تفاهم أمريگي إسرائيلي مطلق إسرائيل هي دائماً الكاسب الرئيسي في أي مباحثات إسرائيلية - أمريكية وبالتالي لم تخرج القمة الإسرائيلية الأمريكية الأسبوع الماضي في واشنطن بين «باراك أوباما» و«بنيامين نتنياهو» عن هذه القاعدة، وحصلت إسرائيل علي كل ما تريده من أوباما وأكثر، وبالتالي ازدادت المرارات العربية والفلسطينية ، بعد أن تم تعليق آمال كثيرة علي الرئيس أوباما في ضوء خطابه الشهير في جامعة القاهرة في 5 يونيو 2009، وتصريحاته التي لم تتوقف عن أهمية وضرورة التوصل بسلام عربي - إسرائيلي يقوم علي إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وهي تصريحات لم يتنصل منها أوباما حتي الآن، ولكنه يثبت أنها ستظل مجرد تصريحات تخلو من سياسة عملية تتحول إلي واقع علي الأرض. نتنياهو ذهب إلي واشنطن وقد ملأ الدنيا تصريحات هو الآخر حول رغبته الملحة في لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وإلي استعداد إسرائيل للدخول في مفاوضات مباشرة مع السلطة للتوصل إلي اتفاق سلام نهائي بأسرع وقت ممكن، وإلي استمرار احترام إسرائيل لقرار حكومتها بايقاف الاستيطان حتي سبتمبر القادم، وأنه حال استئناف المفاوضات المباشرة فإن تجميد الاستيطان سيستمر. وهذا بالضبط ما حصل عليه نتنياهو فقد دعم الرئيس أوباما مطالبه تلك بالتأكيد علي أهمية استئناف المفاوضات المباشرة ودون تأخير، رغم أي الجولات الست للمبعوث الأمريكي لعملية السلام چورچ ميشيل في المنطقة لم تشهد تحقيق أي تقدم مهم في ملفات المفاوضات غير المباشرة، والتي تتمثل في ملفات الحدود النهائية والأمن والمياه والسيادة واللاجئين، وهي ملفات اشترطت السلطة الفلسطينية إحراز تقدم مهم بشأنها حتي يمكن العودة للمفاوضات المباشرة، كما اشترط كبير المفاوضين الفلسطيني صائب عريقات بالعودة إلي نفس النقاط التي جري التوقف عندها أيام المفاوضات المباشرة التي أجريت مع حكومة (إيهود اولمرت) والتي حققت تقدما كبيرا وتم الاتفاق خلالها علي تفاهمات خاصة بالملفات الأساسية للصراع . وفيما رفض نتنياهو أي شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات فإنه حمل السلطة الفلسطينية مسئولية عرقلتها، وهو ما لقي دعماًً من جانب أوباما الذي دعا السلطة الفلسطينية للدخول في المفاوضات المباشرة دون تأخير، ومؤكدا أيضا تفاؤله بإمكانية التوصل إلي اتفاق سلام إسرائيلي - فلسطيني قبل نهاية حكمه. حماية إسرائيل النووية ولكن الأخطر من ذلك كله هو موقف أوباما من البرنامج النووي الإسرائيلي، حيث جاء نتنياهو إلي واشنطن مطالبا الإدارة الأمريكية بتوضيح موقفها إزاء تأييد عقد مؤتمر دولي في عام 2012 لمناقشة كيفية إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وهو المؤتمر الذي اعتبرته الدول العربية بمثابة انتصار سياسي مهم لوضع الترسانة النووية الإسرائيلية موضع المحاكمة وتحويل المؤتمر إلي ساحة للضغط علي إسرائيل لإجبارها علي الكشف عن برامجها وأسلحتها النووية». ولم يبذل نتنياهو فيما يبدو أي جهد لإقناع أوباما بخطورة تحول هذا المؤتمر إلي ساحة إقليمية بمظلة دولية لمحاكمة البرنامج النووي الإسرائيلي، وجاءت تصريحات أوباما حاسمة طبقا لبيان البيت الأبيض حيث وعد أوباما نتنياهو بمعارضة جهود «الاستقرار» بإسرائيل، كما أكد البيان حرص أوباما علي أن المؤتمر الذي سيعقد تحت أشراف الأممالمتحدة يمكن فقط أن يعقد إذا ما شعرت كل الدول بأنها واثقة من المشاركة فيه ، وإلي