تم التصرف في الأراضي المصرية في الآونة الأخيرة بعدة وسائل متباينة، أدت جميعها إلي ارتفاع كبير ومفاجئ وغير مبرر في أسعار الأراضي، وتبع ذلك بالضرورة ارتفاع في أسعار الوحدات السكنية واختلال في السوق العقاري، من هذه الوسائل: تخصيص مساحات كبيرة من الأراضي تبلغ آلاف الأفدنة بأسعار زهيدة أو رمزية، ثم السماح لمشتريها بتغيير استخدامها وعرضها للبيع بأسعار بالغة الارتفاع، ومنها بيع الأراضي بالمدن الجديدة بأسعار مسبقة تساوي تكلفة تمهيد الأرض ومدها بالمرافق أي بحوالي مائتي جنيه للمتر المسطح، وبعد سنوات قليلة تعرض للبيع بسعر ألفي جنيه للمتر المسطح أي بعشرة أمثال سعرها الأصلي، ومنها أيضا بيع بعض المواقع بالمزاد العلني فيصل سعر المتر المسطح إلي حوالي أربعة آلاف جنيه مما أسهم في ارتفاع أسعار الأراضي بصفة عامة في المناطق المحيطة بها، وهذا يعني أن الأرض في هذه الحالات لم تعد وسيلة للتنمية الحقيقية، بل صارت وسيلة للمضاربة والتربح السريع. لذلك فإنه يجب أن تبقي الأرض خارج الحيز الحالي في السواحل والصحراوات وإقليمسيناء ملكا للمجتمع، ولا تباع للأفراد أو الشركات محلية كانت أو أجنبية، وتقوم الدولة بتخصيصها للاستخدام الإنمائي لمدد محددة، ونظير رسوم تحدد حسب طبيعة النشاط المقام عليها، فعلي سبيل المثال تخصص الأراضي للإسكان الفاخر وفوق المتوسط نظير رسوم عالية، كما تخصص للإسكان المتوسط نظير رسوم مخفضة، أما الإسكان الاجتماعي فتخصص له الأرض بدون رسوم أو برسوم رمزية. ونظام حق الانتفاع بالأرض مع بقاء ملكيتها للدولة ليس جديدا علي العالم، بل تأخذ به العديد من الدول مثل انجلترا والسويد، وهو معروف في مصر أيضا، وينظم القانون المدني المصري حقوق وواجبات كل من مالك الأرض والمنتفع بها، ويسمح للمنتفع في ظل هذا النظام بالاقتراض بضمان حق الانتفاع، بل بيع هذا الحق للغير بشروط معينة، وملكية الدولة للأرض تتيح لها مرونة كبيرة في تغيير استخدامها بعد انتهاء مدة حق الانتفاع بها، وكذلك يمكنها من إعادة تشكيل النمط العمراني لمسايرة حركة التطور المستمر للمجتمع، كما أن ملكية الدولة للأرض سوف يجنبها المغالاة والارتفاع المفاجئ في أسعارها، مما يساعد علي اتزان واستقرار السوق العقاري وسوق الإسكان. هذا وتجدر الإشارة إلي أن بقاء الأرض ملكا للمجتمع - وليس ملكية خاصة متغيرة - ضرورة من ضرورات الأمن القومي، وعلي الأخص في إقليمسيناء. كما إبقاء الأرض في الحيز الجديد خارج الوادي والدلتا ملكا للمجتمع وإتاحتها للاستخدام التنموي نظير رسوم معينة محددة وبذلك يقتصر دورها علي أداء وظيفتها الأساسية وهي تحقيق التنمية العمرانية المستدامة وليس استغلالها كسلعة للمضاربة والتربح السريع، وفي هذه الحالة سوف نتجنب الارتفاع المباغت الكبير في أسعارها وما يتبع ذلك من خلل وعدم استقرار في سوق الإسكان.