انتخابات سيئة السمعة! عدد الذين شاركوا في انتخابات مجلس الشوري.. هو نصف عدد الصوفية الذين احتفلوا منذ أيام بمولد سيدنا الحسين. عندما يعلن المستشار انتصار نسيم.. رئيس اللجنة العليا للانتخابات أن ثمانية ملايين مواطن.. أدلوا بأصواتهم في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري.. من بين 26 مليون مواطن لهم حق التصويت.. فمعني ذلك أن الانتخابات التي جرت يوم الثلاثاء.. كانت باطلة. ويعني أن زواج عتريس من فؤادة باطل!. فوفقا للأرقام التي أعلنها المستشار انتصار نسيم.. نجد أن 30% من بين من لهم حق التصويت قد أدلوا بأصواتهم في كل محافظات مصر.. بما يعني أن 70% قاطعوا الانتخابات. فإذا صح ما جاء في الكلام الرسمي.. وما نشرته صحف الحكومة.. فإننا أمام حالة تستدعي إعلان بطلان النتائج التي أسفرت عنها هذه الانتخابات بسبب تدني المشاركة الشعبية.. وفقدان ثقة الجماهير في حكامها.. علاوة علي إحساس الغالبية العظمي من البسطاء.. بأن أصواتهم لا قيمة لها. وتبدو المفارقة عندما نلاحظ أن عدد الذين شاركوا في انتخابات مجلس الشوري.. هو نصف عدد الصوفية الذين احتفلوا منذ أيام بمولد سيدنا الحسين في الليلة الكبيرة للمولد.. وتمايلت أجسادهم في حلقات الذكر.. وهم يرددون. الله.. الله.. مدد يا حسين. في مولد الحسين شارك 15 مليون مواطن.. وفي انتخابات مجلس الشوري.. شارك 8 ملايين مواطن.. ليس فقط بسبب زيادة عدد «الصوفيين» عن عدد «الصفوتيين» من أنصار صفوت الشريف.. ولكن لأن أعمال المولد الأول.. كانت تجري في شفافية.. ولوجه الله وحده الذي لا شريك له. والمثير في الموضوع أن أكثر فئات الشعب غيابا.. في انتخابات مجلس الشوري.. كانت فئة الشباب التي تعطي الانتخابات في النظم الديمقراطية.. حيويتها.. وتناولها لقضايا المستقبل.. باعتبار أن فئة الشباب هي صانعة المستقبل.. وهي التي تقوم علي أكتافها نهضة الأمم. في الدول الديمقراطية تصل نسبة المشاركة إلي 80% و90%.. لأن المواطن في هذه الدول يشعر بأن صوته له قيمة.. وأنه الذي يختار حكامه.. وأن الساحة السياسية تتسع لكل الاجتهادات التي تقاوم الفساد والرشوة.. والتفريط في ثروات الوطن وبيعها للأجانب برخص التراب. هذه الحالة.. حالة مقاطعة الشباب للانتخابات تستحق وقفة.. وتستحق المصارحة.. إذ لا يكفي أن يعلن المستشار انتصار نسيم نتائج الانتخابات.. ولا يكفي أن تنشر صحف الحكومة أن «الأقباط!!» الذين دخلوا الانتخابات قد نجحوا.. أو أن قائمة «المحظورة» لم ينجح فيها أحد (!!). وهو كلام لا يليق ولا يصح.. ليس فقط لأنه يهدم أبسط مبادئ المواطنة.. ولكنه.. يكشف فشل حكامنا.. حتي في مجرد اختيار الأبواق التي تتحدث باسمهم.. وتسعي لتحسين صورهم بين رعاياهم. هذه الأبواق.. ليست أبواق صحفيين.. لديهم ملكة القدرة علي مخاطبة الرأي العام.. الذي لا يفرق بين مصري.. ومصري.. وإنما هي أبواق جماعة تكتب في صحف الحكومة بقرارات جمهورية.. وبعقلية رجال المباحث. فمن اللافت للانتباه أن قضية اتحاد كرة القدم برئاسة سمير زاهر.. والعقوبات التي فرضتها «الفيفا» علي مصر.. بسبب