عاصفة الاحتجاجات التي شهدتها مصر ودول الربيع العربي ضمن عشرات البلاد الاسلامية مثل افغانستان واندونيسيا ، تكشف عن عدة حقائق علي الارض لم تنجح العبارات الدبلوماسية في إخفائها وأول تلك الحقائق ان تنظيم القاعدة والتنظيمات المتطرفة القريبة من أفكار القاعدة وتسير علي هديها أقوي مما تظن اجهزة المخابرات الكبري تتقدمها المخابرات الامريكية التي أشارت منذ ايام في ذكري مرور 11 عاما علي الهجوم الارهابي علي برجي التجارة و وزارة الدفاع الامريكية ، ان تنظيم القاعدة اصبح بالغ الضعف وخاصة بعد نجاح المخابرات الامريكية في اغتيال زعيم القاعدة ومؤسسها اسامة بن لأدن. الحقيقة الأخري ان الدعم الامريكي للربيع العربي علي امل وصول أنظمة حكم اسلامية معتدلة تسحب الارض من تحت القاعدة والتنظيمات المتطرفة ، تحول الي وهم كبير ، فالقوي الاسلامية التي وصلت الي الحكم في مصر وتونس وليبيا وتهيمن علي الشارع في اليمن لا تؤمن بالديموقراطية والحريات العامة علي النمط الغربي وساهم صعودها في تقوية الأفكار المتطرفة والمتشددين دينيا والذين وجدوا ان الفجوة بين أفكارهم المتطرفة وأفكار وسياسات الحكم تضيق الي حد كبير ، وبالتالي فان الأجواء اصبحت مثالية للعمل بحرية وبعد ان تم الإفراج عن مئات المسجونين الذين تمت إدانتهم في قضايا إرهابية مثل عملية الأقصر التي قتل فيها عشرات السياح عام 1995 ومحاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا والذين قتلوا وساهموا في قتل الرئيس السادات وعدد من مرافقيه 1981 وإعادة الاعتبار لهم باعتبارهم أبطالا يستحقون التكريم ، فيما نجحت الجماعة الاسلامية التي قتلت السادات وقامت بالهجوم علي محافظة اسيوط وعشرات العمليات الإرهابية في احتلال 11 مقعدا في مجلس الشعب الاخير علي يد حزب البناء والتنمية الجناح السياسي الحزبي للجماعة الاسلامية. القاعدة وأخواتها في سيناء وأظهرت عمليات الهجوم علي قوات حفظ السلام الدولية ومديرية شمال سيناء وقسم الشيخ زويد ، ان القاعدة وأخواتها من التنظيمات المتطرفة والمسلحة لاتزال قوية للغاية علي الرغم من الحملة العسكرية التي ما تزال مستمرة في سيناء، ونجحت تلك التنظيمات في إيصال رسالة للجميع بانه لا يمكن القضاء عليها ، كما تشير تلك العمليات الي المخاطر الاستراتيجية والأمنية التي تمثلها مئات الإنفاق بين. سيناءوغزة التي تموج بعشرات المنظمات الجهادية التي تنسق الأدوار مع حركة حماس ، والأخطر بالنسبة لنا ان غزة وشمال سيناء علي وجه الخصوص اصبحتا تتبادلان عملية القواعد الخلفية في العمليات العسكرية وتخزين السلاح ، فإذا قامت اسرائيل بعملية ضد المنظمات الجهادية في غزة احتمت الاخيرة بالانفاق وترسل رجالها وأسلحتها الي جبل الحلال وغيرها من مناطق سيناء خاصة صحراء النقب ، ويحدث الان العكس فالمنظمات الجهادية الموجودة في سيناء تستخدم الوسيلة نفسها بالهرب الي حليفاتها في غزة حيث تتبادل تللك المنظمات مناطق في غزةوسيناء كعمق استراتيجي لكل منهما. الهجوم علي السفارات الامريكية وعلي الرغم من الإدانة