احتفال حزبي لمناسبة قومية، هذا هو الوصف الدقيق لخطاب الرئيس «محمد مرسي» في الذكري التاسعة والثلاثين لنصر حرب أكتوبر في استاد القاهرة، وسط حشد من أنصاره من الإخوان المسلمين وأسرهم تم جلبهم من مختلف المحافظات، بالإضافة إلي الشباب الذين يرتدون تي شيرتات موحدة، ويجري استحضارهم أفواجا في كل المظاهرات والتجمعات فضلا عن أفراد من الشرطة والقوات المسلحة، فيما اعتبرته وكالة الأسوشيتدبرس الأمريكية «استعرض قوة لجماعة الإخوان المسلمين». توظيف المناسبة الوطنية الغالية لصالح «الجماعة» تماما كما فعل النظام السابق، حين اختزل إعلامه وصحفه وكتابه نصر أكتوبر في «الضربة الجوية» لأن قائد سلاح الطيران أثناء الحرب كان «حسني مبارك»، استغلال مناسبة وطنية كبري لتلميع «صورة الرئيس» الذي لم يفهم كثيرون مثلي تجواله في بداية الاحتفال ونهايته بسيارة مكشوفة لتحية أنصاره، في حدث لم يكن له أية علاقة من قريب أو بعيد به، في نفس الوقت الذي غاب عن المشاركة فيه المشير حسين طنطاوي أحد قادتها وأحد أبرز أبطالها، والفريق سامي عنان وبقية أعضاء المجلس العسكري المقال الذي اعتبر الرئيس «مرسي» يوم إقالته في الثاني عشر من أغسطس الماضي، بمثابة العبور الثالث، بعد عبور أكتوبر وعبور الانتخابات البرلمانية والرئاسية كما قال، في مشابهة بين أشياء غير متساوية، بل هي مبالغة تنطوي علي تصغير وتقليل من عبور النصر بمقارنته بإنجازات حزبية معتادة. مناسبة وطنية كبري، يجري استغلالها ليستعرض فيها الرئيس مهارته الخطابية البليغة، التي حرص خلالها علي استخدام لغة عربية سليمة، لم تسعفه وهو يرصد إخفاقات وإنجازات برنامج المائة يوم الذي ألزم نفسه بأن يحل خلاله مشاكل الأمن والمرور والطاقة والزبالة ورغيف الخبز، إذ بدت الأرقام التي ساقها الرئيس تعبيرا عن الإنجاز بعيدة كل البعد عن الواقع الذي يعيشه مستمعوه. من مفارقات الاحتفال أن يحيي الرئيس دور الجيش الذي حمي ثورة 25 يناير والتزم بتسليم السلطة إلي حكم مدني منتخب، في غيبة قياداته عن الاحتفال، وأن يمنح قبل الاحتفال بأيام قلادة النيل ووسام نجمة الشرف إلي الرئيس «أنور السادات» صاحب قرار حرب أكتوبر، ويقوم بوضع إكليل من الزهور علي قبره، ومصافحة أسرته، ثم يغفل ذكره تماما في خطابه، بينما يدعو قاتليه للمشاركة في الاحتفال. أبرز ما في خطاب الرئيس هو المنهج الذي ينوي به علاج مشاكل الفقر في بلادنا، فالفساد لا السياسات التي اتبعت وقادت إليه، هي التي تهدر ثروات البلاد ما يعني أنه لا رجوع عن سياسات السوق الحرة المنفلتة من كل عقال، وأنها هي التي ستتواصل لقيادة الاقتصاد الوطني في المراحل المقبلة، ولا بأس هنا من أن يدافع الرئيس عن قرض صندوق النقد الدولي، دون أن يفصح عن الشروط التي أمليت لأخذه، ودون أن يربط بينها وبين حديثه عن رفع الدعم الذي لا يذهب لمستحقيه عن بعض المحروقات، والذي يؤكد كل خبراء الاقتصاد أنها خطوة سيصاحبها ارتفاع جنوني في الأسعار لا محالة، وسيدفع ثمنها الفقراء ومحدودو الدخل كما هي العادة. لا أخونة الانتصارات القومية، ولا القدرة الفائقة علي البلاغة الخطابية، ولا السخرية من المعارضين الذين إما أن يكونوا من أنصار النظام السابق، أو لا يعرفون «صلاة الفجر»، ولا الهجمة الشرسة التي تقودها جحافل الإخوان الإلكترونية والفضائية ضد المعارضين، من شأنها أن تحسن من صورة نظام استبدل الاستبداد المدني، بالاستبداد الديني!