تداعيات مباراة مصر والجزائر.. قد حظيت باهتمام شبابنا.. وفاقت اهتمامه بانتخابات «الصفوتيين».. ومجلس الشوري. جماهير الشباب تستطيع حل اتحاد الكرة.. ولكنها لا تستطيع حل مجلس الشوري.. أو تغيير الوجوه التي التصقت بمقاعده.. وتحولت إلي جزء من ديكوراته.. وميكروفوناته. وفي ظل غياب الشباب الذي كان يردد وراء محمد عبدالوهاب «أقسمت باسمك يا بلادي.. فاسلمي.. أقسمت أن أحمي حماك وأفتدي».. وفي ظل غياب المشروع الوطني.. استطاعت كرة القدم أن تستقطب الجماهير العريضة من شبابنا.. وأن يتحول نجوم كرة القدم إلي زعماء تتناقل الصحف أخبارهم.. وأن يخصص تليفزيون الفقي.. البرامج التي تشغل الناس عن قضاياها.. وأن ترتفع نسبة المشاركة في انتخابات الأندية الرياضية عن نسبة المشاركة في الانتخابات العامة. وأتصور أننا في حاجة.. لدراسة هذه الظاهرة العجيبة التي تكشف الخلل في حياتنا السياسية. ففي انتخابات الأندية الرياضية.. لا ترتفع نسبة المشاركة فحسب.. دائما لا تحوطها شبهات التزوير.. وعلي رأي هيفاء وهبي «مش كل من رقص.. واتنطط يعمل فوازير»!. انتخابات الأندية الرياضية.. تسفر عن ظهور وجوه جديدة.. ودماء جديدة وأجيال جديدة.. تواكب الزمن ولا تسعي للسلطة من أجل اللحاق بمواكب الفساد.. لأن «مش كل من رقص واتنطط يعمل فوازير» كما تقول هيفاء. في الأندية الرياضية.. الدماء تتجدد.. علي عكس ما يجري في الانتخابات العامة عندنا. في الأندية الرياضية والاجتماعية تتمتع الانتخابات بحسن السمعة.. ولذلك تسارع الجماهير في المشاركة فيها، علي عكس الانتخابات السياسية التي تتمتع للأسف الشديد.. بسوء السمعة.. ويضعها البعض في عداد أعمال النصب والاحتيال. مجلس الشوري عندنا.. هو مجلس ضرورة. وللضرورة أحكامها. والحكومة لا تجري الانتخابات إرضاء لخاطرنا.. وإنما إرضاء لخاطر جمعيات حقوق الإنسان في أمريكا.. ودول الاتحاد من أجل المتوسط.. التي تري أن من حقوق الإنسان أن يبحث عن حكامه.. ويختارهم في انتخابات حرة ونظيفة. عندنا يحدث العكس.. فحكامنا.. بعد كل انتخابات.. هم حكامنا قبلها.. وأحوالنا قبل الانتخابات هي أحوالنا بعدها.. والمناصب هي.. هي.. والوجوه هي.. هي.. والأوجاع نفس الأوجاع.. ونتائج الانتخابات واحدة.. ومعروفة قبل إجراء الانتخابات ويستطيع المواطن أن يحدد أسماء الفائزين.. بمجرد الإعلان عن إجراء الانتخابات.. لاسيما بعد أن يعلن حكامنا أن الانتخابات حرة ونزيهة. حرة ونزيهة.. تعني أن الأحوال باقية علي ما هي عليه.. وأن الانتخابات لا تعني التغيير.. وإنما تعني إعادة «التفنيط» بلغة الكوتشينة. فالولد «يقش» والشايب «يكسب».. والتفنيط يحتاج إلي خفة يد.. وبالتالي فإن الانتخابات عندنا.. هي إعادة «تفنيط» للكوتشينة ليبدأ حكامنا اللعب من جديد. ويبدأ الإعلان عن «التفنيط».. بضجة إعلامية وأصوات عالية.. وحوارات وأحاديث عن الانتخابات الحرة النزيهة.. ومعها الشفافية.. وتنتقل الضجة لكل وسائل الإعلام التي يجلس فوقها صفوت الشريف.. تطالب المواطنين بالإدلاء بأصواتهم من أجل «التغيير». تغيير ماذا؟.. آسف.. لن