الواضحة من جانب الادارة الامريكية للفيلم المسيء للرسول وللإسلام والقبض علي احد صناعه، فان ردود الفعل الشعبية في مصر ودول الربيع العربي التي تلقت اكبر دعم من الولاياتالمتحدة اثناء ثوراتها تصاعدت بشكل مخيف وجاءت الذروة في ليبيا بقتل السفير الامريكي في بنغازي وحصار السفارة الامريكية في القاهرة ثلاثة ايام متصلة وانتزاع علم السفارة عبر اقتحامها وإحراقه مع تشديد المطالبة بتحرير عمر عبد الرحمن مؤسس الجماعة الاسلامية من السجون الامريكية ، ورفع علم القاعدة الأسود علي السفارة، وظهر التحول في اداء عديد من الصحف القومية المصرية في عناوينها الشعبوية التي اتجهت الي التحريض بأكثر مما اتجهت اليه من دعوات للعقلانية وترك قضية الفيلم المسيء للقنوات الدبلوماسية خاصة ان أحدا في الغرب لم يدافع عنه.. والأخطر في الامر ظهور بعض الأصوات بالغة التطرف التي وظفت الفيلم للهجوم علي المسيحين عموما وعلي أقباط مصر الذين وجدوا انفسهم في موضع الاتهام علي اقل تقدير ، واعلن احد الدعاة الدينيين ( ابو اسلام) عن قيامه بحرق الإنجيل وصدرت فتاوي بان سب الله سبحانه وتعالي يمكن التسامح فيه بالتوبة اما سب الرسول عليه الصلاة والسلام فلا تجدي التوبة ويتحتم قتل المسيء ولا عقاب علي القاتل. وخطورة هذه الفتاوي انها تفتح الأبواب امام المتطرفين لتنفيذ الفتوي بأنفسهم بعيدا عن سلطة الدولة والقانون ، ومن شانها تعدد السلطات وفتح الأبواب امام تنفيذ دعاوي التكفير والقتل وإعمال كل صور العقاب ، وحين كانت الدولة قوية ايام مبارك كانت القوي المتطرفة تلجأ للقضاء كما حدث في قضية الدكتور نصر حامد ابو زيد ، اما الدكتور فرج فوده فقد قتل بناء علي فتوي أهدرت دمه لانه كتب كتبا اغضبت الإسلاميين وتعرض نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال نجا منها وعاش بإصابة دائمة. ضربة للسياحة والاستثمارات الاجنبية ومن تداعيات الحملة العنيفة في مواجهة الفيلم المسيء كم حدث مع الرسوم الكرتونية التي قام بها رسام دنماركي ، توجيه ضربة قوية للسياحة القادمة لمصر وتونس علي وجه الخصوص وكانت آمال البلدين معلقة علي عودة السياحة الاوروبية والأمريكية بوجه خاص ، ويبدو ان آمال وزارة السياحة المصرية بموسم سياحة شتوي قد ضربت بشدة واصبح الامر يحتاج الي حملة إعلامية وجهود دبلوماسية كبيرة لاحتواء الأزمة. وهنا نأتي الي جهود النظام الجديد في مصر لاحتواء الأزمة ، وقد اثبت فشلا ذريعا علي كل الأصعدة الدبلوماسية والإعلامية والأمنية ، صحيح ان تصريحات الرئيس مجمد مرسي كانت جيدة خلال زيارته الأوروبية لبروكسل وروما، الا ان احداث العنف في القاهرة واقتحام مدخل السفارة والتحريض الإعلامي أعطي صورة مغايرة ، تماماً كما حدث في برقية رجل الاخوان الأقوي خيرت الشاطر الي الادارة الامريكية التي شكرتها ودعاهافي نفس الوقت الي قراءة المكتوب علي موقع جماعة الاخوان. مصر ليست حليفة وليست عدوا ثم جاء التعليق الأهم من الرئيس الامريكي باراك أوباما الذي قال فيه ان مصر ليست حليفا للولايات المتحدة وليست عدوا