عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخروج إلي النهار
المنشقون عن الإخوان يتطهرون بكتابة ذكرياتهم عن التنظيم
نشر في أخبار الأدب يوم 02 - 06 - 2012


لم تكن ثورة 25 يناير، إيذانا بخروج الشعب
المصري علي الحكم الشمولي، والسلطة الأبوية
القمعية للنظام السابق فقط، بل كانت أيضا إيذانا
لخروج قواعد، وقيادات إحدي أكبر وأقدم الجماعات
السياسية في مصر، جماعة الإخوان المسلمين، علي سلطتها
الأبوية، والقمعية أيضا، وتفتح الباب واسعا لخروج شبه جماعي،
من شباب عرف طريقه في ميدان التحرير إلي مغزي الاختلاف السياسي،
وقيادات أدركت أن الطريق أصبح مفتوحا أمامها لتصنع مشاريعها الخاصة،
بعد أن فشلت في حصد مكاسب تليق بما قدمته للجماعة.
يمكن إذن القول إن الثورة علي النظام السابق في الدولة المصرية، تزامنت معها ثورة أخري، علي النظام القديم في جماعة الإخوان المسلمين، التي تمتد أصابعها في 82 دولة حول العالم، وضد سيطرة التيار القطبي، المتشدد علي الأمور في مكتب الإرشاد، ضد التيار الإصلاحي الذي كان يقوده نائب المرشد السابق الدكتور محمد حبيب، الذي أطيح به من المنصب الذي كان قاب قوسين أو أدني منه، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، أحد المشاركين في التأسيس الثاني للجماعة في السبعينيات، والذي وجد أن مشروعه الخاص قد يستطيع أن يستوعب أحلامه التي ضاقت بها أفكار سيد قطب التي تحيط بعقول مكتب إرشاد الجماعة العتيقة.
لم يكن الخروج خروج القيادات الإصلاحية التي يئست من الإصلاح في الجماعة فقط، بل كان خروجا لجزء مهم ومؤثر من قواعد الجماعة وشبابها، وجدوا أن الجماعة لا تتواصل معهم، ولا تستمع إليهم، كما وجدوا أن لديهم عقولاً تفكر، ولا تستجيب "للسمع والطاعة"، بشكل آلي، وربما يكون هذا هو ما يجمع كل من خرجوا، ومن الممكن القول إن إرهاصات هذا الخروج الشبابي، تجلت مع ظهور الفضاء التدويني قبل سبع سنوات، وانتشاره في مصر، ولجوء شباب الجماعة إلي نشر أفكارهم في مدونات تخصهم، يصطدمون فيها بالبيعة، ويختلفون فيها مع "السمع والطاعة"، لكن التحول الأعظم لدي هؤلاء الشباب، الذين خلقوا صوتا إليكترونيا لهم، يثير القلق داخل أجهزة الأمن، وداخل مكتب الإرشاد أيضا، كان في ميدان التحرير، في ال 18 يوما المجيدة، حينما اكتشفوا أن هناك أصواتا أخري تستحق أن تسمع، وأن اليساريين ليسوا كفارا، وأن الناصريين لن يعذبوهم كما فعل عبد الناصر، وأن النقاش طريق طويل، لكنه ينتهي بالاقتناع، لا بالإذعان.
ما أريد قوله إن الثورة التي تفجرت داخل الجماعة، مرت بنفس المراحل التي مرت بها الثورة في مصر، منذ الالتفاف حول فضاء إليكتروني، وتلاقي الأصوات المعارضة التي تلتقي علي معني واحد، انتهاء بالميدان، الذي كما خرجت منه عشرات الائتلافات، والتيارات السياسية، خرجت منه أيضا حركات إخوانية مناوئة، وأحزاب خلعت زي الإخوان، وارتدت زي الإسلام الوسطي.
