نقل مقر مأموريتين للتوثيق والشهر العقاري بمحافظتي القاهرة والوادى الجديد    متحدث الأوقاف يوضح أهداف برنامج «صحح قراءتك»    البنك الأهلي يخفض أسعار الفائدة على الشهادات الإدخارية.. وهذا موعد تطبيقها    هيئة السكة الحديد تعلن متوسط تأخيرات القطارات اليوم بسبب أعمال التطوير    وزيرا التموين والتنمية المحلية يفتتحان معرض مستلزمات الأسرة بالسبتية    تراجع معظم مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الثلاثاء    حازم الجندى: إصلاح الهيئات الاقتصادية يعيد توظيف أصول الدولة    فيتو فى عددها الجديد ترصد بالأرقام سفريات وزراء حكومة ابن بطوطة خلال 2025    تشيلسي يسعى للعودة إلى الانتصارات في مواجهة بورنموث    الأهلى ينعى حمدى جمعة لاعب الفريق الأسبق بعد صراع مع المرض    قد يزامل عبد المنعم.. تقرير فرنسي: نيس دخل في مفاوضات مع راموس    ضبط بؤر إجرامية لجالبي ومتجري المواد المخدرة بعدة محافظات    محافظة الجيزة تعزز منظومة التعامل مع مياه الأمطار بإنشاء 302 بالوعة    "تبسيط التاريخ المصري القديم للناشئة" بالعدد الجديد من مجلة مصر المحروسة    فيديو.. متحدث الأوقاف يوضح أهداف برنامج «صحح قراءتك»    الرعاية الصحية تستعرض انجازاتها بمحافظات إقليم الصعيد | حصاد 2025    رئيس الوزراء يشهد فعاليات افتتاح المستشفى الجامعي بجامعة الجيزة الجديدة    الصحة تنفذ المرحلة الأولى من خطة تدريب مسؤولي الإعلام    3.4 مليون خدمة طبية بالمنشآت الطبية بمحافظة مطروح خلال عام 2025    رئيس جامعة الجيزة الجديدة: تكلفة مستشفى الجامعة تقدر بنحو 414 مليون دولار    حسام عاشور يكشف سرًا لأول مرة عن مصطفى شوبير والأهلي    بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية    وزير الري يتابع موقف مشروع تأهيل المنشآت المائية    تأجيل محاكمة 4 متهمين بإشعال النيران في أنبوبة غاز داخل مقهى بالقليوبية ل4 يناير    الهلال الأحمر المصري يطلق قافلة زاد العزة ال105 مُحملة بسلال غذائية ومواد طبية وشتوية لدعم غزة    6 جولات دولية ل أمين "البحوث الإسلاميَّة" في 2025 تعزز خطاب الوسطية    إليسا وتامر وعاشور في أضخم حفلات رأس السنة بالعاصمة الجديدة    وسط حراسة مشددة.. وصول رمضان صبحي إلى محكمة الجنايات للحكم عليه بتهمة التزوير    تعاني من مرض نفسي.. كشف ملابسات فيديو محاولة انتحار سيدة بالدقهلية    اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وشبورة كثيفة نهارا والعظمي بالقاهرة 20 درجة    تفاصيل انطلاق قافلة "زاد العزة" ال105 من مصر لغزة    أكسيوس: ترامب طلب من نتنياهو تغيير السياسات الإسرائيلية في الضفة    وزير الصحة يعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد 2026    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظة القاهرة    لهذا السبب| الناشط علاء عبد الفتاح يقدم اعتذار ل بريطانيا "إيه الحكاية!"    اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 30ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    وزير العمل يبحث تحديات صناعة الملابس والمفروشات مع اتحاد الصناعات    طريقة عمل البطاطا بالكريم بروليه، فاخرة ولذيذة وسهلة التحضير    بعد قليل.. استكمال محاكمة 32 متهما بقضية خلية الهرم    مجانًا ودون اشتراك بث مباشر يلاكووووورة.. الأهلي والمقاولون العرب كأس عاصمة مصر    القبض على المتهمين بقتل شاب فى المقطم    هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر    إصابة منصور هندى عضو نقابة المهن الموسيقية فى حادث تصادم    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارات شرقي مخيم المغازي وسط قطاع غزة    نجما هوليوود إدريس إلبا وسينثيا إيريفو ضمن قائمة المكرمين الملكية    بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين    الإمارات تدين بشدة محاولة استهداف مقر إقامة الرئيس الروسي    صندوق التنمية الحضارية: حديقة الفسطاط كانت جبال قمامة.. واليوم هي الأجمل في الشرق الأوسط    حسام عاشور: كان من الأفضل تجهيز إمام عاشور فى مباراة أنجولا    ترامب ل نتنياهو: سنكون دائما معك وسنقف إلى جانبك    الناقدة مها متبولي: الفن شهد تأثيرًا حقيقيًا خلال 2025    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    أمم إفريقيا – خالد صبحي: التواجد في البطولة شرف كبير لي    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمود إسماعيل يكتب : نحو ترشيد الإخوان المسلمين.. لماذا.. وكيف؟
نشر في الأهالي يوم 27 - 11 - 2012

كمؤرخ للتاريخ والفكر الإسلامي قديما وحديثا، وراصد لكل اتجاهات وتيارات حركات جماعات الإسلام السياسي الحديثة والمعاصرة، ومناضل وطني شديد القلق – كشأن جميع المصريين – علي مستقبل مصر الملبد بالغيوم، راودتني فكرة كتابة سلسلة مقالات تحمل هذا العنوان، هذا علي الرغم من شكوك تراودني بصدد جدواها بالنسبة لجماعة لم تراجع أفكارها التي صاغها مؤسسها ولو مرة واحدة طوال نحو ثمانين عاما.
تكمن شكوكي تلك – وترجع عدم الجدوي – لعدة أسباب نوجزها في الآتي:
أولا: أن قادة الجماعة لن يستجيبوا لأطروحة مؤرخ ومفكر يعرفون أنه ماركسي كافر – في نظرهم – برغم نصاعة أفكاره التي طرحها – في أكثر من خمسين كتابا ومئات الدراسات والمقالات في الكثير من الدوريات والصحف العربية والأجنبية.. والتي من المؤكد أنهم علي علم بها.
ثانيا: أن أطروحة تجديد الفكر الديني برغم مشروعيتها لا محل لها بالنسبة لجماعة لاقت الأمرين، منذ نشأتها وحتي قيام ثورة 25 يناير سنة 2011م، ومع ذلك نجحت بفكرها التقليدي في تحقيق هدفها الأول، وهو الوصول إلي الحكم، فلماذا الترشيد والتجديد إذن؟ ولماذا يطرح هذا الماركسي دعوته تلك، إلا أن يكون حاقدا يروم كيدا في أطروحة «حق يراد به باطل»؟
ثالثا: أن معتقدات الجماعة تحولت – عبر ثمانين عاما – إلي «دوجما» دينية لا يأتيها الباطل لا لشيء إلا لاعتقادهم بأنها هي الإسلام نفسه، عقيدة وشريعة ونمط حياة، ومن ثم، يصبح التجديد خروجا علي الدين، قبل كونه خروجا علي الجماعة، وحسبنا التنويه بمصير بعض أعضاء الجماعة – من الإصلاحيين ليس إلا – سواء إبان حياة «الإمام المؤسس، أو قبل وإبان وقائع ثورة 25 يناير، لم يكن هذا المصير إلا «الشلح» و«الخلع» باعتبارهم «خوارج» علي «المرشد»، ولي الأمر الذي تجب طاعته، حتي لو كانت تلك الطاعة عمياء!!، وقد تعاظم هذا المعتقد – الموروث عن «فقهاء السلطان» في عصور الظلام – باعتباره كان ولايزال «صمام الأمان» الوحيد الحافظ لكيان الجماعة من آفة التشرذم والفرقة.. بل إنه – الآن – هو سر براعة الجماعة في الحشد والتجييش الذي تشهد عليه «مليونيات التحرير»، الأمر الذي يثير دهشة جميع القوي الوطنية الأخري، وحدها في آن.
