ثار بركان في أيسلندا ، تعطلت الطائرات، حجز المسافرون، صورهم وهم مفترشو الأرض ملأت الفضائيات، ضربت السياحة ، خسرت شركات الطيران وربحت شركات النقل البري والبحري. اختلف تعامل الغرب مع تلك الظاهرة مع ما في دماغ أهل الشرق، في الغرب اعتبروه ظاهرة طبيعية وضعوها في إطارها وحجموا بالعلم تعديها علي الأرواح البشرية. في الشرق أقيم علي مصراعيه سوق للفتاوي والمواعظ والتخويف والترهيب ، البركان نتيجة للعلاقات الجنسية غير الشرعية ، تحذير من مصير مظلم ينتظر العصاة، نتيجة حتمية للحكم بما لا يرضي الله، نماذج لحمم بركان مستعر في فضائيات وميكروفونات التكفير والتحريم. مع تقدم العلم ينفتح ما كان مغلقاً، كثير منه، تتضح الرؤية، تتكشف الخبايا. العلم يدفع للمزيد من العلم، والجهل لا يؤدي إلا إلي ظلام دامس من الجهل والخرافات، والأوهام . العلم ممارسة، أسلوب حياة لا تعترف إلا بالحقيقة المجردة ، بالعمل المتواصل ، بالطموح للمزيد من التقدم . الجهل اعتياد ركون إلي الخرافات، إلي تعطيل العقل، إلي الانقياد وراء الخزعبلات وعالم الدخان والسحر ومعسول الكلام. العلم حياة الجهل فناء، ولو كان بطيئاً ، ولو كان في الظاهر بعض الحركة. ما كان من المعجزات في أزمان سحيقة مضت، يستحيل أن يظل معجزا ، ما كان بلا تفسير علمي وجد شرحه وتعليله وإيضاحه، الزلازل، البراكين، الأعاصير ، الفيضانات، المد والجزر، الكسوف والخسوف ، لم تعد غضباً من السماء ،و إنما ظواهر طبيعية مفهومة، مبررة، متوقعة، محسوبة، الطبيعة فيها الهدوء والدعة، فيها العنف والتقلب والهياج، كذلك الكائنات الحية، الإنسان منها. التقلب والتبدل والتغير، سنن الحياة ، لم تعد مفاجئة إلا لمن غاب عن الوعي. مضي زمن كانت السيطرة فيه بالتخويف من غضب الطبيعة، مستحيل ، إنه غضب كاسح، يأخذ الأبرياء مع المخطئين ، يستحيل أن يكون عادلاً، لا تأديب ولا إصلاح فيه، الانتقام الجماعي، التدمير ، الإبادة ، صفات يستحيل أن تكون عليا. من واجب كل عامل بالوعظ البحث والتفحص والتدقيق، الرجوع إلي التاريخ ، دراسة ما اعتبر معجزات ، مراجعتها ، هل هي فعلاً من الخوارق ، أم مجرد ظواهر لم تفسر لعجز زمانها . مهمة صعبة ، أسهل منها التهديد والوعيد، الوعظ بلا قراءه، بالسمع دون التفكير ، بالنمطية دون الابتكار. الكسوف ولو طلعت نجومه في عز الظهيرة، وكذلك البركان مهما علت حممه ، ظواهر طبيعية تستحق الإعجاب والتأمل ، مثل أي مشهد خلاب ، لا أكثر . اعتبارها من المعجزات أو العقوبات لا يكون إلا لإلغاء العقول، لجر أجساد خاوية، دواب كبر حجمها وانعدم فكرها، إلي هوة سحيقة منزلقة، وهي مغيبة متبلدة ضاحكة. الفتاوي والمواعظ ، بانتهازية استغلال الظواهر الطبيعية للدخول إلي استنتاجات بعينها، هي من طينة الآراء التي تروج لما يعود علي البشرة من فائدة لارتداء النقاب والملابس السوداء ولو في عز القيظ والحر أو في دامس الظلمة.