تعقيبا علي ما يحدث منذ ولاية الرئيس حتي اليوم من تصادم مستمر مع القضاء يجب ان نلقي الضوء علي بعض الشذوذ في هذه العلاقة المتوهجة بصفة مستمرة. أولا: لا يقدم النائب العام استقالته إلي رئيس الجمهوريه بل إلي وزير العدل. و ذلك وفقا لقانون السلطه القضائيه ومن هنا كان عدم صحة قول مستشار الرئيس الذي ادعي ان النائب العام قدم استقالته الي رئيس الجمهوريه و قبلت. أي رجل قانون يعلم ذلك. وجهل و عدم معرفة بعض المستشارين بالقانون هو السبب الرئيسي في الاخطاء الفادحة التي ترتكب. ثانيا: الفصل الثالث من قانون السلطة القضائية ينص علي عدم قابلية القضاة للعزل و قراءة المادة 67 التي ( استبدلت بالقانون 35 لسنة 1984 ) تؤكد هذه الحقيقة: ” رجال القضاء والنيابة العامة – عدا معاوني النيابة غير قابلين للعزل ولا ينقل مستشارو محكمة النقض الي محاكم الاستئناف أو النيابة العامة إلا برضائهم” . ثالثا: عدد من نسميهم دكتور في القانون في مصر من ناصحي الرئيس يتزايد بصورة تدعو للقلق. لأن حامل هذه الدرجة العلمية يفترض فيه قدر ادني من المعرفة القانونية لا تشف عنها نصائح الدكاترة المشار اليهم . ولا شك انني ما كنت امنح هذه الدرجة العلمية لو كنت في لجنة المناقشة أو مشرفا علي الرسائل المقدمة بقصد نيل هذه الدرجة العلميه الرفيعة التي تتطلب علما لا يتوافر مع الاسف في هؤلاء المستشارين. رابعا: لا أحد يملك عزل أو إقالة النائب العام، فالقاضي لا يقال ولا يعزل من منصبه، إلا إذا ارتكب خطأ جسيمًا أو جناية تستوجب تحويله إلي محكمة الجنايات شأنه شأن المواطن العادي. ويخضع النائب العام للمساءلة فقط في هذه الحالة من الجهات المنوطة بذلك، وهي المجلس الأعلي للقضاء أو مجلس الدولة، طبقا لنصوص قانون السلطة القضائية . والمجلس هو المنوط بقرار إبقائه أو عزله، وهذا يتوقف علي نوع المخالفة أو الجريمة، ولا يملك الرئيس أو أي شخص في الدولة هذا القرار. وإلا عشنا في فوضي خامسا: هناك محاولة للتدخل في شئون السلطة القضائية لعدم الرغبة في استقلالية القضاء، وذلك من خلال محاولة إخضاع النائب العام للامتثال لرغبات الساسة . و علي الرئيس هنا كحكم بين السلطات ان يقوم باحترام الشرعية الدستورية والقانونية و التوازن بين السلطة القضائية والتنفيذية لانه لا يقبل منه أن الرجوع الي الخلف و الاعتداء علي سيادة القانون. سادسا: اننا لا نستطيع الآن أن ننكر – اللهم الا إذا فارقتنا كلية الروح العلمية والموضوعية – ان للاخوان المسلمين مشكلة ثقافية مع الحكم الديمقراطي تحت قيود القانون وسيادته من العسير جدا عليهم احترام بعض القواعد أو المبادئ التي تعترض سبيلهم . فأما يترخصون بازالتها و اما يرتكبون ما تحرمه بلا وعي و لا اكتراث بها. سابعا : المثل يزكي ما اقول و ابتعد عمدا عن القضية المعروفة بقضية الجمل وهي قضية جنائية . للإخوان أزمة مع القضاء الإداري لأنه منذ قيامه سنة 1946 كان له دور كبير في تحديد وتحجيم نشاط الإدارة من خلال مبدأ خضوع الإدارة للقانون فهو القضاء المستقر منذ خمسين عاماً وعدم قبول ذلك اليوم والظن بأن الاحكام