هذا الديوان – بس مين يفهم – للشاعر مسعود شومان، يعد استمرارا للمغامرة التي خاضها الشاعر في ديوان سابق له، وهو قصيدة واحدة طويلة، مستمرة، لا يستطيع القارئ أن يتوقف ودائما يسحبك القول الشعري لنهايته، مسعود يقدم تجربة متكاملة، لا تقف عند نهاية الحواديت، لكن هذه المغامرة محفوفة بالمخاطر من حيث سعي الشاعر استلهام بنية حكائية شعبية، تجمع ما بين مقاطع سردية، ومقاطع شعرية كما هو في ألف ليلة وليلة، والنصوص دائما تجمع ما بين الرواية والشعر، لكن النظام هنا يختلف، فقد تعودنا علي أن السيرة الشعبية تدور حول بطل يتبعه الراوي الشعبي فيكون هناك محور سردي مستمر ويصبح أمام القارئ حافزا، كما أن أمام الكاتب حافزا يجعله يواصل السرد، لكن هناك أزمة الشاعر التي تستمر وتتطور وهنا المغامرة التي أحدثها مسعود، فقد حاول أن يوجد بنية سردية شعبية بعد تفريغها من المحور الخشن للدراما، فلا توجد في هذه البنية شخصية أو حدث، فأين الحافز الذي يجعل القارئ يستمر في القراءة، وهذه هي الإشكالية التي تتوالي ما بين السرد والشعر، هناك بنية مفتوحة أدت إلي اتساع لا نهائي في الأصوات التي يتشكل منها الديوان «السرد، الحكي، النثر، الشعرية، الأغنية الشعبية.. إلخ» فالبنية هي بنية انقطاع لا بنية اتصال، فالحادث في تصوري هو الرؤية التي دعت الشاعر إلي الكتابة، وهي أن الشاعر يري الأكاذيب هي التي تسود بينما الحقيقة دائما تهان بهذه الرؤية بدأ بها الشاعر والناقد محمود الحلواني الندوة التي أقامتها ورشة الزيتون مؤخرا لمناقشة أحدث ديوان للشاعر مسعود شومان وأدارها وقدم لها الروائي والأديب محمد إبراهيم طه، وشارك فيها نخبة من الشعراء والنقاد، ثم قدم الشاعر يسري حسان مداخلة حول الديوان أكد فيها أن الشاعر إذا كان علي درجة من الوعي هذا يجعله يدخل تجربة إبداعية وفي ذهنه تفاصيلها وأدواتها مسعود من هؤلاء الذين اهتموا بالصنعة، مثل فؤاد حداد حيث كان يجرب قصيدة طويلة تجمع بين الشعر والنثر والأغنية.. إلخ وهذه الصنعة لا تفسد الكتابة طالما يمتلك الشاعر موهبة ومسعود حريص علي صك قصيدته وقادر علي استيعاب نوع من القوافي التي لا يستطيع غيره أن يفهمها. عنوان الديوان هو «سؤال استنكاري»، ولم يضع علامة استفهام ما وجه الاستنكار هنا؟، لم يدلل عليه كتابة ولكن نستشعر من أشكال متعددة في الديوان. هذا الديوان مع قدرته بأنه يتماس مع الجمهور أو مع نوع معين من القرار، هو من الدواوين التي ندخلها المعمل وأقرب لطريقة جديدة، متعة في القراءة، التعرف علي إمكانيات شاعر كبير يكتب ويجرب كما أنه ديوان إشكالي وليس ديوانا عاديا، فقد نقرأ كل قصيدة علي حدة، الديوان ككل سواء من حيث الشكل الكتابي الذي قدمه الشاعر وجمع فيه أصنافا عديدة من الكتابة «الشعر، النثر، القصيدة التفصيلية، والمقفاه، الأغنية الشعبية، الحكم والأمثال» مثل هذه القصائد تحتاج لأكثر من قراءة واعية، فكلما قرأت كلما فجرت ألغاما. وفي مداخلة للباحث هشام عبدالعزيز، أفاد بأن ما طرحه مسعودمن بنية مختلفة وثرية، هذا التعدد الكبير في الأصوات، هذا البناء يأخذ ويقتبس من البناءات الكبيرة «السيرة، ألف ليلة» حاول مسعود أن يهرب من سرده الواضح والغني بأن جعل السرد موزون، وهو يختلف عن السرد الغنائي، ويأتي من الموروث الشعبي، عنده خطاب مهيمن، يريد أن يصنع ثورة، لكنه تورط في القصيدة ودخل منطقة خطرة، يريد أن يقلب المنضدة بروح الموروث الشعبي الذي يعطيه مساحة كبيرة، وهذه البنية تحقق حالة من المعرفة. وفي مداخلة ثانية للناقد والروائي سيد الوكيل، أفاد بأن مفهوم الولاية التي أخذها مسعود «بس مين يفهم» هي النزعة الصوفية، فهو يمتلك كينونة، عباءة فضفاضة، قادرة علي احتواء، ليس فقط معجم شعري وإنما معجم كوني، وهنا جمال التجربة عند مسعود ودلالته الواسعة من اللفظ، فالحجر هنا ليس فقط طوبة، وإنما هناك شكل من أشكال الرهان علي الخط، رمية الحجرة هي المراهنة الأولي التي يطلقها مسعود في هذا الديوان، وإذا قلت إنه أخذ الولاية وهو «سايب» إيده، فالولاية هنا مجاهدة وهم في المصطلح الصوفي، مسعود أخلص لبحره واشتغل علي تجربته الشعرية لدرجة أن ثوب قصيدة النثر أصبح ضيقا عليه وفتح كتابته علي مسارب متعددة والبنية عنده تقدم مجموعة خطابات متعددة، معاني وإيحاءات تربط بعضها في نسيج كرنفالي. وفي مداخلة أخيرة للشاعر والناقد شعبان يوسف.. أوضح أن هذه التجربة وتجارب مسعود السابقة تتسم بالوعي الشديد، كما فعل لويس عوض في ديوان «بروكلاند» الذي خرج منه صلاح جاهين وكان هذا الديوان بصمة ومدرسة في الأربعينيات، الوعي هنا يحكم التجربة، مسعود حاول أن يأتي من صنوف كثيرة من الشعر، يظهر في ذهني كل الذين كتبوا العامية بداية من «بيرم وبديع خيري».