي الرغم أن القوات البريطانية خرجت من « البصرة » تماماً وانتهت نيران الحرب ومشاركة لندن فيها ، غير أن ردود الفعل السياسية لا تزال تتفاعل في ظل اصرار معارضين اقوياء علي مهاجمة رئيس الوزراء الذي كان موجوداً في الحكم واتخذ قرار الغزو بالتنسيق مع حليفه الرئيس الأمريكي وقتذاك جورج بوش . لا تريد أزمة العراق التراجع عن طرح نفسها في معارك تصفية الحساب مع توني بلير ، الذي يوجه له معارضون النقد الشديد مع اتهامات ومطالبة بمحاكمته وتقديمه للعدالة نتيجة لدفعه لجنود بريطانيين لدخول العراق دون مبرر علي الاطلاق يتطلب هذه الخطوة التي دفع ثمنها ابرياء مدنيون عراقيون . كان بلير قد تعرض لهجوم واحتجاج في اكثر من مناسبة . وعندما كان يدلي بشهادته امام لجنة القاضي ليفيسون بشأن العراق اقتحم الجلسة شاب ثائر وطلب تقديم بلير إلي العدالة لارتكابه جرائم حرب . ستجدد ذكري مرور عشر سنوات علي الغزو هذه الاتهامات التي تطرحها مجدداً ليندا ساي جيرمان التي ترأس تحالف رفض الحروب وعدم التورط فيها . تركز علي ضرورة تقديم بلير إلي محاكمة لمحاسبته عما ارتكبه من جرائم في حق العراقيين . وهناك نواب في البرلمان الأخرون سابقون مثل « توني بن » يشاركون في مؤتمر موسع لادانة بلير والمطالبة بمحاكمته ووقوفه في لاهاي حيث محكمة العدل الأوروبية المختصة بجرائم الحروب . وتقول كيت هدسون رئيسة تحالف معاداة الحروب ، أن بلير أخطأ في عدم الاستماع إلي رأي الشارع البريطاني . كان حوالي مليون شخص خرجوا في تظاهرات فريدة تطالب بعدم دفع القوات العسكرية نحو العراق ، غير أن القرار السياسي كان قد اتخذ بالتحالف مع الولاياتالمتحدة بادعاء تدمير اسلحة يملكها الرئيس العراقي صدام حسين وتهدد عواصم الغرب وعدة دول في المنطقة القريبة من العراق . شهدت هذه الحرب انقساما في أوروبا فقد رفضت فرنسا المشاركة في الحملة وعارضت في جلسة للأمم المتحدة . غير أن توني بلير استمر في الحشد العسكري حتي دفع بقواته إلي العراق مع الاخري الأمريكية لتدمير اسلحة صدام حسين القادرة علي الانطلاق خلال 45 دقيقة والوصول إلي تجمعات بريطانية في قبرص والاضرار بالأمن القومي البريطاني كله . وقد ايدت الحكومة التي رأسها « بلير » قرار الغزو ، غير أن روبن كوك الذي كان وزيراً للخارجية قبل الانتقال إلي موقع وزاري مختلف ، رفض واستقال والقي خطاباً في البرلمان يعبر فيه عن اسفه وخروجه من الحكومة العمالية . احدث قرار بلير غزو العراق خلافات وانقسامات داخل البرلمان ، غير أن رئيس الوزارة حصل علي اغلبية نتيجة امتلاك حزبه مقاعد كثيرة منحته القدرة للحصول علي مساندة وتفويض البرلمان . تتحدث التقارير والابحاث الآن بعد عشر سنوات عن أن بلير خدع البرلمان البريطاني . وقد اشار رئيس الوزارء السابق جوردون براون عندما كان في السلطة علي أهمية اشراك البرلمان بشكل كبير في اتخاذ قرار الحرب حتي لا تنفرد الحكومة في المستقبل باتخاذ هذا القرار بمفردها . استمرت حرب العراق وتورط بريطانيا فيها لمدة 6 سنوات وسقط ضحايا مدنيون عراقيون مع قتلي من جنود بريطانيين وتعرض توني بلير لهجوم شرس حتي خرج من الحكومة واستقال من البرلمان . يري معارضوه امثال النائب جيرمي كوبرن أن « بلير » يحقق ثروات طائلة بعد خروجه من منصبه ويتولي اللجنة الرباعية الدولية بشأن السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين ، وهو ما لا يتفق مع الدور الذي قام به في اعلان الحرب علي دولة عضو في الاممالمتحدة هي العراق . ويطالب المعارضون بتقديم رئيس الوزراء الاسبق بمحاكمة ، لكنه دائماً يدافع عن نفسه بأنه فعل بما يمليه عليه ضميره الوطني ولمصلحة أمن بلاده وقد تصرف نتيجة قناعاته بأن صدام حسين كان يمثل خطراً علي الامن البريطاني والعالمي وازاحته حققت السلام للعراقيين ولدول الجوار. أنصار توني بلير يقولون انه تحرك بقناعاته واخلاصه وما كان يراه خطر صدام حسين علي دول مجاورة وامن الخليج برمته بالاضافة إلي الاوضاع العالمية . لكن منتقديه يرون أن ايران استفادت من اقصاء الرئيس العراقي الراحل ، وان المنطقة تعرضت لاهتزازات عنيفة وان غزو العراق لم يحقق شيئاً ايجابياً سوي قتل الآلاف من ابناء العراق وسقوط قتلي وجرحي من قوات بريطانية وغربية . هذه الحرب التي اندلعت منذ عشر سنوات وانتهت الآن بالنسبة لبريطانيا والولاياتالمتحدة لا تزال تفجر خلافات بين اطياف الساحة السياسية في بريطانيا علي وجه الخصوص ، لأن الخصومة مع توني بلير عنيفة داخل حزبه العمالي وفي قلب اجنحة راديكالية تري أن رئيس الوزراء الاسبق تخلي عن مبادئ حزب العمال التاريخية وانحرف به إلي اليمين رغبة في اعادة تشكيل الشرق الاوسط بما يمنح اسرائيل النفوذ والقوة والهيمنة . وقد دافع النائب العمالي كيث فاز عن الحرب مؤخراً وقال انه ايد توني بلير واشار إلي موقفه الصريح علي الهواء مباشرة مما عرضه لهجوم شرس من نائب آخر هو جورج جالاواي الذي استغل الموقف فأطلق اتهامات قاسية بعبارات حادة ضد فاز وبلير معاً . بعد عشر سنوات من غزو العراق وانسحاب القوات البريطانية من « البصرة » لا تزال هذه الحرب مشتعلة داخل الندوات والمؤتمرات . وقد تحولت قاعة « فريندز هاوس » بلندن إلي ساحة هجوم شرس علي « بلير » بمناسبة مرور عشر سنوات علي الغزو واعادة الاشتباك مع حرب انتهت لكن ذكرياتها لا تزال حية . وقد اعتاد توني بلير عدم الرد والتجاهل وتأكيد ان موقفه صائب والتاريخ هو الذي سيحكم علي خطوته وليس الخصوم من داخل حركة عمالية استفزها ان يقوم زعيم الحزب بهذه الخطوة الامبريالية التي تمزق التاريخ الناصع للحركة العمالية السياسية البريطانية ، التي كانت دائماً مع السلام وحق الشعوب في تقرير مصيرها . تحدث ايد ميليباند زعيم حزب العمال الحالي عن أن غزو العراق كان خطأ وان كان شقيقه وزير الخارجية السابق ديفيد ميليباند لا يوافقه علي هذا الرأي . الموقف يكشف في حد ذاته مدي الانقسام في قلب حزب العمال نفسه بين فريق يؤيد بلير وآخر يعارضه ويهاجمه ويفتح النار عليه بشدة قاسية . ان معركة غزو العراق مستمرة حتي بعد انسحاب القوات البريطانية من هناك . وهناك اجنحة داخل حزب العمال المعارض تضغط حتي يقف رئيس الوزراء الاسبق في محكمة لاهاي بهولندا لمحاكمته عن جرائم حرب . ويطالب المعارضون بشدة محاكمة بلير ، غير أن ذلك لن يحدث بالتأكيد فهو محصن ضد المحاكمة حيث اتخذ قراره السيادي بالحرب ضمن صلاحيات ممنوحة له كرئيس للوزراء بمحاكمته وادانته . ويقود معارضو بلير تظاهرة أخري امام مقر رئيس الوزراء الحالي للاعتراض علي حرب انتهت وأخري مستمرة في افغانستان وثالثة تفتح في « مالي » في ظل الحملة الفرنسية التي اخذت زمام المبادرة لمواجهة الجهاديين هناك .