شباب الإخوان الخارجون، اختاروا أن يؤسسوا حزبا باسم "التيار المصري"، ضم عددا من شباب الثورة ذوي الميول الإسلامية، وبعض الخارجين عن طوع الجماعة، مثل معاذ عبد الكريم وأسماء محفوظ وعبد الرحمن فارس وإسلام لطفي، وقيادات الجماعة اختارت أن تؤسس حزبا باسم "حزب النهضة"، انضم إليه الدكتور محمد حبيب، والمهندس إبراهيم الزعفراني، فيما التف حزب الوسط، أول الأحزاب المنشقة عن الجماعة، قبل 17 عاما، وأول الأحزاب المشهرة بعد الثورة، أن يلتف حول تجربة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في الترشح للرئاسة.
من المهم هنا الإشارة إلي أن عددا كبيرا من الرافضين للجماعة، وطريقتها الأبوية القمعية، مازالوا مستمرين داخلها، وسط تهديدات بفصلهم، ولعل التاريخ القريب يذكر لنا تلك الوقفة التي نظمتها جماعة "صيحة إخوانية"، بقيادة محمد عبد الهادي، زوج ابنة خيرت الشاطر، ضد ترشح "حماه"، لرئاسة الجمهورية، قبل استبعاده، من اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة، لكن ما كشف الأزمة التي تعيشها الجماعة مع قواعدها كان قرار الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عندما قرر قبل عام الترشح للرئاسة، بالمخالفة لقرار الجماعة، ورغبة عدد كبير من شباب الجماعة في دعمه، وتهديدهم بالفصل من مكتب الإرشاد، وهو الأمر الذي كان أحد أسباب دفع الجماعة بمرشح منها.
لكن الأمر لا يمكن تبسيطه بهذا الشكل المخل، فأحد أسباب خروج عبد المنعم أبو الفتوح من الجماعة، هو صراع الإصلاحي والرأسمالي علي مستقبل الجماعة وعلي قراراتها، وأقصد بهما، أبو الفتوح كإصلاحي، والشاطر كرجل أعمال، يستطيع أن يدير مكتب الإرشاد، ويحركه، بل ويتدخل لاختيار 30 في المائة من مجلس شوري الجماعة يصوتون لصالح قراراته، مستغلا في ذلك نفوذه المالي الكبير، وميله إلي الجناح القطبي، الذي عاد أواخر الثمانينات، بعد رحيل مرشد الجماعة عمر التلمساني، ليسيطر علي الجماعة.
الملاحظة الأساسية، التي يمكن اكتشافها في الخارجين من الجماعة عقب الثورة، سواء كانوا من القيادات أو من الشباب، هو لجوؤهم إلي كتابة مذكراتهم، التي يرون فيها تجاربهم المريرة مع الجماعة، ويفتحون صندوقهم الأسود للقارئ ليعرف ما يدور في دهاليز الجماعة التي تخفيها منذ 84 عاما.
لم يكن موضوع كتابة المذكرات، وفضح ما يدور في كواليس التنظيم معروفا قبل الثورة، وربما يمكن عد الكتب التي فعلت ذلك علي أصابع اليد، وإن جاء بعضها انتقاميا، مثل كتاب المحامي الإخواني السابق، ثروت الخرباوي، والذي حمل اسم "من قلب الإخوان محاكم تفتيش الجماعة"، والذي نشره قبل الثورة بأشهر قليلة وتحدث فيه عن أن جماعة الإخوان تحولت إلي مُحطم للشباب، وتكبلهم بالإداريات التي تشل حركتهم وتقتل الإبداع داخلهم، وأصبح التنظيم بسبب قيوده سجنا لأعضائه، وصار جمهور السلفيين أكبر من جمهور الإخوان ثلاثة أضعاف، وأن الجماعة تحولت إلي كيان طارد، وانتهت إلي معهد كهنوتي يسيطر عليه القطبيون الذين تسببوا في قلب الجماعة الدعوية التي أسسها حسن البنا إلي جماعة أخري لا يعرفها أحد غير القائمين علي مقاليد الأمور فيها.
