( 61 عاما ) ليست بالعمر الكبير يا حلمي ، حتي تخذل أصدقاءك ومحبيك ، وتخطف من عيونهم البهجة ، فالهروب لا يليق بك يا رجل ، كان وجودك في ذاته كفيلا بالاطمئنان إلي أن ” علي هذه الأرض ما يستحق الحياة ” كان وجودك بيننا يكفي للإيمان بأن الفعل المقاوم قادر علي كسر الحصار في البيت والشارع والوظيفة . خذلتنا يا صديقي وتركتنا لليأس واللا جدوي ، سأترك رسالتك علي الهاتف حتي يبلي : ” سأقيم أمسية شعرية أقرأ فيها ديواني الجديد ” معجزة التنفس ” حول تجربة المرض الأخيرة ياريت تيجي ” وبقدر ما فرحت بتلك الرسالة دهمتني الكآبة حين توالت الأخبار ” حلمي سالم يحتاج إلي نقل دم ” هل استسلمت يا صديقي ؟ لكن الشعراء لا يلقون السلاح في المعركة بسهولة ، كان حلمي حاضرا ببهائه المعتاد في حزب التجمع ، يقرأ ويقرأ ، كنت أغمض عيني لأري الفارق بين الصوت الذي يتردد صداه في القاعة الآن والصوت الذي سمعته لأول مرة منذ ما يقرب من عشرين عاما ، لم يكن هناك فارق ، فقط كان حلمي سالم في الحالين يزداد حضورا . حلمي سالم لا يخلف وعده أبدا ، لذا رفض الانصياع لأوامر الأطباء لأن صوت الشعر أعلي من سواه ، هل يخلف وعده من قطع كل هذه المسافات للإمساك بجملة في ديوان ؟ من خاض تجربة المرض الأولي عامدا ليكتب ” مدائح جلطة المخ ” لايخلف وعدا حول الشعر أبدا ، فلماذا أخلفت وعدك معي يا صديقي حين اتفقنا علي موعد ألقي فيه بين يديك ما تركته في تجارب الحياة العنيفة ؟ هل تعرف أنك الوحيد الذي كنت أثق في أنه سيكون أمينا معي وعلي ؟ إذن حين احتضنتك في أمسيتك الأخيرة كنت تجاملني بقولك : ” أنا مبسوط جدا إنك جئت ” مثلما كنت تجاملني حين أقول لك : لدي قصيدة جديدة أريد أن أنشرها في ” أدب ونقد ” وكنت تقول : ” أرجوك هاتها بسرعة ” وكأنني سأكون سببا في تعطيل إصدار العدد إذا تأخرت في إرسال القصيدة لك . الآن أفهم لماذا كنت تقول : ” بكرة يكبر ويفهم ” حين أشاكسك بالحديث عن الصديق الذي لا يوفر مناسبة إلا وهاجمك بعنف ، كان هذا هو ردك الموجز يا ابن الحياة ، يا ابن كل التجارب من فيينا إلي أمريكا إلي باريس وحصار بيروت ، يا ابن الشعر، وكأن الشعر حبل نجاة، وكأن قصائدك الأخيرة هي آخر أوراق الصراع مع المرض، كنت واثقا من نجاتك ، لكنك خذلتني . من اقترب منك يا “حلمي ” في سنواتك الأخيرة لا يخطئ مرارتك من أبناء جيلك الذين تخلوا عنك في معركتك الأخيرة مع التيارات الظلامية ، بعد نشر قصيدة ” شرفة ليلي مراد” لكنك تعود الآن إلي ” الراهب ” في تابوت، بعد أن ملأت الحياة حبا وشعرا ، وتركت لنا أسي مقيما .