لها ، وهي معادلة جديدة في مسار العلاقات المصرية الامريكية التي شهدت صعود مصر الي ثاني اكبر متلقي المعونات الامريكية وحليف استراتيجي مهم في الشرق الاوسط وهو ما ابرزته مناورات النجم الساطع والتنسيق في التعامل مع قضايا ونزاعات وأزمات الشرق الاوسط بكفاءة عالية طوال حكم السادات ومبارك ، ويبدو ان العلاقات مع مصر في ظل حكم مرسي والإخوان ستأخذ منحي اخر ، فمرسي لن يستطيع اعتماد سياسة مبارك في الاقتراب والتنسيق مع الولاياتالمتحدة ، رغم مساعدة إدارة للإخوان وضغوطها العلنية والسرية علي المجلس العسكري والمشير طنطاوي لإعلان فوز الاخوان بالرياسة طبقا للنتائج التي سارع الاخوان بإعلانها قبل ساعات قليلة من انتهاء التصويت وقبل اكثر من اسبوع من اعلان النتائج الرسمية.. ويبدو ان اعتماد الحكومة المصرية علي دعم الادارة الامريكية السريع لفرض صندوق النقد الدول لمصر سيضعف وخاصة ان سوء الحظ للحكومة المصرية ساق تواجد اكبر وفد اقتصاد امريكي في مصر مع احداث العنف الغاضبة ردا علي الفيلم المسيء والحملة الشعبية والإعلامية الضخمة ضد الولاياتالمتحدة والغرب والمسيحيين والأقباط المصريين ، وتوقع ردود فعل غاضبة اكبر علي نسق ماحدث في بنغازي في عملية قتل السفير الامريكي ، وقد غادر الوفد قبل موعد انتهاء الزيارة غاضبا ولم تسفر زيارة اكبر رؤساء الشركات والمؤسسات الامريكية عن اتفاقيات مهمة خاصة ان الزيارة كانت استكشافية للأوضاع العامة في مصر وبالطبع جاءت الصورة باعثة علي القلق. سوء الإدارة يبقي ان الرئيس أوباما بتوصيله للعلاقة الجديدة مع مصر اختار الابتعاد عنها فهي ليست حليفة للولايات المتحدة لكي يبرر ردود الفعل الغاضبة داخل الكونجرس الذي تساءل الكثير من أعضائه عن سبب طلب الادارة الامريكية تقديم معونات لمصر مع إعفائها من جزء كبير من ديونها ، وهي ليست عدوا للولايات المتحدة وبالتالي يمكن مساعدتها طبقا لهذا الوضع الجديد ، وبالطبع فان أوباما الذي يخوض الانتخابات من اجل دورة ثانية وأخيرة قرر الابتعاد عن مصر ودول الربيع العربي محاولا مواجهة انتقادات خصومه ومنافسه ميت رومني بمسئولية أوباما عن دعم القوي الاسلامية المتطرفة في العالم العربي واستمرار الفشل الذريع في افغانستان التي لن تتحول أبدا الي بلد صديق للولايات المتحدة بعد كل ما قدمته من أموال وتضحيات وجنود قتلي في هذا البلد.. والنتيجة ان ردود الفعل الغاضبة والعنيفة إزاء فيلم حقير بلا وزن في الواقع ولاجمهور سوي الجماهير العربية التي تتسابق لمشاهدته عبر اليوتيوب التي أغلقت امكانية مشاهدته في مصر وليبيا وتونس ، ساهمت في احداث أزمة مع الدول الأوربية والولاياتالمتحدة متوجه سوء إدارة الدول العربية لتلك الأزمة وخسرت بالتالي الاختبار الاول في علاقة دول الربيع العربي مع الدول الغربية التي تعيد النظر في علاقاتها المستقبلية مع هذه الدول ، كما بدات تعيد النظر في دعمها للثورات التي ستنتج بالضرورة نظاما مماثلا لما هو موجود في ليبيا واليمن وتونس والعراق ومصر التي شكلت مفاجأة غير سارة للغرب هذه الايام.