كتاب الخرباوي الذي يروي فيه تجربته الشخصية مع الجماعة، يشن هجوما كاسحا علي الجماعة، وعلي قادتها، لكن الملاحظة الأساسية في هذا الكتاب، وفي الكتب التي صدرت بعد الثورة لخوارج الجماعة، أو حتي في تصريحاتهم الصحفية عن أسباب الانشقاق أن الخلاف في كل هذا هو خلاف إداري مع قادة الجماعة، ومكتب إرشادها، وليس خلافا فكريا، بمعني أن كل الخارجين لا يزالون يدينون بالولاء لأفكار الشيخ حسن البنا، ويقدسونها، ويرون أن المشكلة أن الجماعة لم تحسن تطبيقها، وأنها خرجت عن الطريق، ولعل هذا يكشف السبب الذي دفع عددا من خوارج الجماعة أخيرا، إلي تأسيس جمعية باسم "جماعة الإخوان"، تستعيد أفكار البنا وتطبقها مرة أخري.
أبرز الكتب الاعترافية التي صدرت، هو كتاب "ذكريات محمد حبيب عن الحياة والدعوة والسياسة والفكر"، والذي صدر أخيرا عن دار الشروق، وإن كان يبدو فيه أنه يبكي علي الأطلال، وعلي الدعوة التي سلبت، وأيضا كتاب "عبد المنعم أبو الفتوح شاهد علي تاريخ الحركة الإسلامية في مصر"، والذي حرره الباحث الراحل حسام تمام، وقدم له الدكتور طارق البشري، وصدر عن نفس الدار، والكتاب وإن كان لا يوضح فيه اصطدام أبو الفتوح بمكتب الإرشاد الحالي، لأنه ينتهي زمنيا في التسعينيات، إلا أنه يوضح دوره الإصلاحي، في بناء الجماعة قبل اغتيال السادات، وبعد حادث المنصة.
الشباب يبدون أصحاب الحظ الأوفر في النقد والصراحة، وهو ما فعله الكاتب الشاب أسامة درة، عندما أصدر كتابيه "من الإخوان إلي التحرير"، ثم "من داخل الإخوان أتحدث"، وقدم نقدا لتجربة تعامل الجماعة مع قواعدها، وهو أيضا يشبه العتاب الخفيف الذي قدمه أحمد العجوز في كتابه "إخواني أوت أوف ذا بوكس".
لكن من التجارب المهم ذكرها هنا، كتاب "حكايتي مع الإخوان"، للروائية انتصار عبد المنعم والذي صدر أخيرا عن هيئة الكتاب، والذي تقدم فيه تجربتها مع الجماعة منذ تجنيدها، حتي تركها، رغم ما تعرضت له من تخوين وتكفير، ومن المهم هنا أن نذكر ما قاله أحد أعضاء مكتب الإرشاد تعليقا علي خروج بعض أعضائها "الجماعة تطرد خبثها"، وهو ما يكشف إلي حد كبير كيف يتعامل التنظيم مع الخارجين، أو المارقين، وما يفسر أيضا سر المرارة التي يشعر بها، من قرروا الخروج إلي النهار.
شهدت الجماعة علي مر تاريخها خروج الكثيرين بداية من عبد الرحمن السندي، صديق البنا والذي أسس التنظيم الخاص، مرورا بأحمد السكري، وجماعة شباب محمد، وانتهاء بأبو العلا ماضي، وعصام سلطان وأبو الفتوح وهيثم أبو خليل وعبد الجليل الشرنوبي وحبيب، لكن تبدو الإشكالية الأكبر أن الجماعة بعد أن خرجت من طور العمل السري إلي طور العمل العام، أصبحت كتابا يجب أن يكون مفتوحا أمام الجميع، وتأسيسها لحزب حمل اسم الحرية والعدالة، يستوجب عليها أن تتخلص من الفكر التنظيمي الحركي للجماعة، وأن تدخل في التنظيم السياسي، وهو ربما ما لن يحدث، لأن الجماعة لم تزل تحلم ب "أستاذية العالم"، كما تخيلها حسن البنا.