الصادرة تتضمن حلولاً مستحدثة هو وهم كبير مزر يجب أن يفيق منه الأخوان، وعليهم أن يراجعوا مجموعة الأحكام القضائية لمجلس الدولة المصري المنشورة في خمسين عاماً ليعرفوا أن القضاء الإداري عمل دائماً بذات المبادئ سواء عند نظره دعوي إلغاء الإعلان الدستوري أو عندما نظر حل الجمعية التأسيسة الأولي، أو عند نظره لإعادة مجلس الشعب . والمشكلة مع القضاء الإداري مردها أن هذا الأخير هو الرقيب علي حسن أو سوء تطبيق الدولة للقانون، وهو الذي يراقب إذا كان هناك تعسف في إستعمال السلطة أو الإنحراف بها من عدمه ثامنا : ومن المضحك المبكي أن المواطن عنده انطباع غريب وهو أن الأخوان يكتشفون اليوم فقط دور القضاء الإداري! و الأغرب أنه لا طاقة لهم ولا باع باحتمال القيود العديدة التي تفرضها أحكام القضاء بوجه عام والقانون علي ممارسات السلطات العامة، المشكلة هي في عدم إستطاعتهم الحكم تحت قيد القانون! والقاضي من فوقهم رقيب. تاسعا : للإخوان مشكلة أخري مع الشكل الأسمي لقضاء القانون العام ألا وهو القضاء الدستوري.والأزمة هنا ليست فقط أزمة صدرية أو ضيق تنفس أخواني كما هو الحال مع الصحافة أو مع القضاء الإداري أو حتي مع النائب العام . وإنما جذور الأزمة أعمق بكثير وهي تتعلق بالاصطدام الدرامي الحاد بين شرعية القضاء الوظيفية للمحكمة الدستورية ودورها في احترام المبادئ الدستورية العامة كالمساواة وتكافؤ الفرص والحريات العامة من ناحية ، وشرعية الانتخاب التي يتشدق بها الأخوان عشر مرات في الدقيقة الواحدة من ناحية أخري، والواضح أنهم لم يفهموا بعد أن الانتخاب لا ولن يعطيهم – لا هم ولا أي حاكم آخر في مصر ولا حتي في خارجها – سلطة مطلقة أو كارت بلانش يسطرون عليه ما يشاءون بلا رقيب أو قيد، فالقاضي الدستوري يراقب ليس فقط دستورية لوائح الإدارة ومراسيمها ولكن أيضاً دستورية التشريع الصادر من السلطة التشريعية المنتخبة، لأن شرعية القاضي الدستوري تُبْنَي هنا علي أساس وظيفي محض ألا وهو دوره في حماية الحقوق والحريات الأساسية ضد كل قاعدة تشريعية تخالفها أو تهدر المبادئ الدستورية العامة عاشرا: إذا شئتم فللانتخاب شرعية ولكن للقاضي ايضا شرعية وللقانون والمبادئ الدستورية العامة شرعية كذلك . ولا يجوز أن تتغول شرعية علي أخري والديموقراطية البرلمانية التي عرفتها الدول الأوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية قد أسلمت قيادها في العالم كله إلي ما يسمي بالديموقراطية الدستورية التي تعني خضوع كل مؤسسات الدولة للدستور والقانون. وهذا أيضاً من المبادئ والتقاليد القانونية العامة التي لم يفهمها الأخوان في النظام القضائي المصري، أما الادعاء الغبي والأصم بأن كل من لا يشاطرهم الرأي فلول أو أن كل من يعارضهم متآمر وأن تطبيق المبادئ الدستورية العامة عليهم خيانة للوطن إنما هو بله وجهل وتجاهل مؤلم لإرادة ملايين من المصريين الذين تمنوا لمصر زوال مبارك إلي الأبد وفي نفس الوقت أملهم هو سير المؤسسات السياسية للدولة علي النحو الذي يحترم الدستور والقانون. و هو واجب رئيس الجمهورية في الوقت الحالي.