تعود الأزمة التي يعيشها العراق حالياً بشكل أساسي إلي رفض نوري المالكي التخلي عن منصب رئاسة الوزراء أو حتي ترشيح قيادي آخر من حزب الدعوة الذي يتزعمه، والمالكي أصبح شخصاً مرفوضاً من التيارات العراقية لأسباب مختلفة، فالتيار الصدري يرفضه نظراً للمعتقلين الكثيرين من التيار في السجون العراقية بسبب المالكي وصولة الفرسان التي قادها الجيش العراقي ضد التيار وراح ضحيتها العديد من القتلي في البصرة، وحزب المجلس الأعلي الإسلامي بزعامة عمار الحكيم يرفضه لتجاهل المالكي لمختلف الأطراف المشاركة في الحكومة السابقة وتفرده بالحكم، وأما تيار الإصلاح الوطني بزعامة الجعفري فهو من تضرر من قيام المالكي بالانقلاب المشهور ضد الجعفري في حزب الدعوة بمجرد خروج الجعفري من رئاسة الوزراء. لذلك فالمالكي برفضه التخلي عن رئاسة الوزراء وتمسكه بالحكم أصبح يعيق تشكيل الحكومة، ونظراً للحالة الطائفية في العراق، فان التيارات الشيعية لا توافق علي تولي اياد علاوي للحكومة بما يجعل المحاصصة السابقة وكأنها أمر واقع علي الجميع القبول به وهي رئاسة الجمهورية للأكراد ورئاسة الوزراء للشيعة ورئاسة البرلمان للعرب السنة، وهي محاصصة تعمق المشكلة العراقية والعائق الحقيقي أمام تقدم العراق، وهي من جهة أخري تخالف حتي الدستور الذي وضع بعد الاحتلال. قد يبدو لمن ينظر للأزمة العراقية من الخارج وكأنها نتاج رفض المالكي التخلي عن رئاسة الحكومة، ولكنها في العمق أزمة بنيوية في النظام القائم الذي صنعه الاحتلال الأمريكي، فالأحزاب التي ساندت الاحتلال في اجتياح العراق واتفقت في ذلك الوقت علي وصولها جميعاً للحكم برفقة الاحتلال غير متفقة اليوم علي الحكم الجماعي، ويبدو أن خروج المالكي عن هذا الركب ومحاولته الاستفراد بالحكم لن تكون الأولي أو الأخيرة، بل سوف يتبعها محاولات، والأمور لن تنتهي عند تشكيل الحكومة العراقية القادمة فالأزمة بنيوية في النظام، العراق الذي يعيش مرحلة انتقالية حتي خروج جيش الاحتلال الأمريكي وعندها سوف تبدأ أزمة السيطرة علي الحكم من الأطراف جميعاً وخصوصاً الأحزاب الشيعية، التي كان عداؤها لصدام حسين هو الذي وفق بينها في السابق وحين سقط صدام انهار التوافق، واليوم مصدر العداء الأخطر في الأزمة العراقية الآن هو الاستقطاب المليشياوي للأجهزة الأمنية وهذه الأجهزة سوف تستخدم في معارك طاحنة في المستقبل إلي أن يستطيع احد الأطراف حسم الأمور لصالحه، لذلك فان عقلية تمسك المالكي بالحكم موجودة في جميع الأحزاب التي جاءت مع الاحتلال، والمستقبل سوف يكشف المزيد من الأزمات، ولكن الخوف الأكبر هو أن تكون وحدة العراق والعراقيين هي الخاسر الأكبر والمتضرر الكبير من هذا التناحر الحزبي والشخصي.