رابعا: ما يعرفه الجميع عن حقيقة كون قيادات الجماعة الحاليين من «التيار القطبي» المتطرف، ولن نخوض في هوية هذا التيار العقدية، كالتكفير، و«الجاهلية الثانية»، والتطبيق الحرفي لأحكام الشريعة، وإحياء الخلافة.. إلخ من «اليوتوبيات» وأحلام اليقظة، ما يعنينا هو هيمنة تلك القيادات التي تشكل كتلة متجانسة متماسكة، نتيجة كونها «عصبية» – بالمعني الخلدوني – قوامها «المصاهرات» و«أعمال البيزنس» لذلك لا نبالغ إذا حاولنا تطبيق نظرية ابن خلدون بصدد «الدعوة الدينية والعصبية الإثنية» كشرطين ضروريين لتأسيس الدولة، وفقا لتلك النظرية لا يمكن زحزحة القيادات القطبية لجماعة الإخوان المسلمين إلا بعد استنفاد مكامن قوتها عن طريق الإسراف والشطط في حياة الثراء والبذخ، ولا غرو، فالرحلات «المكوكية» بين قادة «البيزنيس» مع دول «البترو – دولار» حديث الخاصة والعامة.
ليس أدل علي نجاح التيار القطبي في الهيمنة علي مقاليد أمور الجماعة – بل والدولة – من «التمكين» لأفرادها من تولي المناصب العليا والحساسة للإمساك بمفاصل الدولة، كذا كبح جماح التيار الإصلاحي داخل الجماعة إما بالطرد أو بالحيلولة دون وصول بعض أفراده إلي تلك المناصب، برغم كفاءاتها واستنارتهم وبلائهم في خدمة الجماعة نفسها، وما جري من تنافس حول منصب رئاسة حزب الجماعة السياسي، مصداق ذلك.
مع ذلك كله – وغيره كثير لا يتسع المجال لسرده – يحدونا بصيص من الأمل في جدوي ما نكتب، للأسباب التالية:
أولا: أن التجديد – عموما – أهم قوانين الحياة التي هي في تطور دائم ومستمر، وقديما قال أحد الفلاسفة في ذلك: «إنك لا تستطيع أن تضع قدمك في النهر مرتين»، كناية عن تجدد مياهه، وإلا صار أسنا وفاسدا ومفسدا لمن يشربها، قد يحاجج البعض في ذلك القانون المتعلق بصيرورة الحياة لا ينطبق علي أحكام الدين المطلقة، نرد علي الحجة هاته بأن الله – سبحانه وتعالي – قال في كتابه العزيز: «كل يوم هو في شأن» وضرب المثل في شرعه بآيات «الناسخ والمنسوخ»، بل ورد في السنة النبوية ما يؤكد أن «الله يبعث علي رأس كل مائة عام من يجدد للأمة أمور دينها»، وإذا كان ذلك كذلك، فأجدي بمنظري الجماعة أن يجددوا «تابوتهم» اللامقدس، بل هو اجتهاد إمام صاغ أفكار الجماعة من أجل «الدعوة»، لا الدولة، وهو ما أكده مرشد الجماعة من بعده في كتابه: «دعاة لا قضاة».