بعض كتاب الخارجين من الإخوان تأتي علي سبيل التطهر، أو إبراء الذمة، أو بحسب تعبير أسامة درة "كتبت لأستريح"، لكنها تكشف جانبا مهما من التكوين التنظيمي للجماعة التي لعبت دورا مؤثرا في دراما السياسة في مصر، طوال ال 84 عاما الماضية، لكن يبدو أن القادم أكثر دراماتيكية.يمكن إذن القول إن الثورة علي النظام السابق في الدولة المصرية، تزامنت معها ثورة أخري، علي النظام القديم في جماعة الإخوان المسلمين، التي تمتد أصابعها في 82 دولة حول العالم، وضد سيطرة التيار القطبي، المتشدد علي الأمور في مكتب الإرشاد، ضد التيار الإصلاحي الذي كان يقوده نائب المرشد السابق الدكتور محمد حبيب، الذي أطيح به من المنصب الذي كان قاب قوسين أو أدني منه، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، أحد المشاركين في التأسيس الثاني للجماعة في السبعينيات، والذي وجد أن مشروعه الخاص قد يستطيع أن يستوعب أحلامه التي ضاقت بها أفكار سيد قطب التي تحيط بعقول مكتب إرشاد الجماعة العتيقة.
لم يكن الخروج خروج القيادات الإصلاحية التي يئست من الإصلاح في الجماعة فقط، بل كان خروجا لجزء مهم ومؤثر من قواعد الجماعة وشبابها، وجدوا أن الجماعة لا تتواصل معهم، ولا تستمع إليهم، كما وجدوا أن لديهم عقولاً تفكر، ولا تستجيب "للسمع والطاعة"، بشكل آلي، وربما يكون هذا هو ما يجمع كل من خرجوا، ومن الممكن القول إن إرهاصات هذا الخروج الشبابي، تجلت مع ظهور الفضاء التدويني قبل سبع سنوات، وانتشاره في مصر، ولجوء شباب الجماعة إلي نشر أفكارهم في مدونات تخصهم، يصطدمون فيها بالبيعة، ويختلفون فيها مع "السمع والطاعة"، لكن التحول الأعظم لدي هؤلاء الشباب، الذين خلقوا صوتا إليكترونيا لهم، يثير القلق داخل أجهزة الأمن، وداخل مكتب الإرشاد أيضا، كان في ميدان التحرير، في ال 18 يوما المجيدة، حينما اكتشفوا أن هناك أصواتا أخري تستحق أن تسمع، وأن اليساريين ليسوا كفارا، وأن الناصريين لن يعذبوهم كما فعل عبد الناصر، وأن النقاش طريق طويل، لكنه ينتهي بالاقتناع، لا بالإذعان.
ما أريد قوله إن الثورة التي تفجرت داخل الجماعة، مرت بنفس المراحل التي مرت بها الثورة في مصر، منذ الالتفاف حول فضاء إليكتروني، وتلاقي الأصوات المعارضة التي تلتقي علي معني واحد، انتهاء بالميدان، الذي كما خرجت منه عشرات الائتلافات، والتيارات السياسية، خرجت منه أيضا حركات إخوانية مناوئة، وأحزاب خلعت زي الإخوان، وارتدت زي الإسلام الوسطي.
شباب الإخوان الخارجون، اختاروا أن يؤسسوا حزبا باسم "التيار المصري"، ضم عددا من شباب الثورة ذوي الميول الإسلامية، وبعض الخارجين عن طوع الجماعة، مثل معاذ عبد الكريم وأسماء محفوظ وعبد الرحمن فارس وإسلام لطفي، وقيادات الجماعة اختارت أن تؤسس حزبا باسم "حزب النهضة"، انضم إليه الدكتور محمد حبيب، والمهندس إبراهيم الزعفراني، فيما التف حزب الوسط، أول الأحزاب المنشقة عن الجماعة، قبل 17 عاما، وأول الأحزاب المشهرة بعد الثورة، أن يلتف حول تجربة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في الترشح للرئاسة.
