يأتي هذا المقال ، في ذكري احتفال مصر ، والأمة العربية ، وكل شعوب العالم الثالث بمرور ستين عاماً علي قيام ثورة يوليو المجيدة ، وتأتي هذه الذكري وللمرة الأولي في ظل أحداث وتغيرات وتطورات تشهدها مصر بعد قيام ثورة يناير ، وأيضاً تأتي في ظل هجوم ضار عليها وعلي مفجرها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، ولم لا ؟ ويقول أول رئيس مصري منتخب ، وعلي المنصة في ميدان التحرير ، وعقب إعلان فوزه ، وبعد استعراضه لحركات النضال المصري عبر تاريخه الحديث بادئاً هذه الحركات بعشرينيات القرن الماضي ، يذكر بقيام حركة الإخوان المسلمين عام 1928، متجاهلاً ثورة 19 ، وما قبلها من حركات النضال الوطني ، إلي أن جاء إلي عقد الستينيات من القرن الماضي ، قائلاً ، ومندداً هذا العقد من “الستينيات وما أدراكم من الستينيات” ، وهو القول الذي تناولته العديد من الأقلام بالنقد ، وبين هذه الأقلام ما طرحته الصحفية “نسمة تليمة” في جريدة الأهالي بتاريخ 4/7/2012 ، تحت عنوان “الستينيات وما أجمل الستينيات”، وفي تحليلها المتميز تطرح عشرات الإنجازات التي تمت في عقد الستينيات ، في كل الميادين والمجالات ، إلي جانب كون هذا العقد علي حد تعبيرها هي تلك الفترة الحالمة شكلاً ومضموناً ، والخالية من كل ما يشوب الحياة الجميلة من مناظر قبيحة ، علي المستويين البشري والطبيعي . كما تؤكد علي حقيقة تؤكدها الأحداث التاريخية ومعطيات عقد السبعينيات ، وتتلخص في أن هذا العقد وإن اختلفت الرؤي حول إيجابياته وسلبياته ، إلا أن الجميع متفق علي أنه شهد نهضة غير مسبوقة في مصر . ومن هذه الحقيقة نقول : إننا ينبغي أن نعترف بأن ثورة يوليو شأنها في ذلك شأن كل الثورات الكبري ، قد وقعت في العديد من الإخفاقات والأخطاء ، بل قل الخطايا والنكسات . وهذه حقيقة لا يمكن لأي دارس أو محلل موضوعي تجاهلها ، أو إنكارها ، لكن تفرض الموضوعية أيضاً القول : إن لثورة يوليو إنجازاتها ونجاحاتها الكبري ، التي تتجاوز بدرجة كبيرة ما تعرضت له من سلبيات وإخفاقات ، كما أنه ومن المعروف تاريخياً أن كل الثورات الكبري قد تعرضت للإخفاقات والنكسات ، وخير مثال الثورة الفرنسية ، التي عرفت بالثورة “الحمراء” من شدة ما أريق فيها من دماء ، فلقد تعرضت للعديد من النكسات ، بل والارتداد عليها ، ومع ذلك استمرت وما تزال عنواناً ونموذجاً للحرية والمساواة والإخاء ، وكل القيم الإنسانية النبيلة ، التي إستمدت منها دساتير العالم المتقدم ، ومواثيق حقوق الإنسان أهم مبادئها ومكوناتها ، ومن المعروف أيضاً وعلي المستوي العلمي أن الحكم علي الأحداث التاريخية الكبري يفرض التعامل معها وفق معايير معينة ، تأخذ في اعتبارها اللحظة التاريخية التي عاشتها ، والظروف التي عملت من خلالها.. ولسنا بحاجة إلي تأكيد أن الثورة المصرية عملت من خلال ظروف صعبة للغاية ، من قبل القوي الاستعمارية والرجعية ، والثورة المضادة ، ومع ذلك استطاعت تحقيق إنجازات كانت بمعيار ظروفها وعصرها تشكل نقلة حضارية غير مسبوقة ، وعلي سبيل المثال لا الحصر ومن خلال العديد من الدراسات والتحليلات ، المؤتمرات والندوات التي تم عقدها في فترات مختلفة لتقييم ثورة يوليو نشير إلي “خطة التصنيع” التي قامت بها الثورة ، فلقد انطلقت هذه الخطة من توجهات لم تكن معروفة وقتها ، ومن مفاهيم غير مسبوقة كمفوم “التنمية المستقلة” كما أنها كانت تشكل قراراً سياسياً يتضمن تحدي السيطرة الاستعمارية . وعلي المستوي الاجتماعي والثقافي حققت ثورة يوليو ما يمكن اعتباره علي حد تعبير أحد المحللين “ثورة مصغرة”في كل مجال ، في التعليم ، في الصحة ، في المسرح ، في الثقافة العامة ، وفي الفنون بشكل عام . أما ما حدث بالنسبة للمرأة من حيث وضعها الاجتماعي فقد كان يشكل انقلاباً علي كل ما كان متوارثاً حولها ، وعبر القرون من تقاليد وممارسات ، باعتبارها “عورة” شكلاً ومضموناً ، حتي “صوتها” فلا يجوز لها التحدث إلا من وراء ستار ، أو من خلف الأبواب الموصدة ، فماذا حدث بعد الثورة ، لقد حصلت المرأة علي حقوق سياسية وإجتماعية غير مسبوقة ، كحق التصويت والترشيح في الانتخابات العامة ، وشغل الوظائف في مختلف أجهزة الدولة شأنها في ذلك شأن الرجل ، وبينما كان عدد من الملتحقات بالكليات العملية (الهندسة والطب) لا يتجاوز عدد أصابع اليد، فإذا بعدد الطالبات في هذه الكليات بعد قيام ثورة يوليو يقترب من نسبة الذكور ، وغيرها من الحقوق التي حصلت عليها المرأة ، وكانت تعد بمعيار عصرها إنقلاباً علي كل الأوضاع الاجتماعية والثقافية.