لم يسخر أحد من الكسندرا في مصر، بل علي العكس كانت حالة الكرب أو اليأس التي تبدو عليها تثير تعاطفهم وكانوا دائما ما يتوقفون ليسألوها إذا ما كانت تريد أي مساعدة، كان هذا هو الفارق بين مجتمع هو في أساسه شرق أوسطي بالرغم من تاريخه الطويل مع الاحتلال ومجتمع في أساسه غربي. هكذا عبرت «لوسيتا ليتادو» مؤلفة كتاب «وقائع خروج أسرة يهودية من مصر» والذي يعتبر سيرة ذاتية تروي فيه قصة حياتها. عبرت علي ظهر الكتاب عن «رحمة» المصريين كما أطلقت عليها في تعاملهم مع جدتها المريضة عقليا لتفرق بين مصر وإسرائيل في الخمسينيات حيث أبناء جلدتها يظهرون لها عطفا أقل كثيرا مما كان يظهره لها العرب. كان الكتاب محل نقاش الندوة التي نظمتها «دار الطناني» للنشر بمقر حزب التجمع «مكتبة خالد محيي الدين» منذ أيام والتي أدارتها فريدة النقاش وتحدثت فيها الكاتبة أمينة شفيق ومحمد حسنين يونس مقدما الكتاب. في البداية أكدت فريدة النقاش أن الكتاب يمثل أنشودة الحنين التي تروي وجود اليهود في مصر وخروجهم وذكرياتهم داخل مصر. وأضافت أن آخر ما عبر عن تلك الأنشودة وهذا التمسك والحنين لمصر كان فيلم داود عبدالسيد «رسائل البحر» والذي وصف الإسكندرية بالمدينة العالمية علي الرغم من أنه لم يوضح إذا كانت الشخصيات المهاجرة منها والتي مثلتها «نبيهة لطفي» هل هم يهود أم لا ولكنهم يهاجرون الإسكندرية لتوحش الرأسمالية نتيجة التغير العنيف الذي أطاح بالمجتمع المصري. وتذكرت النقاش مجموعة القصص التي كتبها إبراهيم أصلان بعنوان «خلوة الغلبان» والتي تحكي قصة المصري اليهودي الذي عاش وولد في قرية خلوة الغلبان بالمنصورة «جاك حسون» وسافر لإسرائيل وقد مات مغتربا بعد كتابة الرواية بالفعل، وأيضا قصة حياة هنري كوريال وخروج الأربعينيات والخمسينيات تحت زعم نشأة إسرائيل. واعتبرت «النقاش» «وقائع خروج أسرة يهودية» يمثل تاريخا اجتماعيا ولكنه ناقص وحيد الجانب لأنه بالرغم من عذوبة كتابته والشعر الذي حفلت بها سطوره فإنه تحدث عن نشوء إسرائيل وكأنه واقعة طبيعية من أمور الحياة وليس واقعة اقتلاع شعب بالإضافة إلي أنه تحدث بإعجاب شديد عن الاحتلال الإنجليزي لمصر وجنوده ولم يشر للكفاح المسلح للمصريين ضد هذا الاحتلال. ولم يشر إلي الحركة الصهيونية وهو ما اعتبرته «النقاش» نقصا، أما الكاتبة أمينة شفيق فقالت إن الكتاب أخذها لرحلة داخل الطفولة وصداقتها بصديقيها اليهوديين وفكرة التعددية الدينية للمجتمع البرولتاري المصري في تلك الفترة، فاعتبرته يناقش قضية المواطنة والمساواة أمام القانون واصفة إياه ب «الحالة» التي عبرت عنها الكاتبة اليهودية، وأضافت شفيق أن النظام المصري في تلك الفترة لم ينتبه لما يحدث من محاولات تهجير اليهود من مصر وخلق ظروف مساعدة علي هذا وبالتالي فقدت مصر كتلة بشرية بالإضافة إلي وجود إسرائيل كدولة استيطانية أدي لهذا الخروج. ورأت أن الكتاب يمكن من خلاله استخلاص مادة ثرية للعلاقات الاجتماعية في ذلك الوقت خاتمة قولها بأن الحياة ليست دينا فقط بل هي أكبر من هذا. أما محمد حسين يونس مقدم الكتاب وصاحب التعليق فرآه عملا فنيا لا تاريخيا ربطت فيه الكاتبة بين الخروج الأول لموسي - عليه السلام- والخروج الثاني لوالدها «ليون» وخلقت حالة من التأليف لتؤكد قرب والدها من المجتمع المصري، كما يشبه قرب موسي - عليه السلام- أيضا، وقدمت صورة لنسيج المجتمع المصري وقتها من خلال تشابه احتفالات الأعياد بما فيها انتظار فتح السماء لقبول الدعوات، واعتبره تجربة إنسانية تستحق الاهتمام. فيما رأي سمير غطاس في مداخلته عن الكتاب أننا في مصر بحاجة إلي إعادة تعريف عملية التطبيع حتي لا نخلط الأمور بين معرفة ثقافتهم وبين التطبيع مع إسرائيل واستشهد بما حدث ليسري نصرالله في فيلمه «باب الشمس» الذي اعتبر وثيقة فلسطينية مهمة تفضح «النكبة» وبالرغم من ذلك كثير من المثقفين المصريين رفضه ورفض اعتذار الناشر في بداية الكتاب لأنه لا يتناسب مع الثقافة السائدة لترجمة كاتبة يهودية.