أقول!. والطريف في الموضوع أن حكامنا.. ينجحون في كل مرة في إشاعة الأجواء الانتخابية علي غرار الخبرات المكتسبة من الموالد الشعبية ونري صورة صفوت الشريف.. ممسكا بسماعة التليفون الأرضي جالسا في غرفة عمليات الحزب السرمدي وبجانبه أحمد عز يديران العملية الانتخابية التي تجري علي حد قولهم في ربوع القري والنجوع والعربان. وقالت افتتاحيات صحف الحكومة إن اكتساح الحزب الوطني للانتخابات كان أمرا متوقعا.. خاصة أنه خاض العملية الانتخابية معتمدا علي رصيد ضخم حققه زعيمه الرئيس مبارك من خلال برنامج رئاسي استطاع أن يصل إلي قلب ووجدان كل إنسان مصري ملبيا كل طموحاته وآماله مستجيبا لهمومه ومشاكله.. وتجاوزت معدلات تنفيذه البرامج المدة الزمنية الموضوعة. ويلاحظ في كل انتخابات تجري علي أرضنا الطيبة.. أن أجهزة الدولة الرسمية.. بكل سلطانها وسلطاتها تقف إلي جانب أصحاب الحل والربط.. بما فيها المساجد.. حيث يقف الأئمة فوق المنابر.. يبتهلون إلي الله - سبحانه وتعالي - أن ينصر الحزب السرمدي ويسدد خطاه. في يوم الجمعة الرابع من يونيو 2010.. وقف الأئمة في مساجد الأوقاف يشرحون للمصلين أهمية مجلس الشوري في الإسلام. قال الإمام ونحن جلوسا نتطلع إليه.. إنه عندما تحدث الله - سبحانه وتعالي - عن الشوري.. كان - جل جلاله - يريد أن يعلمنا جميعا أن من يأخذ بمنزلة الشوري فقد أطاع الله الذين أمر حبيبه المصطفي بالشوري. وقال الإمام.. إن الشوري من حسن الخلق.. وقد خاطب الله - سبحانه وتعالي - النبي - صلي الله عليه وسلم - بقوله.. «لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك».. وقد سأل أحد الصحابة الرسول صلي الله عليه وسلم: ما العزم يا رسول الله.. فقال.. إن العزم هو مشاورة أهل الرأي والأتباع.. أي أن اتباع أوامر الحكام.. سنة شريفة.. أي المشاورة لأهل الرأي ثم الاتباع وإطاعة أولي الأمر.. والتوقف عن جدالهم ومعصية ما يصدر عنهم. وقال الإمام.. إن الله - سبحانه وتعالي - يلفت أنظارنا.. إلي أن نتشاور مع «أهل الرأي» وأن ننزل علي رأيهم.. أي مشاورة أهل الرأي ثم الاتباع.. وفي غزوة «حنين» عندما أراد تقسيم الغنائم.. زاد النبي - صلوات الله عليه - من نصيب المؤلفة قلوبهم.. فغضب الأنصار.. وقالوا: لماذا يعطي قريشا ويتركنا؟ وعندما وصل ذلك الرسول.. عمل النبي - صلي الله عليه وسلم - علي تهدئة «الرأي العام».. وحاور الأنصار قائلا: لعلكم تقولون كذا.. وكذا.. يا معشر الأنصار، وحاورهم إلي أن هدأت نفوسهم.. وانصرفوا شاكرين.. إلخ. وهكذا كانت خطبة الجمعة السابقة علي انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري.. هي النموذج لسعي حكامنا بكل ما لديهم من سلطات.. لإقناع المصلين.. بالإدلاء بأصواتهم لصالح حكامنا الذين يتربعون علي عرش السلطة منذ أكثر من 30 سنة.. بلا انقطاع. ولكن.. رغم كل هذه المحاولات الفاشلة.. للترويج لفكرة إعادة انتخاب أنصار صفوت الشريف.. فإن 70% ممن يملكون حق الانتخاب لم يدلوا بأصواتهم.. وقاطعوا الانتخابات.. ليس فقط لأنها انتخابات مزورة.. ولكن لأنها سيئة السمعة!.