من المهم هنا الإشارة إلي أن عددا كبيرا من الرافضين للجماعة، وطريقتها الأبوية القمعية، مازالوا مستمرين داخلها، وسط تهديدات بفصلهم، ولعل التاريخ القريب يذكر لنا تلك الوقفة التي نظمتها جماعة "صيحة إخوانية"، بقيادة محمد عبد الهادي، زوج ابنة خيرت الشاطر، ضد ترشح "حماه"، لرئاسة الجمهورية، قبل استبعاده، من اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة، لكن ما كشف الأزمة التي تعيشها الجماعة مع قواعدها كان قرار الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عندما قرر قبل عام الترشح للرئاسة، بالمخالفة لقرار الجماعة، ورغبة عدد كبير من شباب الجماعة في دعمه، وتهديدهم بالفصل من مكتب الإرشاد، وهو الأمر الذي كان أحد أسباب دفع الجماعة بمرشح منها.
لكن الأمر لا يمكن تبسيطه بهذا الشكل المخل، فأحد أسباب خروج عبد المنعم أبو الفتوح من الجماعة، هو صراع الإصلاحي والرأسمالي علي مستقبل الجماعة وعلي قراراتها، وأقصد بهما، أبو الفتوح كإصلاحي، والشاطر كرجل أعمال، يستطيع أن يدير مكتب الإرشاد، ويحركه، بل ويتدخل لاختيار 30 في المائة من مجلس شوري الجماعة يصوتون لصالح قراراته، مستغلا في ذلك نفوذه المالي الكبير، وميله إلي الجناح القطبي، الذي عاد أواخر الثمانينات، بعد رحيل مرشد الجماعة عمر التلمساني، ليسيطر علي الجماعة.
الملاحظة الأساسية، التي يمكن اكتشافها في الخارجين من الجماعة عقب الثورة، سواء كانوا من القيادات أو من الشباب، هو لجوؤهم إلي كتابة مذكراتهم، التي يرون فيها تجاربهم المريرة مع الجماعة، ويفتحون صندوقهم الأسود للقارئ ليعرف ما يدور في دهاليز الجماعة التي تخفيها منذ 84 عاما.
لم يكن موضوع كتابة المذكرات، وفضح ما يدور في كواليس التنظيم معروفا قبل الثورة، وربما يمكن عد الكتب التي فعلت ذلك علي أصابع اليد، وإن جاء بعضها انتقاميا، مثل كتاب المحامي الإخواني السابق، ثروت الخرباوي، والذي حمل اسم "من قلب الإخوان محاكم تفتيش الجماعة"، والذي نشره قبل الثورة بأشهر قليلة وتحدث فيه عن أن جماعة الإخوان تحولت إلي مُحطم للشباب، وتكبلهم بالإداريات التي تشل حركتهم وتقتل الإبداع داخلهم، وأصبح التنظيم بسبب قيوده سجنا لأعضائه، وصار جمهور السلفيين أكبر من جمهور الإخوان ثلاثة أضعاف، وأن الجماعة تحولت إلي كيان طارد، وانتهت إلي معهد كهنوتي يسيطر عليه القطبيون الذين تسببوا في قلب الجماعة الدعوية التي أسسها حسن البنا إلي جماعة أخري لا يعرفها أحد غير القائمين علي مقاليد الأمور فيها.
كتاب الخرباوي الذي يروي فيه تجربته الشخصية مع الجماعة، يشن هجوما كاسحا علي الجماعة، وعلي قادتها، لكن الملاحظة الأساسية في هذا الكتاب، وفي الكتب التي صدرت بعد الثورة لخوارج الجماعة، أو حتي في تصريحاتهم الصحفية عن أسباب الانشقاق أن الخلاف في كل هذا هو خلاف إداري مع قادة الجماعة، ومكتب إرشادها، وليس خلافا فكريا، بمعني أن كل الخارجين لا يزالون يدينون بالولاء لأفكار الشيخ حسن البنا، ويقدسونها، ويرون أن المشكلة أن الجماعة لم تحسن تطبيقها، وأنها خرجت عن الطريق، ولعل هذا يكشف السبب الذي دفع عددا من خوارج الجماعة أخيرا، إلي تأسيس جمعية باسم "جماعة الإخوان"، تستعيد أفكار البنا وتطبقها مرة أخري.