تفهم الولاياتالمتحدة حاجات إسرائيل الأمنية الخاصة والولاياتالمتحدة لن تطلب أبداًً من إسرائيل القيام بأي خطوة من شأنها أن تمس بأمنها وتمس بمصالحها الأمنية. واستقبلت إسرائيل هذه التصريحات بترحيب كبير، علي أساس أنه يشكل دعما لأمن إسرائيل ولسياسة الغموض النووي التي تنتهجها، إضافة إلي رفض مطالب الدول العربية وغيرها بإخضاع منشآت إسرائيل لرقابة دولية والتوقيع علي معاهدة حظر نشر الأسلحة النووية. ووفقا للإذاعة الإسرائيلية العسكرية فإن إسرائيل تلقت وثيقة أمريكية تؤكد مواصلة التفاهمات الأمريكية - الإسرائيلية منذ 40 عاماً - القاضية بدعم الولاياتالمتحدة لإسرائيل في انتهاج سياسية الغموض النووي والتصدي لمحاولات دولية تسعي إلي إرغام إسرائيل علي الكشف عن قدراتها النووية. وكتبت صحيفة «إسرائيل اليوم» تقول إن نجاح الزيارة أنعكس في أربعة تصريحات للرئيس الأمريكي، منهما اثنان سياسيان هما دعم موقف نتنياهو بوجوب الانتقال إلي المفاوضات المباشرة، وإعلان أمريكي قاطع الوضوح بأن لا تغيير في موقف الإدارة الأمريكية من سياسة الغموض النووي التي تنتهجها إسرائيل». انتخابات نوفمبر الصحف الأمريكية بدورها أشارت إلي انتهازية أوباما الذي يتطلع إلي انتخابات الكونجرس في نوفمبر القادم، أو حاجته لأصوات اليهود وإلي أهمية إصلاح أي أضرار في العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية، ومساعدة إسرائيل علي الخروج من الأزمة الحالية مع المجتمع الدولي علي خلفية الاعتداءات علي قافلة اسطول الحرية، كثمن للدعم اليهودي لأوباما وحزبه في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس وحتي المواجهة مع إيران فإن الولاياتالمتحدة تضع آمالاً كبيرة علي الدور الإسرائيلي علي الرغم من إدراك أمريكا بأن إسرائيل لن تتصرف وحدها وتقوم بمهاجمة إيران فالتعاون بين البلدين أساسي لمواجهة إيران عكس الموقف مواجهة أمريكا للعراق إذ طلب من إسرائيل الابتعاد وعدم الرد علي الصواريخ التي أطلقها صدام حسين عليها في ذلك الوقت. وفي نفسه الوقت، فإن نتنياهو عاد قوياً إلي إسرائيل فلم يقدم أي تنازلات وحافظ علي ائتلافه الحاكم دون أي مشاكل ولم يغضب قادة المستوطنين واليهود المتطرفين، وأبقي حزب العمل داخل الائتلاف الحاكم بعد أن عرض المفوضات المباشرة علي الفلسطينيين كما كان حزب العمل يطالب ثمناًً لبقائه في الائتلاف الحكومي. الخيارات العربية عباس وجد نفسه في وضع صعب فهو لا يريد خسارة الرئيس أوباما ولايزال يعلق آمالاً علي قدرته في المساعدة علي قيام الدولة الفلسطينية، وهو لا يستطيع أيضا العودة إلي خيار المقاومة بأي أشكالها بعد أن تم بناء المؤسسات الفلسطينية المشئومة في الضفة والمؤهلة لقيام الدولة ولن يكون أمامه سوي قبول العودة للمفاوضات، وسط اتهامات حركة حماس له بالخيانة والتنازل عن القضية الفلسطينية وضغوط الدول العربية التي تعارض سياسته مثل سوريا وليبيا. ويأمل عباس في أن يؤدي اجتماع لجنة المبادرة العربية في 29 يوليو الحالي إلي وجود غطاء عربي له لمتابعة تلك المفاوضات ، في ظل تمسك معظم الدول العربية بالمبادرة العربية للسلام، وهو ما سيعني موافقة عربية علي عودة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة بالشروط الإسرائيلية الأمريكية، أملا في حشد كل القوي العربية والدولية للتوجه إلي مجلس الأمن بحثا عن اعتراف دولي بقيام دولة فلسطينية مستقلة في ظل الفشل المتوقع للمفاوضات القادمة.