لست بحاجة إلي إثبات حقيقة إقدام كل الفرق والمذاهب الإسلامية، – سواء في أصول الفقه أو في أصول الدين – علي تجديد معتقداتها، بتغييرات الزمان والمكان، ومن ثم الظروف، أما الفرق والمذاهب التي جمعت بين الدين والسياسة – كجماعة الإخوان المسلمين التي اعترفت بذلك أخيرا بعد طول إنكار – فثمة فروق جوهرية بين معتقداتها في طور «الستر» ونظيرتها في طور «الظهور»، إذ غلب عليها التطرف والإقصاء وحتي تكفير الخصوم في طور «الستر»، كنتيجة لما عانته من اضطهاد ومطاردات، وحين تحولت إلي طور «الظهور»، فقامت بالثورات التي توجت – أحيانا بتأسيس الدول، جددت معتقداتها، فمالت إلي الاعتدال، واتخذت طابعا عمليا، لا إيديولوجيا، وحادت عن تكفير الخصوم، وحتي التي قالت بالتكفير، فكان «كفر نعمة»، لا «كفرملة»، كما هو حال الخوارج، علي سبيل المثال، أما تلك التي استمسكت بمعتقداتها السالفة، فقد انقرضت وذوت، واختفت كلية من التاريخ.
ثانيا: أن تاريخ المذاهب الإسلامية في العصر الحديث يشهد علي دعوات التجديد والإصلاح، دون أن يكون في ذلك خروج علي الدين البتة، وحسبنا التنويه بدعوات الشيخ حسن الخشاب، والطهطاوي، والأفغاني، ومحمد عبده، وحتي رشيد رضا – مرجعية المرحوم حسن البنا – ومحمد إقبال، والخميني، وعلي شريعتي، وحسن حنفي، ومحمد عابد الجابري، وكاتب المقال.
بل إن مفكرا إسلاميا مرموقا – د. أحمد كمال أبوالمجد – دعا في كتابه «حوار لا مواجهة» إلي «ترشيد» الفكر الديني المعاصر – بكل أطيافه – باعتبار ذلك أمرا حتميا فرضته معطيات الواقع المتجدد.
ثالثا: أهم من ذلك كله، ما أثبتته تجربة جماعة الإخوان المسلمين من معطيات – إبان ثورة 25 يناير وبعد وصولهم إلي الحكم – من وجود تيار إصلاحي تجديدي داخل الجماعة فطن إلي تلك المعطيات ونبه إلي مزالق ومغبات الجمود والإجحام عن التجديد، وإذ جري لفظه وطرده من الجماعة، فقد سرت أفكاره في الكثيرين من شبابها الواعي الذي لم يدخر وسعا في إعلان التمرد والخروج عن فكرها التقليدي المتحجر.
رابعا: الأنكي، هو ما نشهده الآن من نتائج سلبية حلت بالجماعة وحزبها، من جراء سلوكيات القادة التي عكست إديولوجيتها «الثابتة»، ضاربة عرض الحائط بمحاولات الترشيد والتجديد، وحسبنا التنويه بأن تلك السلوكيات.. خصوصا ما يتعلق بالمناورات الساذجة والمضي قدما في سياسة «التمكين» والإقصاء والهيمنة – عزلت الجماعة وحزبها عن كل القوي الوطنية، لتلعب في الساحة بمفردها، والأنكي يتمثل في فقدان التأييد الجماهيري – بعد خداعه – نتيجة الوعي السياسي الذي أفرزته الثورة والثوار، ولم يفطن إلي خطورته قادة الجماعة من القطبين.
نختتم هذا المقال بنص لابن خلدون، بالغ الدلالة علي تلك الحقيقة المؤسفة، إذ ذكر في مقدمته تحت عنوان: «فصل في كون رجال الدين أبعد الناس عن السياسة»، نجتزئ منه قوله: «.. ومن هذا الباب، أحوال القائمين بتغيير المنكر من الفقهاء والعامة، فإن كثيرا من المنتحلين للعبادة وسلوك طرق الدين يذهبون إلي القيام علي أهل الجور داعين إلي تغيير المنكر والنهي عنه.. فيكثر أتباعه والمتلثلثون بهم من الغوغاء والدهماء، فيعرضون أنفسهم في ذلك للمهالك!!»، وهو ما سنعرض له في المقالات التالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.