أبرز الكتب الاعترافية التي صدرت، هو كتاب "ذكريات محمد حبيب عن الحياة والدعوة والسياسة والفكر"، والذي صدر أخيرا عن دار الشروق، وإن كان يبدو فيه أنه يبكي علي الأطلال، وعلي الدعوة التي سلبت، وأيضا كتاب "عبد المنعم أبو الفتوح شاهد علي تاريخ الحركة الإسلامية في مصر"، والذي حرره الباحث الراحل حسام تمام، وقدم له الدكتور طارق البشري، وصدر عن نفس الدار، والكتاب وإن كان لا يوضح فيه اصطدام أبو الفتوح بمكتب الإرشاد الحالي، لأنه ينتهي زمنيا في التسعينيات، إلا أنه يوضح دوره الإصلاحي، في بناء الجماعة قبل اغتيال السادات، وبعد حادث المنصة.
الشباب يبدون أصحاب الحظ الأوفر في النقد والصراحة، وهو ما فعله الكاتب الشاب أسامة درة، عندما أصدر كتابيه "من الإخوان إلي التحرير"، ثم "من داخل الإخوان أتحدث"، وقدم نقدا لتجربة تعامل الجماعة مع قواعدها، وهو أيضا يشبه العتاب الخفيف الذي قدمه أحمد العجوز في كتابه "إخواني أوت أوف ذا بوكس".
لكن من التجارب المهم ذكرها هنا، كتاب "حكايتي مع الإخوان"، للروائية انتصار عبد المنعم والذي صدر أخيرا عن هيئة الكتاب، والذي تقدم فيه تجربتها مع الجماعة منذ تجنيدها، حتي تركها، رغم ما تعرضت له من تخوين وتكفير، ومن المهم هنا أن نذكر ما قاله أحد أعضاء مكتب الإرشاد تعليقا علي خروج بعض أعضائها "الجماعة تطرد خبثها"، وهو ما يكشف إلي حد كبير كيف يتعامل التنظيم مع الخارجين، أو المارقين، وما يفسر أيضا سر المرارة التي يشعر بها، من قرروا الخروج إلي النهار.
شهدت الجماعة علي مر تاريخها خروج الكثيرين بداية من عبد الرحمن السندي، صديق البنا والذي أسس التنظيم الخاص، مرورا بأحمد السكري، وجماعة شباب محمد، وانتهاء بأبو العلا ماضي، وعصام سلطان وأبو الفتوح وهيثم أبو خليل وعبد الجليل الشرنوبي وحبيب، لكن تبدو الإشكالية الأكبر أن الجماعة بعد أن خرجت من طور العمل السري إلي طور العمل العام، أصبحت كتابا يجب أن يكون مفتوحا أمام الجميع، وتأسيسها لحزب حمل اسم الحرية والعدالة، يستوجب عليها أن تتخلص من الفكر التنظيمي الحركي للجماعة، وأن تدخل في التنظيم السياسي، وهو ربما ما لن يحدث، لأن الجماعة لم تزل تحلم ب "أستاذية العالم"، كما تخيلها حسن البنا.
بعض كتاب الخارجين من الإخوان تأتي علي سبيل التطهر، أو إبراء الذمة، أو بحسب تعبير أسامة درة "كتبت لأستريح"، لكنها تكشف جانبا مهما من التكوين التنظيمي للجماعة التي لعبت دورا مؤثرا في دراما السياسة في مصر، طوال ال 84 عاما الماضية، لكن يبدو أن القادم أكثر دراماتيكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.