عنف التصورات والأفعال اختارت الدكتورة «مشيرة خطاب» يوم 14 يونية من كل عام يوما لمناهضة ختان الإناث في ذكري «بدور» فتاة «المنيا» التي لقيت حتفها بعد أن أجرت لها طبيبة عملية ختان قبل سنوات. والختان هو شكل واحد من أشكال العنف ضد النساء الذي هو جسدي ونفسي، اقتصادي وسياسي، وعلينا إزاء العنف السياسي ألا ننسي أبدا أن زميلة صحفية هي «نوال محمد علي» قد تعرضت - لأنها امرأة - لعنف الشرطة أمام نقابة الصحفيين وذلك حين جردتها من ملابسها في مظاهرة باعتبار أن عري جسد المرأة هو أكبر فضيحة ممكن أن يلحق بها، كانت «نوال» ذاهبة إلي نقابة الصحفيين واخترقت المظاهرة الاحتجاجية التي لم تشارك هي فيها فجري ما جري. وبعد هذه الواقعة قام زوج «نوال» بتطليقها وواجهت أياما صعبة وعملت في جريدة «البديل»، ثم كان أن أغلقت «البديل» أبوابها، وبعد شهور ماتت «نوال». ورغم أنني لا أعرف حتي الآن كيف ماتت لكنني أكاد أجزم أن لموتها علاقة بما حدث لها أمام نقابة الصحفيين وتداعيات هذا الحدث الذي جمع بين العنف السياسي والعنف الأسري. وتجري ممارسة العنف ضد النساء داخل الأسرة علي يد الأب أو الأخ أو حتي الأم والأقارب وأحيانا علي يد الأبناء ومن يتابع صفحات الحوادث سوف يتجلي له ذلك بأوضح صورة. وتكمن مشكلة العنف النفسي والمعنوي وأحيانا الجسدي فيما أسميه «ثقافة الكتمان»، حيث تتجنب المرأة الشكوي أو الحديث عن العنف الذي يقع عليها غالبا خوفا علي أسرتها من الفضيحة، فلا تعرف إلا القليل عن وقائع الزواج المبكر والضرب والتحرش الجنسي والاغتصاب وبخاصة الاغتصاب في إطار الزواج والذي يعتبره بعض الأزواج حقا شرعيا، وصولا إلي الحرمان من الميراث، أما الفقر كعنف في حد ذاته فهو ظاهر للعيان ولا يقع العنف المعنوي علي الفقيرات وحدهن وإنما يطول نساء كل الطبقات، ففي بداية القرن العشرين تعرضت الكاتبة «مي زيادة» إلي واقعة عنف مخيفة حين اتهمها بعض أفراد أسرتها بالجنون، وأودعوها - غصبا - في مستشفي العصفورية للأمراض النفسية في «لبنان» طمعا في ميراثها، ومن المستشفي كتبت «مي» رسائل موجعة تفيض بالألم وبآيات اكتمال العقل علي أحسن ما يكون. وترتبط أبرز أشكال العنف ضد المرأة سواء في الواقع أو كما صورها الأدب بمفهوم الشرف وتجنب العار منذ كتب طه حسين دعاء الكروان حين قتل الخال ابنة أخته غسلا للعار، وفي البوسطجي ليحيي حقي قتل الأب ابنته بعد أن اكتشف حملها، وفي «الحرام» ليوسف إدريس ماتت البطلة بعد حمل غير مرغوب فيه تم بالاغتصاب، وظلت تنوء بحملها وهي تعمل طيلة اليوم في الترحيلة إلي أن وضعت طفلتها وخنقتها حتي لا تكتشف الترحيلة عارها رغم أنها ضحية. وفي عالم «نجيب محفوظ» تبرز لنا «نفيسة» في «بداية ونهاية» رمزا للعنف المركب ضد المرأة من الفقر للحرمان من التعليم، ومن الدمامة إلي العلاقة الجنسية مع رجل وعدها بالزواج إلي أن تسقط تماما في شباك الدعارة وصولا لقتل نفسها افتداء للعائلة. وفي رواية «الجوع» لمحمد البساطي تتعرض المرأة لعنف الفقر القاسي وينطبق عليها قول «صلاح عبدالصبور» أمي لم تمت جوعا لكنها عاشت جائعة. وفي «تغريدة البجعة» لمكاوي سعيد تتعرض «وردة» للعنف الوحشي من الصبيان والبنات زملاء رحلتها في قاع المدينة حيث يمارس المهمشون الضائعون فيما بينهم عنفا أشد قسوة من عنف المجتمع ضدهم، وتلقي الخادمة السودانية بنفسها من الدور الرابع عشر خوفا من عقاب مخدومتها الأمريكية. وهناك المئات من القصص والروايات والأشعار والمسرحيات التي تصور هذه الظاهرة التي تتأسس - غالبا - علي مجموعة من التصورات ومنظومة من المفاهيم نبتت مع السحر والديانات والفلسفات حول جسد المرأة مدنسا كان أو طاهرا أو سلعة في سوق البغاء وترويج البضائع، وينتج ذلك كله مجموعة من القيم المعادية للنساء والتي مايزال المجتمع في أمس الحاجة لتفكيكها وتحليلها والوصول إلي جذورها في بنية المجتمع الطبقي الأبوي تمهيدا للتخلص منها والإعلاء من شأن المساواة والكرامة الإنسانية. بدءا بوقف كل أشكال العنف ضد النساء معنويا كان أو جسديا.. سياسيا أو اقتصاديا، فوقف هذا العنف يحرر المجتمع كله لا النساء وحدهن.